الشكندالي: تقدّم تونس في تصنيف “فيتش” لا يعني التونسيّين في شيء

الشكندالي

اعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسيّة رضا الشكندالي أن تقدّم تونس في تصنيف وكالة “فيتش رايتينغ” الصادر في 12 سبتمبر 2025، لا التونسيون بقدر ما يهمّهم تحسن مقدرتهم الشرائيّة وتوفير الشغل لأبنائهم وتحسّن جودة الخدمات الاجتماعية التي يحتاجونها.

 

ورفع التصنيف الائتماني طويل الأجل لتونس بالعملة الأجنبية والمحلية (IDR) من مستوى«+CCC» إلى «B-» مع نظرة مستقبليّة مستقرّة.

 

وتصنّف “فيتش” الدول حسب مستوى مخاطر التخلّف عن السداد والقدرة على الإيفاء بالالتزامات الماليّة حسب سلم يحتوي على 23 درجة.

 

وفي تدوينة مطوّلة بيّن الشكندالي أن تونس تقدّمت من الدرجة 17 إلى الدرجة 16 بفضل استمرار تحسن الوضع الخارجي لتونس ممّا يدعم استقرار الاحتياطيات من العملة الصعبة وتوفّر السيولة الخارجية الكافية للإيفاء بالتزامات الدولة المالية.

 

وأشار الشكندالي إلى انخفاض عجز الحساب الجاري إلى 1.5% من الناتج المحلي الاجمالي في سنة 2024، وهو مستوى أدنى بكثير من متوسط الفترة 2010-2022 البالغ 7.9%، مدفوعاً بتحسن كبير في ميزان الخدمات (من 10% من الناتج في 2018 إلى 14% في 2023 و2024) وبتزايد تحويلات المغتربين (من 4% من الناتج في 2018 إلى 6% في 2023 و2024).

 

واعتبر أنه يظل أعلى من متوسط فئة «B» المتوقع لعام 2027 البالغ 1.8%.

 

ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن وكالة “فيتش” تتوقع أن يتسع عجز الحساب الجاري لتونس إلى 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2025 و2.8% في 2027 نتيجة لانخفاض أسعار زيت الزيتون وارتفاع واردات السلع.

ومن بين الأسباب التي ساهمت في تحسّن التصنيف وفق الشكندالي، ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر.

 

وبيّن أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (1.4% من الناتج في 2024) أثبتت صمودها أمام الصدمات السياسية والخارجية (مقارنة بمتوسط 2.1% خلال 2010-2019).

 

وقال الشكندالي: “ورغم غياب التمويل من الأسواق منذ 2021 وعدم وجود برنامج مع صندوق النقد الدولي، إلا أن التمويلات من الشركاء متعددي وثنائيي الأطراف (2.2% من الناتج في 2024) بقيت متينة”.

وتتوقع “فيتش” انتعاشاً في الاستثمارات الأجنبية في 2025 (النصف الأول من 2025: +54% بالدولار مقارنة بالنصف الأول من 2024) مع استمرار تدفقات التمويل الخارجي خلال 2025-2027.

 

وأوضح الشكندالي أنه من المنتظر أن يؤدي انخفاض استحقاقات الدين الخارجي العام، إلى جانب استمرار التمويل الخارجي، إلى تقليص التدفقات السلبية الصافية من مستوى قياسي بلغ 3.7% من الناتج في 2024 إلى 1% في 2027.

 

وأشار إلى أن السند الوحيد المستحق على تونس بقيمة 700 مليون يورو سيحل أجله في جويلية 2026.

 

وتتوقع “فيتش” انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي إلى ما يعادل 3.9 أشهر من المدفوعات الخارجية في 2027 مقارنة بـ4.5 أشهر في 2024، مع بقائها عند مستوى كافٍ لتغطية الالتزامات.

 

وتوقّع الشكندالي أن تتراجع الاحتياجات التمويلية للحكومة (باستثناء الديون قصيرة الأجل) من 18% من الناتج في 2024 إلى 16% في 2025، ثم إلى 15% في 2026 و13.5% في 2027.

 

ورغم هذا التراجع، تظل أعلى بكثير من متوسط 2015-2019 البالغ 9% ومن متوسط فئة«B» لعام 2027 البالغ 8%.

كما توقّع أن يتقلص العجز إلى 5.3% من الناتج في 2025 مقابل 6.3% في 2024، مدعوماً باحتواء فاتورة الأجور وانخفاض الدعم.

 

وتخطط الحكومة لاستئناف التوظيف في القطاع العام في 2026 بعد تجميد استمر ثلاث سنوات، مما سيبقي فاتورة الأجور مستقرة عند نحو 13.5% من الناتج حتى 2027.

 

كما يتوقع أن ينخفض دعم السلع بنحو 0.6% من الناتج في 2026 مع تراجع أسعار السلع عالمياً، ما سيساعد على تقليص العجز إلى 4.7% في 2026 و4% في 2027.

 

وقال الشكندالي: “ساهمت القروض الممنوحة من البنك المركزي دون فائدة (4.4% من الناتج في 2024 و4.1% في 2025) في استقرار خدمة الدين المحلي”.

 

وتفترض “فيتش أن تلجأ الحكومة مرة أخرى إلى قرض من البنك المركزي يعادل 3.8% من الناتج في 2026 لسداد جزء من السند الأوروبي.

 

كما تتوقع الوكالة أن يساهم القطاع المصرفي المحلي في تلبية احتياجات الدولة التمويلية بفضل نمو الودائع وضعف الطلب على القروض.

 

غير أن ذلك سيعرّض بنوك القطاع العام الى عدم القدرة على الصمود، ما قد يتطلب دعماً متجدداً من البنك المركزي، وفقا للشكندالي.

 

وبيّن أستاذ الاقتصاد أن التصنيف يظلّ مقيداً بضعف النفاذ إلى الأسواق المالية الدولية وبالهشاشة العالية للموازنة والحسابات الخارجية تجاه تقلبات أسعار السلع الأساسية، في غياب إصلاح منظومة الدعم.

 

ويضل الدين العام مرتفعاً عند 83% من الناتج في سنة 2025 رغم انخفاضه مقارنة بسنة 2024 (84.5%) بسبب تراجع الدولار أمام الدينار وتبقى الموازنة العامة هشة أمام الصدمات الخارجية، إذ لا تتوقع فيتش إصلاحات مالية جوهرية، في تقدير الشكندالي.

 

ولفت إلى أن الأجور والفوائد والدعم تستنزف نحو 93% من الإيرادات. كما يبقى الدعم عرضة لتقلب أسعار الطاقة؛ فمثلاً، سعر برميل النفط عند 80 دولاراً بدلاً من 65 دولاراً في توقعات “فيتش” يرفع العجز المالي بنحو 0.8% من الناتج.

 

واعتبر الشكندالي أن هذه التصنيفات الدوليّة لا تهم إلا من له النيّة في التوجّه إلى الأسواق المالية العالمية أو الى المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي لتمويل الاحتياجات المالية الخارجية لميزانية الدولة ولا تهم المواطن التونسي في شيء.

 

وبيّن أن تقاريرها موجّهة أساسا إلى المستثمرين الأجانب في الأسواق المالية العالمية أو إلى مؤسسات التمويل العالمية.

 

وبالتالي فهي تركّز على القدرة على السداد وعلى التوازنات المالية الداخلية وخاصة الخارجية بالعملة الصعبة.

 

بينما لا يهمها إن كان ارتفاع الموجودات من العملة الصعبة على حساب المواطن التونسي من توفير مستلزمات الحياة اليومية من توريد المواد الأساسية والدواء أو على حساب المؤسسة التونسية من توريد المواد الأولية ونصف المصنعة والتجهيزات اللازمة للإنتاج.

 

وأضاف الشكندالي: “إن كان هذا التقدّم في التصنيف، وهو شيء إيجابي ويعطي رسالة إيجابية للمستثمرين الأجانب في الأسواق المالية العالمية ولصندوق النقد الدولي، يثلج صدر الحكومة وتعتبره إنجازا من إنجازاتها، فلتتوجه إلى تمويل مريح من صندوق النقد الدولي وبنسبة فائدة ضعيفة، فهي قد وفّرت تقريبا كل الشروط أو الإملاءات التي يطلبها الصندوق. وإن فعلت ذلك، فهي بذلك تتعارض مع خطاب رئيس الجمهورية بالقطع مع تمويلات صندوق النقد الدولي”.

 

ودعا الشكندالي الحكومة إلى ضرورة الوضوح في الخطاب الاقتصادي، فهي إن كان خطابها موجّه للخارج فمثل هذه التصنيفات والتقدّم فيها يعتبر إنجازا يحسب في صالحها ومن حقها الافتخار بهذا الإنجاز.

 

وتابع: “لكن إذا كان خطابها موجه للتونسيين، فالتونسيون لا تهمهم إن كانت الحكومة قد أوفت بالتزاماتها المالية أم لا أو حققت توازنات مالية داخلية أو خارجية أم لا بقدر ما تهمهم تحسن مقدرتهم الشرائية وتوفير الشغل لأبنائهم وتحسّن جودة الخدمات الاجتماعية التي يحتاجونها”.

 

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *