بعد أكثر من 100 يوم على رأس الحكومة الرابعة لسعيّد..أيّ حصيلة لسارّة الزنزري؟

سارّة الزنزري

عبدالسلام الزبيدي

بحلول الليلة الفاصلة بين 28 و29 جوان 2025 أنهت رئيسة الحكومة سارّة الزعفراني الزنزري يومها ال100 وهي مقيمة في القصبة، بعد أن كلّفها رئيس الجمهورية قيس سعيّد بهذه “الوظيفة” وفق مصطلحات دستور 2022 في الليلة الفاصلة بين 20 مارس و21 منه، وذلك بعد سويعات من انعقاد مجلس الأمن القومي الذي حضره سلفها كمال المدوري، وكان آخر نشاط رسمي له. ومنذ تلك الليلة لم نسمع له قولا ولو همْسًا.

خلال سنوات الانتقال الديمقراطي الفاصلة بين تغيّر رأس النظام سنة 2011 وإلى حدود حدث 25 جويلية 2021 الذي أزاح فيه سعيّد شركاءه في الحكم، كان بلوغ عمر الحكومة 100 يوم يعني “حتمًا وبالضرورة” وزن أعمالها دون أن تنفلت حبّة خردل من القرارات أو ذرّة من التصريحات أو أنملة من التحرّكات والزيارات الداخلية والخارجية. فذاك الموعد صراطٌ للمحاسبة؛ تجسيدا لمبدإ أنّ الحاكم أجير عند الشعب، أمّا في زمن “الشعب يريد” فقد غدا هذا الموعد المواطنيّ نسيًا منسيًا.

رؤساء حكومات “الحصانة من التقييم”

منذ أن أعلن رئيس الجمهورية انفراده بتسيير الدولة بهدف إعادة عجلاتها للسير العادي، وذلك وفق منطوق كلمته يوم الإعلان عن الاجراءات الاستثنائية، عيّن أربعة رؤساء حكومات دون أن يضطر لاستشارة أيّ سلطة أو وظيفة أخرى، ودون أن تُعرَض الحكومة على البرلمان لنيل ثقة “الشعب الذي يريد” من ممثّليه الذين أرادهم تحت قبّة البرلمان.

كان تعيين نجلاء بودن رئيسة للحكومة تحت نظام الاستثناء وفي ظلّ دستور 2014 المعطّلة جلّ أقسامه وأحكامه. وإثر مرور سنتين لم ير فيهما الشعب أيّ منجز فعلي ما عدا ما رسخ في الذاكرة من لهاث وراء الخبز والعجائن والسكر والزيت وما شابه، جاء تعيين أحمد الحشاني الذي دخل دائرة النسيان بسرعة إثر إنهاء مهامه بعد سنة من تعيينه. ولم يكن المدوري أفضل حظّا ولا حكومته أطول عمرا، وكانت إقالته المشهدية بعد انعقاد مجلس الأمن القومي الذي لم نر فيه إلاّ رئيس الجمهورية وهو يطلق صواريخه، والمستهدف ليس إلاّ رئيس الحكومة المعفى.

وها أنّ المسؤولة الرابعة عن تسيير القصبة منذ إجراءات 25 جويلية تتجاوز المائة يوم، وها أنّها تحظى ب”شبه الحصانة” من التقييم والنقد على غرار سابقيها. لقد عادت سيوف النقد الإعلامية إلى أغمادها إلى درجة أنّ ذلك الصراط أزيح نهائيًا ليس من أجندة المؤسسات الإعلامية وما تبقّى من هياكل الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والجمعيات المدنية والمراصد المتخصّصة، بل وكأنّه مُحِيَ من الذاكرة. وفي ذلك تطبيع مع الوضع وكأنّه رجوع إلى الوراء في أبهى تجلّياته. ذاك “الوراء” الذي وصفه المؤرخون والسياسيون بأنّه محكوم بفردانية الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وباستبداد خلفه زين العابدين بن علي.

لقد خفّ ثقل النقد الإعلامي والسياسي على الحكومة لأسباب متعدّدة. فحكومات سعيّد ( دون اعتبار حكومتيْ إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي) حظيت بأريحية كبرى في العمل وذلك بعد أن انزاحت إلى حدّ كبير الرقابة الإعلامية والمجتمعية. وتحوّلت الرقابة البرلمانية إلى رقابة مشهدية، بعد أن سحب منهم دستور 2022 الذي خطّه رئيس الجمهورية قيس سعيّد بيمينه صلاحية تزكية الحكومات، إضافة إلى وضعه حواجز أمام لوائح اللوم التي قد يكون مآلها حلّ البرلمان عوض مساءلة الجهة المسوؤلة عن التعيين.

أكثر من 20 لقاءًا مع سعيّد في 100 يوم

لئن حظيت رئيسة الحكومة الحالية سارة الزعفراني الزنزري بما حظي به أسلافها الثلاثة، وهو ما يتيح لها أريحية العمل، فإنّ استقراء نشاطها المعلن سواء من خلال الاتّصال الرئاسي أو الاتّصال الحكومي بإمكانه أن يتيح لعموم التونسيين فرصة استكشاف طبيعة عملها وأدوارها (لا نتحدّث عن التقييم).

إنّ النشاط الأبرز لرئيسة الحكومة منذ الليلة الفاصلة بين 20 و21 مارس كان اللقاءات مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد في أكثر من 20 مناسبة، وتحديدا 22 مرّة إضافة الى مناسبتين أخريين عند ترؤسّ سعيد مجلس الوزراء بقصر قرطاج. علما وأنّ سعيّد استقبل رئيسة حكومته مصحوبة بوزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي في ثلاث مناسبات.

وكانت أهمّ محاور اللقاءات وفق بلاغات رئاسة الجمهورية تفعيل الإدارة ونجاعتها عبر أساليب وآليات متعدّدة أهمّها ما يسميّه قيس سعيّد بالثورة التشريعية، وتطهير الإدارة ممّن يصفهم بالفلول وجيوب الردّة وغير الوطنيين، وتعويضهم بالوطنيين أصحاب الشهادات الجامعية حتّى وإن كانوا لا يتمتّعون بالخبرة الضرورية.

أمّا المحور الثاني فله صلة وثيقة بالأوّل وهو يتعلّق بإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، وما تتطلبّه هذه المهمة من استغناء عن مؤسسات لا طائل من ورائها ولا مردودية لها. وهكذا فإنّ السياسة العمومية لسعيّد تجاه الإدارة لها فرعان، الأوّل التطهير بماهو استغناء عن موظفين واستبدالهم بغيرهم، والثاني الاستغناء عن مؤسسات وهياكل. وحتّى نتمكّن من تقييم أداء الزنزري ينبغي النظر في ما أنجزته في هذين المجالين.

لكن تتبّع نشاطها (مجالس وزارية أساسا) لا يوحي بأيّ منجز في هذا الإطار، لكن قد يكون دورها مجرّد التنسيق والمخرجات عند رئيس الجمهورية. ومعلوم أنّ هذه المخرجات حسب ما هو معلن عن اللقاءات الثنائية هو “تطهير الإدارة من معرقليها” وإلغاء مؤسسات وهياكل إدارية أو إدماجها. وأمام شحّ المعلومات وصعوبة النفاذ إليها بعد 25 جويلية 2021، لا يبقى لنا إلاّ الانتظار ليس لمعرفة النتيجة الخاصة بالتطهير والإلغاء وإنّما لحسن تقييم رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري.

صفر زيارات للمناطق الداخلية والمؤسسات

ويتمثّل المحور الثالث في التوازنات المالية وإيجاد حلول للخدمات الأساسية الموجهة للمواطن. وما يذكره سعيّد للزنزري مجملا يذكره للوزراء كلّ على حدة بالتفصيل. والملاحظ في هذا الباب أنّ دستور 2022 أوكل لرئيس الحكومة مهمة التنسيق بين الوزراء وتصريف أعمال الحكومة والإشراف على الإدارة، لكن إلى حدود كتابة هذا المقال لم تنشر دوائر الاتصال الحكومي أيّ بلاغ عن لقاء رئيسة الحكومة بأيّ وزير من الوزراء الذين تشرف على عملية التنسيق بينهم، كما أنّها لم تظهر في أيّ مناسبة من مناسبات الأحداث أو الأزمات (مثلا سقوط حائط المعهد بالمزونة، المشاكل ذات الصلة بالقطاعات الانتاجية، موسم الامتحانات وغير ذلك).

ولعلّ هذه السياسة الاتّصالية المتّبعة تماشيا مع مقتضيات الأحكام الدستورية المتعلقة بأنّ الرئيس يضبط السياسات العامة، وأنّه المسؤول عن التعيينات في المناصب الكبرى، فضلا عمّا ذهب إليه المراقبون حول إقالة الحشاني سويعات بعد نشره فيديوهات تشير إلى إنجازات “حكومته” أو إعفاء المدوري وإمكانية مخالفة سياسات قرطاج.

ولذلك يمكن فهم أسباب السياسة الاتّصالية الحكومية المكتفية بإعادة نشر بلاغات رئاسة الجمهورية، وإصدار بلاغات حول المجالس الوزارية فضلا عن أربعة استقبالات لمسؤولين أجانب (وزير مصري ومسؤولين عن منظمات دولية) وتلقّيها مكالمة هاتفية وحيدة من نظيرها الرواندي.

وكان النشاط الخارجي الوحيد لرئيسة الحكومة بعد 100 يوم من تعيينها، وهو نيابة قيس سعيد في المؤتمر الدولي لتمويل التنمية المنعقد بإسبانيا آخر الشهر الماضي، حيث التقت عددا من المسؤولين من البرتغال ومصر والجزائر وفلسطين وموريتانيا.

وللإشارة فإنّ رئيسة الحكومة لم تؤدِّ أيّ زيارة لأيّ ولاية أو منطقة داخلية أو مؤسسة عمومية رغم أزمات العديد منها. كما أنّها لم تستقبل أيّ مسؤول في منظمة وطنية أو أيّ كفاءة. وكلّ ما أعلنت القيام به هو ما سمّته رئاسة الحكومة ب”زيارة غير معلنة” لهياكل إدارية تابعة لرئاسة الحكومة ذاتها ومقرّها القصبة، فضلا عن زيارة لمكتب المفتي الموجود بذات المبنى!

لا معنى لتقييم أداء رئيسة الحكومة!

وعلى غرار أسلافها لم تدل رئيسة الحكومة طيلة 107 أيام من تعيينها بقصر القصبة بأيّ حديث صحفي، بل لم تمكّن الصحافة المحليّة من تصريحات، فالبلاغات الرسمية هي وسيلة التواصل.

تلك هي عناصر أساسية يمكن من خلالها اقتحام منطقة التقييم المسكوت عنها، يضاف لها مخرجات المجالس الوزارية وجلسات العمل.

وفي كلّ الأحوال يبقى التقييم الحقيقي هو منطوق الدستور وتفسير رئيس الجمهورية له. فرئاسة الحكومة وظيفة وليست سلطة، وحتى إذا أعطى الدستور لرئيس الحكومة صلاحية اقتراح الوزراء، فإنّنا نحتاج إثباتات على مستوى التطبيق. وذات الدستور يعطي لرئيس الجمهورية حق إعفاء أحد أعضاء الفريق الحكومي دون العودة إلى رئيسه…

عفوا… الدستور يمنح رئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الحكومة وإعفائه دون الحاجة إلى الرجوع للبرلمان ودون حاجة لأيّ استشارة (الفصول الدستورية(101-102) ..يبدو أنّ من شطبوا آلية تقييم ال100 يوم من عمل الحكومة على صواب، فلا معنى لذلك التقييم. الصواب هو تقييم عمل رئيس الجمهورية ذاته باعتباره المسؤول عن التعيين والعزل وضبط السياسات.

 

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *