قال الخبير في التنمية والتصرف في الموارد حسين الرحيلي، إن خارطة الإنتاج الفلاحي، والسياسات الفلاحية المعتمدة في تونس، تستنزف كميات كبيرة من الموارد المائية، ومن خصوبة التربة، وهو ما يهدد بفقدان السيادة الغذائية في العقود المقبلة.
وفي حديث مع بوابة تونس، دعا حسين الرحيلي إلى مراجعة خارطة الإنتاج الفلاحي، محذرا من أن تونس تواجه في ظل الشح المائي، إمكانية تراجع حصة المياه للفرد، إلى أقل من 200 ملمتر مكعب، في حدود سنة 2050.
خارطة فلاحية غير مطابقة
واعتبر الرحيلي أن تونس تعاني من “مشكل سياسات وخارطة إنتاج فلاحي غير مؤهلة وغير مطابقة مع الوضع المائي ووضع التربة والمناخ”.
وأوضح المتحدث أن السياسات الزراعية في تونس تغيرت منذ حقبة الاستعمار الفرنسي، وطوال عقود الاستقلال الأولى، نتيجة السياسات المتوالية من التعاضد إلى الانفتاح، والتي حولت الفلاحة من قطاع إستراتيجي إلى منظومة استثمار.
وتابع: “في الفترة الاستعمارية كان التركيز على الزراعات الكبرى باعتبار أن فرنسا لا تحقق اكتفاءها الذاتي من الحبوب واعتمدت على مقولة قرطاج مطمور روما، وهذا ما يفسر سياسات الاستعمار الزراعي من خلال وضع يدها على أهم الأراضي الخصبة في الشمال والشمال الغربي والشرقي عبر المعمرين”.
واستدرك: “بعد الاستقلال كانت هناك تجربة التعاضد كمحطة مهمة، والتي كانت تقوم على فلسفة تجميع أكبر عدد ممكن من الفلاحين ضمن تعاضديات فلاحية، مع ربط الإنتاج الفلاحي بالتحويل”.
وشدد حسين الرحيلي على أن ربط الإنتاج بالصناعات التحويلية مثّل تصورا مهما في حينه، حيث منح قيمة مضافة مهمة جدا للمنتوجات الفلاحية التونسية، حتى لا تصدر كمادة خام.
سياسات الاستثمار الفلاحي
مع دخول مرحلة الانفتاح مطلع السبعينات، شهدت السياسات الفلاحية تركيز منوال اقتصادي تابع ومناول للأسواق الأوروبية.
وأدى هذا التوجه وفق الرحيلي، إلى إهمال القطاع الفلاحي، وتحويله من قطاع إستراتيجي يساهم بنسبة مهمة في الناتج المحلي الخام ومواطن الشغل، إلى قطاع قائم على الاستثمار.
واستطرد: “عقلية الإنتاج الفلاحي تحولت إلى الاستثمار المرتبط بحاجيات السوق الخارجية، ووقع التخلي عن زراعات الحبوب وإهمال الزياتين، وكل النشاطات المرتبطة بالحاجيات الأساسية للسكان، والعمل على الاستثمار لتلبية الأسواق الخارجية خاصة في مجال الغلال”.
ونتج عن هذه السياسات الجديدة، حسب الخبير في التنمية، ضرب المنظومات الكبرى مثل الألبان والدواجن والحبوب والأعلاف، وصولا إلى اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، و”الذي حول نظام الإنتاج الفلاحي التونسي إلى حديقة خلفية لمتطلبات السوق الخارجية تحت عنوان التصدير”.
ولفت حسين الرحيلي إلى أن سياسات الاستثمار أدت إلى الاعتماد المكثف على النظام السقوي في عديد المجالات، خاصة على مستوى الغلال الجديدة الموجهة للتصدير مثل الفراولة، فضلا عن زراعات الزياتين التي أصبحت تشكل ثقلا على الموارد المائية، نتيجة تحول أكثر من 60% منها من المنظومة البعلية المرتبطة بالأمطار، إلى السقوية.
واستطرد: “نواجه اليوم واقع الشح المائي، ولكن في المقابل ما يسمى بخارطة الإنتاج الفلاحي تراوح مكانها في العقلية نفسها للاستثمار الموجه للتصدير”.
وشدد الرحيلي على أن تحقيق السيادة الغذائية يرتكز على الإمكانيات الذاتية اعتمادا على خصائص التربة والمناخ، ولكن في تونس “يقع التعسف على المناخ، من خلال استجلاب أنواع من الزياتين الغريبة عن التربة التونسية، والتي لا تتجاوز دورة حياتها 25 عاما وتستهلك كميات كبيرة من المياه، بسبب قدرتها على الإنتاج بعد سنتين فقط من غراستها”.
وأردف: “بتنا في تونس مهددين بفقدان سيادتنا الغذائية بسبب استنزاف مواردنا المائية ومن التربة، وقد يصل الأمر إلى العجز عن توفير حاجياتنا من الخضر نتيجة هذا الشح المائي المتفاقم”.
التحولات المناخية والسيادة الغذائية
كما نبّه حسين الرحيلي في سياق آخر، إلى عدم تطابق الخارطة الفلاحية المحلية، مع التحولات المناخية التي بدأت تلقي بتأثيراتها في السنوات الأخيرة.
وأتبع: “التعاطي مع التحولات المناخية يعتمد برامج للتكيف والتأقلم نفتقر إليها، ولذلك تبقى مجرد شعارات، خاصة أنها عملية تشاركية واسعة تشمل كل الأطراف من منظمات وفلاحين وصناعيين، ومختلف المساهمين في العملية الإنتاجية بشكل مباشر أو غير مباشر”.
وإجابة عن سؤال بوابة تونس، يرى أن تغيير السياسات الفلاحية الوطنية، لا بد أن يقوم على مراجعة خارطة الإنتاج، عبر التخلي عن فكرة الاستثمار الفلاحي المعد للتصدير، مع التركيز على تحقيق السيادة الفلاحية، وتصدير فوائض الإنتاج غير القابلة للتخزين.
ويلاحظ الخبير في التنمية بهذا الخصوص، أنه في ظل التحولات المناخية المتسارعة، قد تشهد المنظومات الفلاحية ظاهرة ضعف الإنتاج بشكل دوري كل سنتين أو 3 سنوات، ما يستدعي تخزين فوائض المنتجات الحيوية والإستراتيجية بدلا عن التصدير.
وواصل: “لابد من إعادة النظر في نظامنا الإنتاجي الفلاحي ومنظومة الاستهلاك، خاصة أن ثقافة الاستهلاك تغيرت على مدار العقود الأخيرة، وباتت غير متطابقة مع طبيعة المناخ وطبيعة الإنتاج الفلاحي الأساسي”.


أضف تعليقا