وجدي بن مسعود
على عتبة الذكرى الثالثة للـ7 من أكتوبر، يقف الشرق الأوسط وسائر المنطقة العربية، إزاء مشهد إقليمي تعاد رسم محاوره الإستراتيجية وخطوط الاشتباك، وتوازنات الردع، وحسابات التسويات السياسية، ومخططات الحرب والسلام.
على مدار السنتين الماضيين، ومنذ الطلقة الأولى لعملية “طوفان الأقصى“، تجاوزت ارتدادات الزلزال الذي ضرب الكيان المحتل، حدود غزة وفلسطين المحتلة، لتمتد على كامل خارطة المنطقة، من طهران إلى الدوحة، مرورا بصنعاء وبيروت.
رسمت الرجات التي شهدتها المنطقة على وقع الحدث، جملة من التحولات الكبرى سياسيا وعسكريا، وأعادت صياغة العلاقات الإقليمية، كما طرحت تحديات وجودية بالنسبة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع، في ضوء مبادرات وقف إطلاق النار و”مخططات اليوم الموالي للحرب”، فضلا عن تساؤلات حول الدور المستقبلي لجبهات الإسناد أو ما يعرف بمحور المقاومة، المكون من إيران وحزب الله في لبنان وجماعة “أنصار الله” الحوثية في اليمن.
بوابة تونس، استطلعت مقاربة الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مراد علالة، وتحليله لأبعاد المشهد الإقليمي في ظل ما أفرزته لحظة السابع من أكتوبر من تحولات ورهانات.
ينطلق مراد علالة من قراءة تداعيات زلزال 7 أكتوبر المتواصلة، والتي تعتبر “أشد وقعا من اللحظة الأولى” وفق تعبيره، خاصة على مستوى الانتصارات السياسية والأخلاقية التي تحققت للقضية والشعب الفلسطيني.
“فلسطنة” العالم
الثمن الإنساني الباهض من الشهداء و الجرحى الذي قدّمه الشعب الفلسطيني، في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة، بدأ يؤتي أكله حسب مراد علالة، عبر ظاهرة “فلسطنة العالم”، والتي تجسدت في التسونامي الشعبي الهادر في شوارع كل دول العالم، تكريسا للتضامن مع الشعب الفلسطيني وانتصارا لحقه الشرعي في المقاومة والتحرر، والتي رافقتها موجة دبلوماسية غير مسبوقة من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وأضاف: “بقطع النظر عن المواقف المتباينة من هذه الاعترافات، سواء اعتبرناها حلا مؤقتا أو مناورة لطمس القضية الفلسطينية، لكنها تكرس انتصارا سياسيا وأخلاقيا”.
وتركز بعض المقاربات والدراسات المتخصصة في مجال الصراع الفلسطيني- العربي مع الاحتلال، على الدور المحوري للطوفان والسابع من أكتوبر، في استعادة مركزية فلسطين على المستوى الشعبي العربي، بعد تغييب استمر طوال ما يزيد عن عقد من الزمن، منذ الربيع العربي، والذي شهد حالة من انكفاء الجماهير والنخب العربية على وضعها الداخلي والقطري.
عمّق هذا الواقع من عزلة فلسطين في الشارع العربي، في خضم مرحلة شهدت مخططات لتصفية القضية على غرار صفقة القرن سنة 2018.
وضمن بحثها في نتائج السابع من أكتوبر وحصاده السياسي عربيا ودوليا، تخلص هذه الرؤى، إلى أنه مثل حدثا قادحا، أعاد فلسطين إلى مدار مركزي دوليا، وفي ضمائر شعوب العالم، مجددا مشاهد التضامن الإنساني الواسع، الذي حظيت به الثورة الفلسطينية خلال ستينات القرن الماضي وسبعيناته.
حطمت حشود المتظاهرين المتضامنين مع غزة، في أوروبا وأمريكا اللاتينية وكندا والولايات المتحدة وأستراليا وعشرات العواصم والمدن في إفريقيا وآسيا، السرديات الكاذبة والروايات المحرفة التي روجها الاحتلال طوال سنوات في أوساط الرأي العام الغربي عن الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي”، وتشويه الحق في المقاومة ووصمه بالإرهاب، وأعاد تشكيل المفاهيم عن حقيقة الاحتلال وتاريخ المظلمة الفلسطينية، كما عمق عزلة الكيان المحتل.
ويتفق مراد علالة مع هذا التحليل بالقول: “بعد هزيمة 1967 عشنا وضعا مماثلا، حيث انكفأت الثورة الفلسطينية وانشغل العالم بقضايا دولية أخرى، فما كان من الثوار الفلسطينيين إلا أن اختطوا نهجا جديدا من العمليات الفدائية، وموجة اختطاف الطائرات، والتي سلطت انتباه الشعوب مجددا على المظلمة الفلسطينية”.
ويشدد الكاتب والمحلل السياسي أن تلك الخطوة مهدت لوصول الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ألقى على منبرها خطابه التاريخي الأشهر.
وأردف: “ذلك الانتصار السياسي لفلسطين لم يكن ممكنا، لولا مرحلة العمليات الفدائية واختطاف الطائرات والتي وصمت بالإرهاب واعتبرها البعض تهورا”.
على عكس قراءات تتجنى على المقاومة الفلسطينية، يرى مراد علالة أن قرار السابع من أكتوبر، جاء في سياق لم يتوقف فيه الاحتلال عن تفعيل مشاريع الاستيطان، واجتياح الضفة الغربية، واقتحام المسجد الأقصى، وتنفيذ مخططات تهويد القدس، واستهداف المدنيين الفلسطينيين.
وتابع: “من يتحدث أن المقاومة الفلسطينية أساءت التقدير، نقول له إ نها سرعت عملية الفرز في الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، واليوم هناك حالة فرز تاريخي، أنتج خندقا للأعداء تتزعمه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويقابله معسكر الانتصار للحق الفلسطيني، وتقوده دول من أمريكا اللاتينية وآسيا”.
تحديات وجودية للمقاومة
وفي خضم الجدل المثار بخصوص مقترح وقف إطلاق النار المقدم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما تطرحه بنوده من تحديات، أبرزها تجريد المقاومة من السلاح واجتثاثها من المشهد، ومنعها من الاضطلاع بأي دور سياسي في غزة في المرحلة المقبلة، يحذر مراد علالة من تحويل غزة إلى “محمية أمريكية، تدار من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير”.
ويذهب علالة إلى القول بأن مقترح ترامب يشكل وأدا لمشروع الدولة الفلسطينية، ما يجعله أحد أخطر مضامينه غير المعلنة، مشيدا في الآن ذاته بتعامل حركة حماس بحنكة ودهاء مع الصيغة الأولية للعرض الأمريكي.
واستدرك: “المقاومة تحتفظ بكثير من الأوراق، وواهم من يعتقد أن إنهاءها ممكن، لأن المقاومة فكرة وعقيدة، لا تتأثر حتى باستشهاد قيادات الصف الأول والثاني من حركة حماس والجهاد الإسلامي وكتائب القسام وسرايا القدس”.
وذكر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أن مشروع المقاومة الفلسطينية قائم منذ ثلاثينات القرن الماضي وعشريناته، ولم يتزعزع منذ حقبة المناضل الشيخ عز الدين القسام.
واستطرد: “من يتصور أن المقاومة قد تنطفئ شعلتها، إما أنه يعبر عن عجز ذاتي أو يصطف مع الكيان المحتل، أو أنه لا يجيد قراءة التاريخ والجغرافيا، فهي لم تمت في فلسطين ولا في جنوب لبنان، بل تتعافى بعد الضربات القاسية التي تعرضت إليها، وتستعد لجولة مقبلة من المواجهة لإعادة ترسيم توازنات القوى واستعادة المبادرة”.