صابر بن عامر
يقول الناقد المسرحي التونسي محمد مومن: “لا أحبّذ كثيرا التحقيب (من الحقب) في فن المسرح ولا التقسيم الزمني”.
جاء ذلك في إجابة منه حول سؤال بوابة تونس عمّا تشهده تونس اليوم، من فجوة في الأجيال المسرحية بين جيل السبعينات والألفية، وما يعنيه ذلك، إن وجد طبعا، من خطر فقدان تسليم المشعل، وهل يُنذر ذلك بفقدان المسرح التونسي بوصلته وريادته العربية، أم هناك وجه جيد للمعادلة باعتبارها ظاهرة صحية تقطع مع سطوة الأب؟
أهم الأخبار الآن:
وفي ذلك يرى مومن أنّ كتابة تاريخ المسرح بالاعتماد على الأجيال، هي مقاربة مستندة وَهْمًا على المُشْتَرَك والمُتَقَاسَم، وليست إجرائية، وفق تقديره.
ويُواصل: “ربما كنت وحدي، ولكني أنا من أنصار الكتابة التاريخية التي تتناول بالتحليل الآثار وليس الرجال. وهو منهاج في الكتابة يبدو لي مناسبا لتأريخ الفن وإظهار تطوّراته؛ فهو من الطرق التي تقوم أساسا على التَّمَيُّز؛ وأُقَدِّرُ أنه أقدر على تبيان بصورة أوضح الفروق والفرادة والإبداعية بين الأعمال”.
هل هناك حلقة مفقودة بين الأجيال المسرحية؟
ويعيش المشهد المسرحي في تونس اليوم حالة من الغموض والارتباك، تكاد تتجسّد في ما يمكن وصفه بـ”حلقة مفقودة” بين الأجيال، خصوصًا على مستوى الإخراج المسرحي والرؤية الفنية.
هذه الظاهرة لا تعكس فقط تغيّرات طبيعية في أيّ منظومة ثقافية، بل تُشير إلى أزمة أعمق تتعلّق بكيفية انتقال الإرث الفني من جيل إلى آخر، وقدرة المسرح التونسي على الحفاظ على هويته وصداقته مع الزمن.
وتشهد تونس، منذ عقدين، حلقة مفقودة بين الأجيال المسرحية على مستوى الإخراج المسرحي تحديدا، فبعد جيل الرواد كتوفيق الجبالي وفاضل الجعايبي، ورحيل كل من فاضل الجزيري وعزالدين قنون، وانسحاب محمد إدريس وعبدالقادر مقداد ونور الدين العاتي من المشهد، تلاهما انسحاب اختياري من جعفر القاسمي خاصة، وبصفة أقل سليم الصنهاجي (لا أعمال مسرحية في الأفق منذ مدة)، يؤكّد فراغا بين جيلَي الرواد والمخضرمين، ليظهر جيل ثالث بعدهما يشمل غازي الزغباني والشاذلي العرفاوي ومعز القديري ومعز العاشوري وعاطف بن حسين.
ثم رابعا جيل طاهر عيسى بن العربي وخالد بوزيد ووفاء الطبوبي وحسام الساحلي وحمادي الوهايبي ونزار السعيدي.. وخامسا جيل شاب على غرار عماد المي ووليد الدغنسي وأخيرا صادق الطرابلسي.. الأمر الذي يُؤكّد غياب حلقة ما بين جيل السبعينات والألفية، ما يعني فقدان تسليم المشعل passation.
تاريخ المسرح التونسي لم يُكْتَب بعد
وفي الخصوص، يشدّد الناقد المسرحي على أنّ ما يجب فعله هو الاهتمام بالآثار لا بمقاربتها بصفة عامة وإجمالية وإنما بصيغة تفصيلية.
ويسترسل شارحا: “أي تناول آثار الفترة التي ندرسها مسرحية تلو المسرحية.. إنّ هذا المنهج هو الذي يبدو لي أصلحا. ولو استعملناه لانتهينا إلى نتائج لا نتصوّرها الآن”. وهو يري وفق تقديره: “ستكون هذه النتائج أبعد ما يكون عن الاستنتاجات الحاصلة عبر طريقة التحقيب وحسب الأجيال والعهود”.
ليخلص محمد مومن في النهاية بإقرار ما قاله سابق ودوّنه في تحاليله النقدية “أنّ تاريخ المسرح التونسي لم يُكْتَب بعد”. ويختمك “فقبل أن نتحدّث عن الأجيال المسرحية وتسليم المشعل من هذا الجيل إلى ذاك وجب كتابة هذا التاريخ المسرحي التونسي، أولا”.


أضف تعليقا