بـ120 عنصرا بين ممثلين وعازفين وراقصين اعتلوا خشبة المسرح المحاري بالحمامات، افتتحت، مساء أمس الجمعة 11 جويلية، فعاليات النسخة الـ59 من مهرجان الحمامات الدولي عبر “رڨوج-العرض” للأخوين بوشناق عبد الحميد بوشناق إخراجا وحمزة تأليفا موسيقيا.
أهم الأخبار الآن:
وذلك بعد أن نحت هذا العمل لنفسه مكانا في ذاكرة المشاهد التونسي عبر الشاشة الصغيرة من خلال مسلسلَي “رڨوج” رمضان 2024، و”رڨوج-الكنز” رمضان 2025 اللذان عُرضا على قناة “نسمة الجديدة” الخاصة.
“رڨوج” الوطن المشتهى
بفناتازيا سحرية أقرب إلى عوالم المخرج الصربي إمير كوستوريتسا وخيالاته الطائرة، انطلق العرض العجائبي الغرائبي مستندا إلى جماليات بصرية تستلهم من الألوان الزاهية بهرجها والسينوغرافيا المتقنة حلمها بنسج عالم بلدة “رڨوج” المشتهاة.
بديكورات فولكورية وإكسسوارات فلاحية ومشاهد بصرية من المسلسل تظهر بين الفينة والأخرى على الشاشات العملاقة، استهلّ عبد الحميد بوشناق عرضه بالأمل ومنتهيا بالأمل، رغم الأوجاع الحاصلة في شخصيات “رڨوج” المسلسل والعرض.
“رڨوج” البلدة المتخيلة والمشتهاة من قبل آل بوشناق، قُدّمت في العرض كامرأة جميلة مشتهاة هادئة حينا وصاخبة دائما لكنها ولاّدة دائما.
أنثى كاملة ومُكتملة، لكنها مشوّهة في الواقع، يكتبها عبد الحميد بوشناق في المسلسل والعرض على السواء، بأسلوب فانتازي يمزج بين التراجيديا والسخرية السوداء، صادما المُشاهد ومزعزعا أحاسيسه، بين فرح وبكاء، انتصار وانكسار، أمل وخيبة.. فيستعيد من خلال “رڨوج” البلدة تونس البلد وتناقضاتها بين النور والعتمة.
“رڨوج” الخيالية غير الخالية من أهلها؛ المحبّون دائما والمتخاصمون أحيانا، أتت في “رڨوج-العرض” كما في “رڨوج” المسلسل رمزا لتونس بقبحها وجمالها، بجفافها وخصبها، بفسادها وصلاحها، بتفاصيل حياة شعبها اليومية وما يُعانيه من إكراهات بيروقراطية وانفلاتات أخلاقية وطبقية اجتماعية أثقلت كاهل الفرد المُجدّ المُجتهد لتتعدّاه إلى وطن بأكمله ما يزال منذ أكثر من عشرية يرزح تحت وطأة الفساد المُستشري في كلّ القطاعات.
الاعتراف “كنز” تونس البناء
العرض ضمّ 120 عنصرا بين موسيقيين وممثلين وراقصين وتقنيين، استطاعوا تقديم توليفة فنية عالية الدقة على مدى 160 دقيقة جمعت بين رؤى عبد الحميد بوشناق الإخراجية الطائرة في سماء ليلة من ليالي مدينة الحمامات مُكتملة القمر والسهر حتى ما بعد انتهاء العرض بالتحليل والنقاش، وبين سحر ما أبدعته أنامل حمزة بوشناق في تأليف موسيقى تصويرية سحرية تُشبه نبض بلدة “رڨوج” الخيالية، فهي تارة هادئة، وغالبا صاخبة.
عالمان من السحر السمعي البصري أضافت إليهما الكوريغرافيا التي صمّمتها أميمة المناعي بعدا ثالثا ثُلاثيّ الأبعاد حركة ودلالة ورمزا، فيما تولى المايسترو راسم دمق توجيه الفرقة الموسيقية التي أبدعت في تقديم إيقاعات موسيقية تصويرية حية للعرض تستلهم من عوالم مسلسلَي “رڨوج” و”رڨوج-الكنز” مرجعياتها، وقد أتقن كل من راسم وأميمة تجسيدهما على الخشبة بشكل حي ومُباشر، إيقاعا ورقصا.
انتهى العرض، ولم ينته الحلم بـ”رڨوج” البلدة وتونس الوطن الثريّ بالماء والهواء والبناء من خلال الاعتراف بمن وضعوا ولو جملة موسيقية أو صورة شعرية ستظلّ راسخة في المخيلة الجماعية للتونسيين والتونسيات، كالتي قدّمها فنان الراب والريغي الراحل حديثا أحمد العبيدي الشهير بـ”كافون” الذي كان أحد أعمدة العمل الدرامي الأصلي، مسلسل “رڨوج” بصوته وأدائه وروحه المحبة للحياة، فتم تكريمه في “رڨوج-العرض” عبر تقنية الذكاء الاصطناعي ليستعيد الجمهور حضوره المشرق، وكأنه حيّ بينهم بخلود أعماله الفارقة.
وهي لفتة كريمة من آل بوشناق لصديقهم وشريكهم في الحلم والعمل عبر مسلسل “نوبة” بجزأيه وسلسلة “كان يا ماكانش” بموسميها أيضا، وأخيرا “رڨوج” الأرض والكنز.
وما كنز تونس إن ودّت النهوض مجدّدا سوى الاعتراف بالسلف وما قدّموه، وفسح الطريق سالكا للخلف وما سيُنجزوه.
أضف تعليقا