ما تزال اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين تونس والولايات المتحدة الموقعة بتاريخ 30 سبتمبر الماضي مثار جدلٍ سياسيٍ وإعلاميٍ، فالتكتم الذي أحيطت به بنود الاتفاقية وتفاصيلها، أثار تساؤلاتٍ عن تداعياتها على السيادة الوطنية والأمن القومي، إلى جانب طبيعة التسهيلات الممنوحة للقوات الأمريكية بتونس من حيث الانتشار، وطبيعة الأنشطة والعمليات التي تقوم بها.
ويهدف مضمون الاتفاق وإطاره بحسب المعلومات الرسمية، إلى تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب ورفع إمكانيات الجيش التونسي، لكنه لم يعرض للنقاش والمصادقة على مجلس نواب الشعب، ما أثار تحفظات العديد من القوى السياسية والتي طالبت بالكشف عن بنود المعاهدة، انطلاقًا من ارتباطها بالسياسة الدفاعية للبلاد وسيادتها وأمنها الاستراتجي، ودعت مجلس نواب الشعب إلى مسائلة وزير الدفاع ابراهيم البرتاجي بشأنها..
الحزب الجمهوري كان من بين أوائل القوى السياسية التي أثارت الموضوع، وطالب “بالإعلان عن فحوى هذا الاتفاق العسكري معرباً عن استغرابه من إبقائه سريًا”.
وفي تصريحٍ خاصٍ لبوابة تونس الجمعة 02 اكتوبر، اعتبر أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، أن موقف الحزب ينطلق من الحرص على “استقلال قرارنا الوطني وسيادتنا على أراضينا”، إزاء اتفاق عسكري طويل الأمد يمتد على عشر سنواتٍ دون نقاش علني أو توضيح بخصوصه.
واعتبر الشابي، أنه يفترض بالنسبة إلى مثل هذه الاتفاقيات ذات الطابق الاستراتجي الخطير، والتي ترتبط بمستقبل الدفاع الوطني مناقشتها على مستوى مؤسسات الدولة وخاصة الهيئات التشريعية، ويطلع الرأي العام على بمحتواها.
وبالرغم من التحفظات التي أبداها أمين عام الجمهوري تجاه السياسات الأمريكية وخاصة منها المرتبطة بالمنطقة، إلا أنه عبر عن ترحيبه بالتعاون العسكري مع واشنطن، في نطاق التدريب والمساعدة اللوجستية وتبادل الخبرات، بما يطور “جاهزية قواتنا المسلحة ويسهم في دعم إمكانياتها البشرية والتسليحية”.
و وإزاء الصمت الذي خيم على الموقف الرسمي التونسي، أدلى وزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر بتصريحاتٍ عن الاتفاقية وأهدافها الرئيسية التي تشمل “حماية وتأمين الحدود إلى جانب تطوير التعاون لمكافحة الإرهاب، فضلًا عن مواجهة المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية أي الصين وروسيا بسلوكهما السيئ”، وهو ما يثير تساؤلاتٍ عن خفايا الاتفاق الذي قد يرتهن السياسة الخارجية الوطنية، بالأجندات الأمريكية ويقحمها في صراعاتها الإقليمية والخارجية.
وتعليقاً على هذه الماخذ، أكد أمين عام الجمهوري، بأن تصريحات المسؤول الأمريكي تزيد من القلق المرتبط بحقيقة هذه الاتفاقية وفحواها، خاصة أنها تشمل مسالة حماية الحدود والذي تعتبر قضية سيادية خالصة باعتبارها من مشمولات الجيش الوطني منذ الاستقلال، ولا يمكن تحت أي ظرف أو ضمن أي اتفاقية تكليف قواتٍ أجنبيةٍ بهذه المهام الحساسة.
وذكر الشابي بالبعد الحيوي للحدود التونسية، سواء مع الجزائر التي تعتبر “أحد ركائز عمقنا الاستراتجي، وكذلك بالنسبة إلى ليبيا التي تمثل بؤرة توترٍ كما أن مستقبل المنطقة يتوقف على حل النزاع الداخلي المستمر بها منذ سنوات”، وهي معطيات تزيد من حدة المخاوف تجاه حقيقة الأجندات الأمريكية بشمال إفريقيا، وطبيعة المشاريع العسكرية التي تسعى واشنطن لتكريسها انطلاقًا من تونس، خاصة أن الإعلان عن الاتفاقية جاء بعيد أسابيع من زيارة قائد قوات “الافريكوم” إلى تونس.
خطر تحول الاتفاقية إلى أداة لفرض الإملاءات الأمريكية على السياسة التونسية وانتهاك سيادتها، أصبح فرضية قائمة بحسب محدثنا، من خلال تصريحات وزير الدفاع الأمريكي عن التصدي للمنافسة الروسية والصينية.
وأضاف الشابي، “لا يمكن القبول بان تقوم الولايات المتحدة بفرض شروط تتعلق بالسياسة الخارجية”، مشددا أن تحديد علاقتنا الخارجية لا بد أن يستند إلى مصالحنا لوطنية.
ولفت أمين عام الجمهوري إلى محاولات واشنطن تمرير أجنداتها السياسية والاقتصادية بالمنطقة عبر المعاهدة، ضمن صراعها مع موسكو وبكين لفرض موطئ قدم بشمال إفريقيا، منبها إلى خطورة إقحام تونس في الصراعات الخارجية الأمريكية، مع منافسين “يفترض أننا نتطلع للتعاون معهم اقتصاديا خاصة الجانب الصيني”.
وأكد الشابي أن قيادة الجمهوري خاطبت رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بخصوص إطار الاتفاقية وأبعادها العسكرية والاستراتيجية والسياسية، كما دعت مجلس نواب الشعب إلى الإضلاع بدوره عبر مسائلة وزير الدفاع في الموضوع.