كشف تحقيق استقصائي لموقع “ميدل إيست آي“، عن تحول مدينة بوساسو الصومالية، إلى قاعدة خلفية لمليشيات الدعم السريع السودانية، من خلال جسر جوي تقوم الإمارات بتشغيله بنقل شحنات ضخمة من المعدات والأسلحة والمقاتلين عبر مطار المدينة إلى السودان.
كما كشف التقرير عن إنشاء قاعدة عسكرية بالمدينة الصومالية، تأوي المرتزقة الكولومبيين، الذين تجندهم أبوظبي للقتال في صفوف الميليشيات التي يقودها حمدان دقلو “حميدتي”.
أهم الأخبار الآن:
كما تطرق التقرير إلى تحفظات سكان بوساسو الصومالية وسلطاتها الأمنية والمحلية، من التورط في أتون الحرب السودانية.
جسر جوي
ووفق المعطيات التي وثقها موقع “ميدل إيست آي”، فإن مدينة بوساسو الواقعة على ساحل بونتلاند في الصومال، أصبحت قاعدة حويية تلعب دورا أساسياً في دعم الإمارات لملشيات الدعم السريع في السودان، منذ حوالي سنتين.
وينقل التقرير أن طائرات الشحن الكبيرة، على غرار طائرات IL-76 التي تستخدمها الإمارات في نقل المعدات والأسلحة بات مشهدها مألوفا في مدرج مطار بوساسو، كما أصبح صوتها معروفا لدى السكان المحليين عند تحلقها في الأجواء معلنة عن وصول “مواد لوجستية ثقيلة غير معلنة”.
ونقل التقرير عن مسؤول محلي في قوة الشرطة المحلية بمطار بوساسو، أن الرحلات الجوية التي تديرها الإمارات باتجاه المدينة الساحلية الصومالية “متكررة”، مضيفا أنه بمجرد نزل طائرة الشحن على مدرج المطار، يقع تفريغ المواد اللوجستية على متنها على الفور، وشحنها “في طائرة أخرى تكون في وضع الاستعداد، وموجهة إلى قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان عبر الدول المجاورة”.
ويؤكد “ميدل إيست آي” أن بيانات تتبع الرحلات الجوية، وصور الأقمار الصناعية، وفضلا عن شهادات من مصادر محلية متعددة، ودبلوماسيين أمريكيين وإقليميين، تجمع على أن هذه الطائرات تنطلق من الإمارات العربية المتحدة.
وحسب تصريح مسؤول محلي في المدينة الصومالية، فإن الوجهة النهائية لهذه الشحنات الجوية “هي السودان وقوات الدعم السريع”، والتي سيطرت مؤخرا على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بعد حصار دام أكثر من 500 يوم.
وحسب منظمات حقوقية وهيئات دولية، فقد ارتكب مقاتلو الدعم السريع فظائع مروعة في الفاشر، حيث ارتكبوا مجازر جماعية بحق المدنيين المدنيين النازحين وداخل المستشفيات.
على مدار أشهر، رصد القائمون على التقرير الاستقصائي، حركة طائرات الشحن الإماراتية في مطار بوساسو، من خلال البيانات الجوية والتي أكدت تصاعد استخدام أبوظبي للمطار بنسق متزايد، مع تغيّر مواعيد الوصول الرحلات.
وفق الملاحظات التي وثقها التقرير، فإن الطائرات المحملة بالشحنات، لا تبقى طويلاً في المطار، وتقلع مجددا بعد تفريغ حمولتها في الطائرات الثانية التي تنطلق بدورها باتجاه وجهة غير معلومة داخل السودان.
كما أن مواعيد وصول الطائرات تكون دائما خلال الفترات التي تكون فيها حركة الطيران في المطار منخفضة.
كما تشير بيانات الحركة الجوية إلى وجود حراسة مشددة حول الطائرات الإماراتية بالمطار، خصوصا خلال تفريغ الشحنات، بسبب احتوائها على “مواد حساسة ولوجستيات سرية”.
500 ألف حاوية
ما توصل إليه التقرير، أنه لا يقتصر جسر التسليح والإمداد الإماراتي على توظيف مطار بوساسو، إذ يمتد كذلك إلى ميناء المدينة المطلة على بحر العرب، حيث يصل جزء من الإمدادات بحرا، قبل نقلها جوا إلى السودان.
ويضيف الموقع، أن أبوظبي تستغل غطاء المساعدات والدعم الذي تقدمه لمكافحة القرصنة البحرية على سواحل الصومال منذ سنوات، لتمرير حاويات السلاح التي تصل إلى ميناء بوساسو، قبل نقلها إلى السودان.
وحسب ما كشفه “مسؤول كبير” في الميناء لـ “ميدل إيست آي”، فقد قامت الإمارات خلال العامين الماضيين بتهريب أكثر من 500 ألف حاوية تحمل علامة “خطير” عبر الميناء.
وأضاف المسؤول أن هذه الحاويات “لا تحتوي على وصف لمحتوياتها، وتُنقل فور وصولها إلى المطار لتحميلها على طائرات احتياطية”.
واستبعد المتحدث أن تكون الحاويات الإماراتية تحتوي على تجهيزات أو مواد لوجستية للاستخدام الداخلي، قائلا: “لو كانت مخصصة للاستخدام المحلي، لرأينا مكان تخزينها أو وجدنا الحاويات الفارغة.
وأضاف: أن ميناء بوساسو، كان مجرد نقطة عبور سرية”.
وحسب المصدر ذاته، فإن عملية إنزال الحاويات الإماراتية في الميناء يخضع للسرية التامة، مع نشر قوات خاصة لتطويق الميناء ومنع التصوير أثناء عمليات التفريغ.
ويرجح التقرير، أن الحاويات المشحنة برا عبر ميناء المدينة الصومالية، تحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة النوعية، والمسيرات صينية الصنع.
معسكر للمرزقة
الحضور الإماراتي في بوساسو، جعل من المدينة أشبه بقاعدة عسكرية ولوجستية لتمويل الحرب في السودان، فإلى جانب نقل الأسلحة والتجهيزات بحرا وجوا، كشف التقرير الاستقصائي عن معسكر يضم المرتزقة الكولومبيين ممن يقع تجنيدهم للحرب لصالح مليشيات “حميدتي”.
وتظهر صور حصرية حصل عليها “ميدل إيست آي”، عشرات المرتزقة الكولومبيين وهم ينزلون من إحدى الطائرات، قبل نقلهم مباشرة إلى المعسكر الواقع شمال المطار.
ويضيف التقرير أن المرتزقة الكولومبيين يصلون إلى بوساسو، على متن رحلات تجارية دولية، قبل التحول إلى السودان للقتال في صفوف الدعم السريع.
وإلى جانب الإيواء، يحتوي معسكر المرتزقة على مستشفى داخلي لعلاج المصابين في المعارك، و”يعمل كنقطة عبور طبية لمقاتلي الدعم السريع الجرحى”.
ونشر التقرير شهادة مسؤول محلي بمطار بوساسو قال فيها: أتذكر إحدى المرات عندما هبطت طائرة تقل جنودا مصابين، وكان باب الطائرة ملطخا بالدماء بشكل واضح”.
وفي ظل الأهمية الحيوية والاستراتيجية التي باتت تشكلها بوساسو باعتبارها همزة إمداد وربط لوجستي، قامت أبوظبي بتركيز نظام رادار عسكري على مقربة من المطار، لحماية المدينة من أي هجمات محتملة.
التقرير رصد المخاوف المتصاعد في أوساط السكان في بوساسو، والسلطات المحلية والأمنية، إزاء وجود المرتزقة الكولومبيين، والتورط دعمهم غير المباشر في الإبادة الجماعية التي تشهدها السودان.
وعلى مدار السنوات التي سبقت الحرب سنة 2023، قدمت السودان منحا دراسية لمئات الطلاب الصوماليين، من بينهم وزير الدفاع الصومالي الحالي.
وعلق جندي صومالي بهذا الخصوص: “أعتقد أنه من غير المقبول أخلاقيًا مساعدة المرتزقة المنخرطين في قتال دولة دعمت الصوماليين منذ فترة طويلة، بما في ذلك أفراد عائلتي”.
الحضور الإماراتي في الصومال ليس جديدا، حيث ارتبط بجهود استعادة السلام في هذا البلد العربي والإفريقي، بعد أن مزقته الحروب الأهلية والجماعات المتطرفة طوال عقود.
قدمت أبوظبي على مدار العقدين الماضيين مساعدات مادية لمقديشو، ودربت الجيش الصومالي لدعم جهود محاربة “حركة الشباب” المتطرفة، والجماعات المسلحة الأخرى.
لكن الدور الإماراتي في الصومال يبدو أكثر تعقيدا، وفق التقرير، خاصة مع دعم حكومات انفصالية غير معترف بها دوليا مثل “بونتلاند” و”أرض الصومال”.


أضف تعليقا