وصف المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي المواقف الغربية التي تتجاهل ما يحدث من قتل ودمار في قطاع غزة، بـ”خلل في الإنسانية يستعصي علاجه”. جاء ذلك في حوار جمع صاحب مشروع “السينما من المسافة صفر” بموقع الشرق الأوسط، الذي أكّد فيه أنّ الحرب على غزة غيّرت نظرته إلى الغرب. وشدّد على أنّ ذلك سيغيّر أولوياته وطبيعة الجمهور الذي يتوجّه إليه. خيبة تجاه الضمير الإنساني وكان مشهراوي أعلن عن مشروع سينمائي بعنوان “السينما من المسافة صفر”، يتضمّن نحو 22 فيلما من داخل غزة عن يوميات الناس تحت القصف. وذكر أنّه سيعرض الأفلام في خيمة موازية خلال مهرجان كان السينمائي الدولي، من المقرَّر إطلاقها، الثلاثاء 20 ماي الجاري، بعد أن رفضت هيئة المهرجان الفرنسي بشكل صريح عرض أيّ أفلام تتحدّث عن الحرب الدائرة حاليا في غزة. وكانت أعلنت هيئة مهرجان كان السينمائي، قبل ساعات من افتتاح فعاليات نسختها الـ77 عن حظر أيّ رموز فلسطينية تُشير إلى التضامن مع قطاع غزة، رغم أنّها وافقت في البداية على ارتداء الفنانين العرب دبابيس تعبّر عن دعمهم وتضامنهم مع غزة. كما قرّرت مدينة كان الفرنسية حظر التظاهر وتنظيم المسيرات الاحتجاجية على طول شاطئ كروازيت، حيث تُقام التظاهرة السينمائية. وسبق أن قال رئيس المهرجان، تييري فريمو، في مؤتمر صحفي: “قرّرنا هذا العام أن يكون المهرجان دون جدلية، لنحرص على أن يكون الاهتمام الرئيسي لنا جميعا هو السينما، فإذا كانت هناك جدليات أخرى فهذا لا يعنينا”. وعن ذلك يقول مشهراوي: “السينمائيون الفلسطينيون الذين يقدّمون أعمالا عالمية أو عربية في الغالب موجودون خارج غزة، وأنا منهم”. وأضاف: “أنا مولود في القطاع، وأقيم الآن في الخارج، حين تقع الحرب نكفُّ عن أن نصبح سينمائيين، ونصبح مواطنين. لا فرق بين سينمائي أو طبيب أو طالب أو عاطل عن العمل، حين نتحدّث عن أكثر من 33 ألف شهيد بخلاف مَن هم تحت الأنقاض، وأكثر من مليون و200 ألف لاجئ، فلا يسعني سوى أن أشعر بخيبة تجاه الضمير الإنساني”. وعدَّ خيبة الأمل، أنها ليست من أنظمة وحكومات مثل أوروبا وأمريكا و”إسرائيل”، ولكن من الإنسانية، “لأنها المسألة الوحيدة التي نتشاركها، وما دامت موجودة في مكان ما، فلا بدّ أن يكون ثمة خلل إذا كان هناك من يموت وآخرون لا يسألون”، وفق تصريحه للشرق الأوسط. وشدّد: “هذا سيغير فيّ أشياء كثيرة في المستقبل، سيغيّر نظرتي إلى أوروبا، وتحديد جمهوري الذي أحاكيه”. ووصف مخرج فيلم “عيد ميلاد ليلى” ما يحدث في غزة بأنّه “أكبر من أيّ فيلم، فنحن نعجز عن العثور على لغة سينمائية تعبّر عن ذلك، ولا نستطيع، لأنها فاقت احتمال الإنسان العادي. لن أصنع فيلما لأُقنع العالم بشيء، فإنْ لم يقتنع الغرب بالمجازر وجثث الأطفال، فلا مجال لإقناعه”. وأضاف: “السينما حلم، فتستطيع أن تستوعب كل شيء: التاريخ، والذاكرة، والعادات والتقاليد، واللغة، والثقافة، والحبّ، والفنّ، والحياة، لذا لن نتخلّى عنها أبدا. وإن كانوا يحتلّون أرضنا وأيامنا، فلن يستطيعوا احتلال أحلامنا”. وتابع: “يمكن للاحتلال أن يقتلنا بأسلحته المتطوّرة، لكنه لن يهزمنا، والقضية ظلّت على مدى 75 عاما حيّة ومطروحة للنقاش، وستبقى كذلك إلى أن ينال الفلسطينيون حقوقهم”. وعن معالجته القضية الفلسطينية في أفلامه، قال: “حين أصنع فيلمي، أهتمّ بالسينما نفسها، بتقنياتها، وبأن أستخدم لغة سينمائية تحترم المشاهد ويحترمها. هذا يُتيح للفيلم مجالا ليكون في أهم المحافل والمهرجانات العالمية. كونك سينمائيا وليس فلسطينيا صاحب قضية، هو ما يحسم أهمية العمل”. وشدّد في هذا السياق: “أولا تُحقّق معايير السينما، وبعد ذلك تُحضِر القضية عبر الموضوعات الفلسطينية”. تاريخ من النضال السينمائي ويُعتبر المخرج رشيد مشهراوي أوّل سينمائي فلسطيني عمل على إنجاز سينما داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أنجز العديد من الأفلام كان أوّلها “جواز سفر” 1986 أي قبل الانتفاضة الأولى، ثمّ “الملجأ” عام 1989، و”دار ودور” 1990، و”أيّام طويلة في غزّة” 1991. وبعد أن أسّس شركة “أيلول للإنتاج التلفزيوني والسينمائي” عام 1990، قدّم فيلمه الروائي الأول “حتى إشعار آخر” 1993، ثم فيلمه الروائي الطويل الثاني “حيفا” عام 1996 الذي كان أول فيلم فلسطيني يُعرض بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي منذ أن تأسّس المهرجان. وفي 1996، أسّس “مركز الإنتاج السينمائي” في رام الله، وأنشأ من خلاله ورشات تدريب، كما أسّس مهرجان سينما الطفل، والسينما المتنقلة في فلسطين، وأنتج مجموعة من الأفلام منها: “رباب” 1997، و”توتر” 1998، و”خلف الأسوار” 1999، و”غباش” 2000، و”موسم حب” 2000، و”مقلوبة” 2000، و”من فلسطين بث مباشر” 2001، وفيلمه الروائي الطويل الثالث “تذكرة إلى القدس” 2002. ثم قام بإنجاز بعض الأعمال التجريبية مثل “قمر واحد” و”شهرزاد” و”حمص العيد” 2003، ثم فيلمه الروائي الطويل الرابع “انتظار”، إضافة إلى فيلم وثائقي طويل بعنوان “أخي عرفات” عام 2005. وفي 2008 أنجز فيلمه الروائي الطويل الخامس “عيد ميلاد ليلى”، الذي حصل على أكثر من عشرين جائزة عالمية وعُرض في أغلب دول العالم. وفي 2009 قام بكتابة أربعة أفلام وثائقية وإخراجها بعنوان “الأجنحة الصغيرة” حول موضوع عمالة الأطفال في العالم العربي، حيث تمّ تصوير الأفلام في مصر والمغرب وفلسطين والعراق. وفي العام ذاته أنجز فيلما وثائقيا طويلا آخر حول عمالة الأطفال، بعنوان “حوراء بغداد”، الذي تمّ تصويره في العراق. وفي 2012 أنجز فيلمه الوثائقي الطويل “أرض الحكاية”، ففيلمه الروائي الطويل السادس بعنوان “فلسطين ستيريو” عام 2013. وفي 2014 قام بإنجاز الفليم الوثائقي الطويل “رسائل من اليرموك” عن حصار مخيّم اليرموك نتيجة الأحداث التي جرت حينها في سوريا. وفي 2017 أنجز فيلمه الروائي الطويل السابع “كتابة على الثلج” الذي افتتح به النسخة الـ28 لمهرجان أيام قرطاج السينمائية عام 2018. حصل رشيد مشهراوي على العديد من الجوائز العالمية في المهرجانات الدولية، وعُرضت أفلامه في مهرجانات دور العرض في معظم دول العالم، وشارك في عضوية لجان تحكيم ورئاستها في مهرجانات عربية ودولية.


أضف تعليقا