قبل عام من اليوم، وجه الكيان أحد أقسى الضربات الاستخباراتية والميدانية إلى حزب الله اللبناني، عندما نفذ سلسلة من التفجيرات المتزامنة لآلاف من أجهزة النداء الآلي المعروفة بتسمية “البيجر”.
خطط كيان الاحتلال ومخابراته طويلا لعملية الاختراق، ونفذ جهاز الموساد عبر شبكة معقدة من الأذرع الاقتصادية والأمنية، وشركات وهمية تتوزع فروعها بين أوروبا والولايات المتحدة وآسيا أخطر عملية اختراق لشحنة من أجهزة النداء التي اشتراها الحزب عبر مجموعة من الوسطاء.
أهم الأخبار الآن:
بدأت سلسلة الهجمات في الساعة الثالثة من بعد ظهر الثلاثاء 17 سبتمبر 2024، لتسبب التفجيرات والمتوالية في مقتل 35 شخصا، وإصابة قرابة 3 آلاف شخص بجروح متفاوتة، من بينهم مئات من حالات فقدان البصر بشكل جزئي أو كلي، إلى جانب بتر الأطراف، والأصابع.
التكنولوجيا تعيد رسم قواعد الاشتباك
أعادت هجمات البيجر في لبنان إلى الواجهة رسم قواعد الاشتباك بين حزب الله والكيان المحتل، خاصة على صعيد العمليات الخاصة ذات الطابع الاستخباراتي الذي يعتمد التكنولوجيا الدقيقة والمتطورة.
عمليات البيجر لم تكن مجرد ضربات ميدانية، بل أعلنت عن دخول الصراع مرحلة جديدة اعتمد فيها الاحتلال على المزج بين الإمكانيات العسكرية وتوظيف الوسائط والأدوات الرقمية لخلق استراتيجية استهداف دقيقة.
توظيف المنظومات الرقمية، وخاصة التطبيقات التقنية المرتبطة بالاتصالات، ليس جديدا في العقيدة الاستخباراتية للكيان المحتل، بل تمثل إحدى بصماته المميزة في العمليات المرتبطة باستهداف واغتيال بعض الشخصيات من قيادات المقاومة الفلسطينية وحزب الله وغيرهم.
ولعل عملية اغتيال مهندس المتفجرات القسامية الشهيد يحي عياش أواخر تسعينات القرن الماضي بتفخيخ هاتف محمول وتفجيره عن بعد، يعد مثالا على هذا الأسلوب.
الأسلوب ذاته اعتمده الموساد ثانية في تصفية القيادي بمنظمة التحرير الفلسطينية سميح الملاعبي سنة 2000.
شركات الاتصالات والتطبيقات الذكية في خدمة الموساد
خلال العشرية الأخيرة ساهم بروز عديد الشركات “الإسرائيلية” في قطاع الاتصالات والبرمجيات وتطبيقات الهواتف الذكية والرقائق الدقيقة، في تعزيز قدرة الموساد على تطوير أساليب الاختراق والتجسس وسرقة ملايين من بيانات المستخدمين في مختلف بلدان الشرق الأوسط، وخاصة في لبنان.
اتساع حضور الشركات “الإسرائيلية” في مجال صناعة مكونات الهواتف الذكية والرقائق الإلكترونية، يمنح الكيان تفوقا تقنيا خطيرا تشمل المراقبة المتقدمة، والقدرة على اعتراض المكالمات والرسائل، الوصول إلى بيانات تحديد المواقع، وحتى استخراج ملفات حساسة مخزنة على الأجهزة.
ويربط خبراء ومحللون سياسيون بين القفزة التقنية التي حققها الكيان خلال السنوات الأخيرة، وامتلاكه تكنولوجيات متطورة للغاية في مجال الاتصالات الرقمية، مع تصريحات رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو الأخيرة بأن “كل من يحمل هاتفاً صار يحمل جزءاً من إسرائيل”.
ويرى الخبراء أن كلام نتنياهو يعكس استراتيجية الكيان في أي مواجهة مقبلة مع لبنان وحزب الله، بوضوح، خاصة أنه بات قادرا على تحويل الهواتف الذكية وأدوات الاتصال الرقمي إلى أدوات مراقبة وتجسس.
ومن خلال السيطرة على مكونات الأجهزة، وزرع برمجيات خبيثة في التطبيقات، واستغلال الثغرات في شبكات الاتصال الخلوية، أو اللاسلكي، بات بإمكان الاحتلال تتبع مواقع قيادات ومقاتلين حزب الله، تحليل أنماط تحركاتهم، والتنبؤ بخطواتهم قبل أي تحرك ميداني.
ولعل الكشف عن فضيحة التجسس على هواتف شركة سامسونغ الكورية عبر تطبيقة تجسس “إسرائيلية” تدعى “آبكلاود” “AppCloud”، يميط اللثام عن سياسة توظيف شركات الاتصالات والتقنيات الدقيقة المملوكة للكيان، أذرعا تكنولوجية لخدمة مخططاته وعملياته القذرة.
وكان الصحفي معز الباي، المختص في استخبارات المصادر المفتوحة وتطوير البرمجيات الصحفية، قد تطرق في حديث سابق لبوابة تونس، إلى المخاوف المرتبطة بتوظيف مثل هذه التطبيقات على أجهزة الاتصال والهواتف من قبل الاحتلال، لتنفيذ هجمات أو عمليات اغتيال.
وأوضح الباي إلى أن “الكيان الصهيوني لديه سوابق في توظيف التكنولوجيا لاستهداف عديد الأشخاص، مستشهدا بتفجيرات “البيجر” التي نفذها في لبنان في سبتمبر من العام الماضي ضد مئات من عناصر حزب الله.
حزب الله والتحديات المزدوجة
على الطرف المقابل، يواجه حزب الله تحديا مزدوجا، إذ لم يعد التوازن العسكري قائما على القوة الصاروخية، بل امتد ليشمل حماية القيادات والمقاتلين من الاختراق التقني، وإدارة الاتصالات المشفر، مراقبة الأجهزة المحمولة، وتحليل حركة البيانات داخليا وخارجياً.
فأي ثغرة باتت تهدد بكشف مواقع حساسة، أو تُعرض حياة القيادات للخطر، ما يجعل تطوير الحرب التكنولوجية جزءا حيويا من “الردع الاستراتيجي”.
في خضم الذكرى الأولى لهجمات “البيجر”، يواجه لبنان تهديدات صريحة من قيادات الاحتلال، وتلويحهم بجولة جديدة من الحرب والاستهداف “أكثر قوة وفتكا”، في صورة عدم تفكيك قدرات حزب الله الصاروخية ونزع سلاحه، وفق الإملاءات التي يسوق لها مبعوث الرئيس الأمريكي.
وعلى وقع استقطاب وانقسام داخلي لبناني، من قضية “حصر السلاح“، يقف حزب الله في مواجهة مفترق طرق وعر داخليا وخارجيا، لم يعد فيه الحديث عن سيناريو “بيجر 2” مجرد احتمال، بل صار تهديدا محتملا، ما يفرض قراءة دقيقة لكل خطوة على الأرض، ضمن سياق إقليمي متوتر ومفتوح على كل الاحتمالات.
أضف تعليقا