بغيابه عمّ الارتجال في المسلسلات التونسية وتعملقت الفوضى والعنف المرئي واللفظي في الدراما الرمضانية.. فمن يُعيد منيار علي اللواتي إلى سالف زقزقته؟
صابر بن عامر
“اعترافات المطر الأخير” (1992) لصلاح الدين الصيد، الشريط التلفزيوني المبشّر ببداية الصحوة الدرامية التونسية.
تلاه المسلسل الحدث لموسمين رمضانيين مُتعاقبين 1996 و1997، “الخطاب على الباب”.
“عشقة وحكايات” (1998)، “منامة عروسية” (2000)، “قمرة سيدي المحروس” (2003)، وهي جميعها للمخرج ذاته صلاح الدين الصيد.
ثمّ “حسابات وعقابات” (2004)، “عودة المنيار” (2005) و”عاشق السراب” (2009) للحبيب المسلماني.
فـ”كمنجة سلامة” (2007) لحمادي عرافة، وأخيرا سيتكوم “الأستاذة ملاك” (2011) لفرج سلامة.
كلّها عناوين لمسلسلات وسيتكومات صنعت مجد الدراما التونسية لأكثر من عقدين، كاتبها وصانع حواراتها مثقّف باذخ العطاء، متغيّر الثيمات والطروحات، ومُجدّد اسمه علي اللواتي.
تنقّل في كتاباته التلفزيونية بين الريف والمدينة، بين الشعبي والنخبوي، وبين العتيق والحديث مُبرزا الهوية التونسية في أبهى تجلياتها وتناقضاتها، فأتت أعماله رسما على جدارية الدائم والراسخ في القلب والعقل على السواء.
كلّ ما تقدّم من أعمال مرجعية صاغها اللواتي من معين المعرفة والتاريخ والفن، مجسّدا التونسي والتونسية ومن خلالهما تونس بأبعادها الثقافية والمعمارية والزخرفية والتراثية والموسيقية، ليُشكّلها صورا درامية ثرية وثرثارة دون تكلّف وابتذال.
مُثقّف استثنائي قال عنه الكاتب والباحث التونسي محمد بالطيّب: “يُخاطِب الجميع من مجهر المثقف النخبوي الآتي من الدوائر العليا للثقافة التونسية، والمثقل بمعارف التاريخ والأنثروبولوجيا وبمدارك الفنون وممارستها. لكن كأنّ أعماله الدرامية حواف تخوميّة بين مجالين: “الثقافة العالِمة” الآتي منها والناهل من منابعها، و”ثقافة شعبية” ينزاح نحوها ويكتب لها.. فبين هاتين الثقافتين المتباينتين، يقف علي اللواتي السيناريست”.
الرسام والشاعر والسيناريست الذي اختار بعد آخر أعماله الدرامية “الأستاذة ملاك” (2011) مُغادرة المشهد، ترك المشهد ضبابيا، فعمّ الارتجال في المسلسلات التونسية، وتعملقت الفوضى والعنف المرئي واللفظي في دراما رمضان ما بعد اللواتي.
بغيابه غابت الأعمال التي تعلَق في الذاكرة الوطنية والجامعة لشتات العائلة التونسية أمام تلفزيون واحد ومسلسل أوحد، أبدع نصّه وحواره علي اللواتي القادر لوحده مُلامسة المُشترك التونسي بريشة قُدّت من قوس قزح ألوانه المعرفية الضاربة في عمق التاريخ والمُنفتحة على القادم استباقا واتساقا بالآن وهنا.. فمن يُعيد منيار علي اللواتي إلى سالف زقزقته؟