صابر بن عامر
جيل “زاد” (Z)، المولود بين منتصف التسعينات وأوائل العقد الثاني من الألفية الجديدة، يمثل الجيل الأكثر ارتباطا بالعالم الرقمي وأكثر وعيا بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
في تونس، يعيش هذا الجيل على مفترق طرق ثقافي حقيقي، حيث تتصارع فيه قوة التراث المحلي العميق مع الانفتاح الرقمي العالمي.
أهم الأخبار الآن:
والتحدي الأساسي أمامه هو كيفية المحافظة على هويته في ظل عولمة ثقافية متسارعة، وتحويل التكنولوجيا من أداة استهلاك إلى أداة إنتاج ثقافي حقيقي.
التفاعل مع ثقافات العالم
لم تعد الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مجرد أدوات للتسلية، بل أصبحت منصات أساسية لتشكيل الذوق والممارسة الثقافية. تيك توك، إنستغرام، ويوتيوب تسمح للشباب بتلقي المعلومات، متابعة الموسيقى والفنون، والتفاعل مع ثقافات العالم.
في تونس، الكثير من الشباب يميل إلى الموسيقى والفيديوهات العالمية، ما يضعف أحيانًا التواصل مع الفنون التقليدية مثل: المالوف، الفنون الصوفية، والحكايات الشعبية. ومع ذلك، هذا الانفتاح يمنحهم القدرة على تبني التعدّدية الثقافية وتوسيع آفاق التفكير النقدي، ويجعلهم أكثر استعدادًا للمساهمة في الثقافة العالمية من خلال أدوات العصر الرقمي.
ورغم الانفتاح الرقمي، يسعى بعض الشباب إلى التفاعل مع التراث المحلي وإحيائه بأساليب مبتكرة.
يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم محتوى جذاب يعرض الرقص الشعبي والموسيقى التقليدية والحرف اليدوية بأسلوب عصري.
والمهرجانات الثقافية وورش العمل الشبابية في المدن الكبرى أصبحت فضاءات حقيقية للتفاعل المباشر مع الفنون، ما يعكس وعي الشباب بأهمية المزج بين القديم والحديث. هذه المبادرات تعكس قدرة جيل “زاد” على “إعادة إنتاج التراث بأسلوب رقمي عصري”، ممّا يخلق هوية ثقافية متجدّدة قادرة على الصمود أمام هيمنة الثقافة الرقمية العالمية.
الثقافة أداة للتعبير الاجتماعي والسياسي
الثقافة عند الجيل “زاد” في تونس لا تقتصر على الترفيه، بل تتحوّل إلى أداة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية. الشباب يستخدم الإنترنت للتفاعل مع المشكلات اليومية، من تحسين التعليم، توفير فرص العمل، الدفاع عن الحرية والعدالة، ومناهضة الفساد.
الحملات الرقمية والمبادرات الشبابية على وسائل التواصل تعكس قدرة الجيل على تحويل الثقافة إلى فعل اجتماعي وسياسي.
الأغاني والفنون الرقمية التي تتناول الهجرة، البطالة، وحقوق المرأة تُظهر وعي الجيل بحجم تأثيره في المجتمع وقدرته على صياغة خطاب ثقافي متصل بالواقع.
جيل “زاد” عالميا.. حركة ثقافية ومجتمعية
على المستوى العالمي، يشكّل جيل “زاد” قوة ثقافية وسياسية متحركة.
ففي الولايات المتحدة وأوروبا، يُشارك الشباب في احتجاجات مناهضة التغير المناخي وحملات حقوقية على غرار #MeToo و#BlackLivesMatter.
أما في آسيا وأمريكا اللاتينية، فيستخدمون الإنترنت للتعبير عن مطالبهم التعليمية والاجتماعية، ويتابعون ثقافات مختلفة مثل البوب الكوري والألعاب الرقمية.
هذا الانتشار العالمي يمنح الجيل القدرة على تبني قيم الانفتاح والتعدّدية، ويضع التحدي التونسي ضمن سياق عالمي: كيف يمكن لمجتمع غنيّ بالتراث مثل تونس أن يضمن للشباب الاحتفاظ بجذوره الثقافية، بينما ينفتح على العالم؟
ويواجه جيل “زاد” في تونس تحديات عديدة، من بينها الانحراف عن الهوية الثقافية المحلية، التعرّض للتضليل الإعلامي، ونقص الفضاءات الثقافية الحقيقية للتفاعل مع الفنون التقليدية والمعاصرة.
لكن الفرص أمامه أكبر: القدرة على ابتكار “ثقافة تونسية رقمية معاصرة” تجمع بين الحرية الإبداعية، التفاعل الرقمي، وحفظ التراث، وإعادة تعريف الثقافة الوطنية بما يتوافق مع العولمة دون فقدان الجذور.
التكنولوجيا تصبح وسيلة لتعزيز التعلم الذاتي، المشاركة المدنية، وإحداث تأثير ثقافي ملموس.
ويقف جيل “زاد” في تونس على مفترق طرق بين الأصالة والحداثة، بين التراث الرقمي والعولمة الثقافية.
مستقبله ومستقبل الثقافة الوطنية يعتمد على قدرته على المزج بين التراث والابتكار، وخلق هوية ثقافية متجدّدة تتفاعل مع العالم دون أن تفقد هويتها الوطنية.
هذا الجيل قادر على تحويل التحديات إلى فرص، وابتكار ثقافة رقمية وواقعية في آن واحد، تجمع بين الذائقة التقليدية والحسّ المعاصر، بين المعرفة الرقمية والانتماء الوطني. أمام صناع القرار والمثقفين والمعلمين مهمة مزدوجة: فهم هذا الجيل، دعم إبداعه، وتمكينه من التعبير بحرية، مع الحفاظ على جذوره الثقافية التي تشكّل هويته الأساسية.
تصنيف الأجيال عبر الحقب والأزمات
لا بدّ من الإشارة إلى أنه منذ ثلاثينات القرن العشرين وحتى اليوم تعدّدت تصنيفات الأجيال، والتي أتت كالتالي:
1 – من 1928 إلى 1945، ويُسمى الجيل الصامت (Silent Generation)، والجيل الصامت هي تسمية لجيل من الأمريكيين ولدوا في الحقبة بين 1925-1942 وتحديدًا خلال فترة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية.
ويُطلق هذا المسمى في الأصل على أحد أجيال أمريكا الشمالية، ولكنه أطلق أيضًا في أوروبا الغربية، وأستراليا وأمريكا الجنوبية. ويشمل معظم أولئك الذين اشتركوا في الحرب الكورية.
2 – من 1946 إلى 1964، وأطلق عليه اسم جيل الطفرة (Baby Boomers)، وطفل طفرة المواليد (في منطقة تأثير الحرب العالمية الثانية حصرا) وتعني الطفل الذي ولد أثناء الفترة الديموغرافية لطفرة المواليد بعد الحرب العالمية الثانية بين عامَي 1946 و1964، وذلك وفقًا لما أشار إليه مكتب تعداد الولايات المتحدة.
ويستخدم مصطلح “طفل طفرة المواليد” في السياق الثقافي. وبالتالي، من المستحيل الوصول إلى إجماع عام حول التعريف الدقيق لهذا المصطلح، حتى لو في إقليم محدّد. فقد تمتلك المجموعات والمنظمات والأفراد والعلماء المختلفين آراء مختلفة للغاية حول ماهية طفل طفرة المواليد، من الناحية الفنية والثقافية على حد سواء.
وتمّ استخدام المصطلح طفرة المواليد منذ أواخر القرن العشرين للإشارة إلى الزيادة المؤقتة الملحوظة في معدل المواليد.
وحسب قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية، فإنّ أول استخدام مسجل لمصطلح “طفرة المواليد “baby boomer” كان في عام 1970 في مقال في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
3 – من 1956 إلى 1980، والمتفق على تسميته بالجيل إكس (Generation X)، والجيل إكس هو المجموعة الديموغرافية التي تلي جيل طفرة المواليد وتسبق جيل الألفية.
يعتمد الباحثون ووسائل الإعلام الشعبية غالبًا فترة منتصف ستينيات القرن العشرين بداية لفترة المواليد لهذا الجيل، وأواخر سبعينيات القرن العشرين كنهايتها، مع تعريف الجيل عمومًا بأنه يشمل الأشخاص الذين ولدوا بين عامَي 1965 و1980.
يوجد 65.2 مليون فرد من جيل إكس في الولايات المتحدة منذ عام 2019، وذلك وفقًا للتعريف وبيانات تعداد الولايات المتحدة.
ويُعَدّ معظم أفراد الجيل إكس أبناء الجيل الصامت وجيل طفرة المواليد، وغالبًا ما يكون أفراد الجيل إكس أيضًا آباءً لجيل الألفية والجيل زاد.
أُطلِقَ على أفراد الجيل إكس أحيانًا اسم “جيل المفاتيح”، فعندما كانوا أطفالًا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وهي فترة شهدت تغييرات كبيرة في القيم المجتمعية، وذلك في إشارة إلى عودتهم أطفالا من المدرسة إلى منزل فارغ واستخدامهم المفاتيح للدخول بمفردهم.
كان هذا نتيجة لما يسمّى الآن بأسلوب التربية المستقلة، وارتفاع معدلات الطلاق، وزيادة مشاركة الأمهات في سوق العمل قبل انتشار الخيارات الواسعة لرعاية الأطفال خارج المنزل.
4 – من 1981 إلى 1996، واصطلح على تصنيفه بجيل الألفية (Millennials/Generation Y)، وجيل الألفية أو جيل واي أو بنو الألفية، هو مصطلح مستخدم لوصف الفئات السكانية التي تتكوّن من الأشخاص الذين ولدوا في الفترة ما بين 1981 و1996.
أما في مصادر أخرى فيعود إلى مواليد من 1980 إلى 1994، حيث ارتفع معدل المواليد في هذه الفترة، بشكل يُشابه نسبة ارتفاع المواليد بعد الحرب العالمية الثانية.
ويشكّل الجزء الأكبر من النّمو السكاني أولئك الموجودون في الدول النّامية في العالم عنه في العالم المتقدّم.
وفي جميع أنحاء العالم، قام هذا الجيل من الشباب بتأجيل الزواج.
هم أقل ميلًا إلى الجماع مقارنة بأسلافهم عندما كانوا في العمر ذاته. وتقل احتماليةُ أن يكونوا متدينين من أسلافهم، ولكن قد يُعرفون بأنهم روحانيّون.
وُصف جيل الألفية بأنه الجيل العالمي الأول والجيل الأول الذي نشأ في عصر الإنترنت.
ويتميّز الجيل عمومًا باستخدامٍ مرتفعٍ للإنترنت، والأجهزة المحمولة، ووسائل الإعلام الاجتماعية، وهذا هو السبب أنها تسمى أحيانًا بالمواطنين الرقميين.
وبين تسعينيات القرن الماضي وعام 2010، أصبح الناس من العالم النّامي متعلمين بشكل متزايد، وهو عامل أدّى إلى تعزيز النّمو الاقتصادي في هذه البلدان.
عانى جيل الألفية في جميع أنحاء العالم من اضطرابات اقتصاديّةٍ كبيرةٍ منذ بدء حياته العمليّةـ واجه العديد مستوياتٍ عاليةٍ من بطالة الشباب خلال السنوات الأولى في سوق العمل في أعقاب الركود الاقتصادي إبان الأزمة الماليّة عام 2008، وعانى من ركود آخر بعد عقد من الزمن بسبب وباء كوفيد-19.
5 – من 1997 إلى 2012، وهو جيل زاد (Generation Z).
6 – من 2013 إلى 2025، والمسمّى بجيل ألفا (Generation Alpha)، والجيل ألفا هو الفوج الديموغرافي التالي بعد الجيل زاد، ويسبق جيل بيتا.
ويستخدم الباحثون ووسائل الإعلام أوائل عقد 2010 بداية سنوات ميلاد هذا الجيل ومنتصف عقد 2020 كنهاية سنوات ميلادهم.
سمّي الجيل ألفا باسم الحرف الأول في الأبجدية اليونانية، وهو أول من وُلد بالكامل في القرن الـ21.
واعتبارًا من عام 2015، كان هناك حوالي مليونَي ونصف المليون شخص يولدون كل أسبوع في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقّع أن يصل جيل ألفا إلى مليارَي شخص بحلول عام 2025.
وللمقارنة قدّرت الأمم المتحدة أنّ عدد السكان كان حوالي 7.8 مليار في عام 2020، بعد أن كان 2.5 مليار في عام 1950.
وما يقرب من ثلاثة أرباع جميع الناس يقيمون في إفريقيا وآسيا في عام 2020.
وفي الواقع فيأتي معظم النمو السكاني البشري من هاتين القارتين، حيث تميل الدول في أوروبا والأمريكتين إلى إنجاب عدد قليل جدًا من الأطفال ليحلّوا محل أنفسهم.
7 – من 2025 إلى 2039، وهو جيل بيتا (Gen Beta)، ويمثّل الفوج الديموغرافي التالي بعد الجيل ألفا.
تسمية الجيل بيتا ترجع إلى الأبجدية اللاتينية اليونانية القديمة وأفراده من مواليد عام 2025 حتى 2039.
بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يعيش العديد من مواليد الجيل بيتا حتى القرن الـ22، حيث الأطفال المولدون في عام 2025 سيكون عمرهم 76 عامًا في عام 2101.
وفكرة تسمية جيل بيتا وجيل ألفا صاغها للمرّة الأولى مارك ماكريندل في استطلاع عام 2008 الذي أجرته شركة الاستشارات الأسترالية ماكريندل للأبحاث، حيث وصف ماكريندل الفكرة بأنها تتّفق مع العرف العلمي المتمثل في استخدام الأبجدية اليونانية بدلًا من الأبجدية اللاتينية.
فمن أيّ جيل أنت؟


أضف تعليقا