عالم

ليبراسيون”: القاهرة استخدمت معلومات استخباراتية من باريس لقصف مدنيين


فضيحة جديدة تهز صورة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومصداقية إدارته، تكشف النقاب عنها وسائل إعلام فرنسية نقلا عن موقع “دسيكلوز” الاستقصائي الذي نشر تحقيقا مدعوما بوثائق دفاعية تؤكد استخدام النظام المصري معلومات استخباراتية وعسكرية فرنسية لقصف مدنيين وقتلهم على الحدود الغربية مع ليبيا، واستهداف سياراتهم بسبب نشاطهم في التهريب على الحدود بين البلدين بدلا من ملاحقة الجماعات الإرهابية، وفق ما تفرضه عملية التنسيق والتعاون العسكري والاستخباراتي بين الجانبين.

صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية نشرت تقريرا موسعا نقلا عن موقع “دسيكلوز”، سلط الضوء على تورط القاهرة في استخدام المعلومات السرية الاستخباراتية وآلاف من الصور الجوية التي حصلت عليها من باريس ضمن عملية “سيرلي” للتنسيق الاستخباراتي والعسكري، بشكل مخالف للأهداف المعلن عنها والمتعلقة بمواجهة التهديدات الإرهابية وملاحقة العناصر والجماعات التكفيرية المتسللة عبر الحدود مع ليبيا.

فمنذ سنة 2014 ومع تنامي الهجمات الإرهابية داخل مصر، أطلقت السلطات مخططات واسعة عسكرية واستخباراتية لمجابهة الجماعات الجهادية المسلحة، والتي كانت تتخذ من سيناء والمدن الليبية المتاخمة للحدود قواعد لها.

عملية سيرلي

سنة 2016 باشرت بعثة استخباراتية عسكرية فرنسية خاصة عملية تعاون لوجستي مع المصريين أطلق عليها عملية “سيرلي” نسبة إلى تسمية المجموعة.

وترتكز عملية “سيرلي” على مراقبة الصحراء الغربية المحاذية للحدود مع ليبيا عبر الاستطلاع الجوي، بهدف رصد التحركات المشبوهة ومحاولات تسلل الإرهابيين وفقا للوثائق السرية المسربة التي نشرها موقع “دسيكلوز”.

ويكشف محتوى التقارير السرية المرسلة من البعثة العسكرية الفرنسية إلى باريس وسيل من الخرائط والصور الجوية والبرقيات المشفرة، عن استخدام الجانب المصري للمعلومات التي يحصل عليها بشكل مخالف لطبيعة المهمة الفعلية الخاصة بمجابهة التهديدات الإرهابية، بهدف ارتكاب انتهاكات غير مشروعة وعمليات تصفية بحق مئات المدنيين ممن يشتبه في ممارستهم أنشطة التهريب على الحدود.

“نظريا ومن حيث المبدأ كانت العملية تتمثل في مسح الصحراء الغربية عبر طائرات استطلاع فرنسية مسيرة على ملك إدارة الاستخبارات العسكرية الفرنسية”، يقول التقرير الاستقصائي الصحفي، مشيرا إلى أن طبيعة هذه العمليات تستوجب أن يقع تحليل البيانات والصور التي يقع تجميعها بعد كل عملية تحليق، من جانب فريق البعثة العسكرية الفرنسية لتقييم حقيقة التهديد وهوية العناصر قبل إحالتها على الجانب المصري.

سرعان ما أدرك الفريق الفرنسي أن المعلومات والصور المقدمة من جانبهم تستخدم لملاحقة مواطنين مصريين وتصفيتهم نظرا للاشتباه في ممارستهم بعض أنشطة التهريب عبر الحدود الليبية، في مخالفة صريحة وانتهاك خطير لأهداف العملية الأمنية.

وأثبتت عملية التتبع التي قام بها فريق بعثة “سيرلي” مقتل ما لا يقل عن 19 مدنيا مصريا بين سنتي 2016 و2018، وهو ما أثار قلقه ودفعه إلى إرسال مذكرات تحذير إلى مستويات مختلفة ضمن إدارة المخابرات العسكرية ووزارة الدفاع الفرنسية.

مذكرات التحذير

ومنذ نوفمبر /تشرين الثاني 2017 بدأ القلق من التجاوزات التي تحيط بالعملية والانتهاكات التي يمارسها المصريون يتسرب إلى المخابرات العسكرية الفرنسية والقوات الجوية، وهو ما يتضح حسب ما نشره موقع “ديسكلوز” في مذكرة أُرسلت إلى قصر الإليزيه، تقول  “بسبب نقص الإمكانيات لا يمكن رصد سيارات “البيك آب” المتسللة عبر الصحراء الغربية إلا عبر عمليات التحليق والمسح الجوي، لكن تحديد هوية بعض المركبات قد يكون معقدا الأمر يجب أن يكون خاضعا للحذر”.

وتؤكد مذكرة أخرى موجهة إلى وزيرة الدفاع الفرنسية بتاريخ 22 جانفي/ يناير 2019 قبل زيارة رسمية لماكرون إلى القاهرة المعنى ذاته، وتكشف عن حالات مؤكدة لتدمير أهداف اكتشفتها الطائرات الفرنسية”، وتطلب تذكير “الشريك المصري بأن عملية الاستطلاع ليست أداة استهداف”.

 وعلى الرغم من سيل التحذيرات والمذكرات، لم يتم اتخاذ أي إجراء رسمي من جانب باريس أو التحقيق في التجاوزات، وذلك بسبب اهتمام ماكرون الواسع بالعلاقات والمصالح الاقتصادية الكبيرة التي يدرها التعاون مع النظام المصري الذي أبرم معه عدة صفقات مهمة لاقتناء مقاتلات “رافال” فرنسية متطورة، إلى جانب الصفقة الضخمة لاقتناء حاملتي مروحيات و 4 طرادات بحرية.

 “قدمت فرنسا مصالحها ومبيعاتها العسكرية على حساب مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان”، هكذا يخلص التقرير الاستقصائي الذي توقف عند مشهد رمزي محمل بالتناقضات يكشف ازدواجية السياسة الفرنسية، من خلال تقديم ماكرون وسام جوقة الشرف الكبير إلى السيسي في ديسمبر 2020، وهو أعلى وسام فخري فرنسي، الأمر الذي أثار غضبا على شبكات التواصل الاجتماعي، باعتباره تكريما لحاكم تتهمه المنظمات غير الحكومية “بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام السلاح ضد المدنيين.