عالم مدونات

يُدير إمبراطورية الذهب في إفريقيا.. هذه هويّة خليفة بريغوجين على رأس فاغنر

باتت قيادة مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية على المحكّ، وسط تساؤلات عمّا إذا كانت موسكو ستضحّي بما أنجزته ذراعها شبه الرسمية في القارة السمراء، مع تأكّد مقتل قائدها يفغيني بريغوجين، بحادث تحطّم طائرة في روسيا.
ورغم أنّ هويّة خليفة بريغوجين في قيادة “فاغنر” ظلّت لغزا عصيا على الحلّ مع ترشيح عدّة أسماء، إلاّ أنّ الإجابة كانت سريعة، بعد أن بدأت المجموعة تُرتّب أوراقها، بتنظيم شروط التعاقد وإعادة جدولة أعمالها في إفريقيا.
من هو خليفة “بريغوجين”؟
أيام قليلة بعد مقتل بريغوجين، حتى ظهرت مؤشّرات تؤكّد حلّ ذلك اللغز، ففي الآونة الأخيرة ظهرت قمصان في شوارع عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، تحمل صورة رجل ملتحٍ ذي شعر منسدل ومظهر يكاد يكون قدّيسا.
صورة، علّقت عليها “وول ستريت جورنال”، بأنّها تُذكّر بالثوري تشي جيفارا، مشيرة إلى أنّها تعود إلى ديميتري سيتي (34 عاما)، القائد الحالي لمجموعة فاغنر شبه العسكرية في إفريقيا.
ومنذ مقتل يفغيني بريجوزين، تمّ الدفع بديمتري سيتي إلى قلب معركة ناشئة على مصير إمبراطورية “فاغنر” الإفريقية المترامية الأطراف، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات من المرتزقة، والذهب والخشب والماس.
ومن المرجّح أن يلعب سيتي متعدّد اللغات والمتعلّم في الغرب دورا محوريّا، من خلال معرفته الوثيقة بشركات “فاغنر” الواجهة وشبكات التهريب.

معتقلو 25 جويلية

ودرس سيتي التجارة الدولية في سانت بطرسبرغ، قبل أن يحصل على درجة الماجستير بالتسويق والأعمال في باريس، وكتب في سيرته الذاتية عبر الإنترنت، بعد تخرّجه عام 2015: “أنا مهتم للغاية بالعمل في شركة دولية بمجال التكنولوجيا الفائقة، التي من شأنها أن تتحدّى مهاراتي وكفاءاتي بمهام مثيرة”.وكانت جمهورية إفريقيا الوسطى، التي مزّقتها الحرب، المركز العصبي لأنشطة “فاغنر” في إفريقيا ومركز عملياتها التجارية.
وسيتي قريب جدّا من السياسيين في البلاد، لدرجة أنّه يعيش ويعمل في فيلا فاخرة بالعاصمة بانغي، التي كانت المقر الرسمي للرئيس، ويحيط بها معسكر للجيش يحتلّه مقاتلو “فاغنر”.
ويتنقّل في شوارع المدينة المزدحمة، بسيارة تويوتا فضية الدفع الرباعي من دون لوحات ترخيص، ويزور المطاعم الراقية وكبار المسؤولين الحكوميين، ويسافر بانتظام إلى البلدان المجاورة مثل الكاميرون وتشاد.
ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت مملكة “فاغنر” الإفريقية تستطيع الحفاظ على مكاسبها، وإلى متى يحتفظ سيتي بسلطته؟
وفي الأسابيع التي تلت وفاة بريغوجين، عمل ديمتري سيتي على الحفاظ على إرث بريغوجين في القارة، وفق شريك تجاري في فاغنر ومسؤول أمني أوروبي.
 وقد سافر إلى دوالا في الكاميرون، وهو طريق خروج فاغنر الرئيسي للبضائع القادمة من وسط إفريقيا، وهذه المدينة هي أيضا قاعدة قناة أفريك ميديا، وهي قناة تلفزيونية موالية لروسيا تقول الحكومة الأمريكية إنّها مرتبطة ببريغوجين.
‎وتُظهر صور الأقمار الصناعية أنّ منجم نداسيما للذهب في جمهورية إفريقيا الوسطى مستمرّ في العمل.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إنّ مسؤولي الحكومة الروسية أخبروا حلفاء “فاغنر” الأفارقة -وهم مجموعة من الرجال الأقوياء وقادة المجلس العسكري وأمراء الحرب- بأنّهم سيفرضون سيطرة أكثر صرامة، مشيرة إلى أنّ شركات المرتزقة الأخرى، التي يديرها الأوليغارشيون الذين تربطهم علاقات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسيطرون على الغنائم، حيث ينضم ممثّلوها إلى الجولة الأخيرة لوزارة الدفاع الروسية في إقطاعيات “فاغنر” الإفريقية.

ووفق “وول ستريت جورنال”، فإنّ السلطات الأمريكية والأوروبية أدرجت سيتي على القائمة السوداء لعمله مع “فاغنر” في إفريقيا، ما يجعل من غير القانوني التعامل معه وتجميد أيّ أصول قد تكون لديه في تلك الولايات القضائية.وساعدت العمليات التجارية لشركة فاغنر في دعم نحو 5000 من المرتزقة في أربع دول إفريقية على الأقل، الذين اتّهمتهم الحكومة الأمريكية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، باغتصاب المدنيين واختطافهم وقتلهم.
وتكشف “وول ستريت” أنّ مقاتلي “فاغنر” مكّنوا الكرملين من تقديم الدعم العسكري لحلفاء روسيا، من دون إرهاق قواته المسلّحة النظامية، في المقابل، عزّز هذا الدور ثروة بريغوجين الشخصية، من خلال منحه إمكانية الوصول إلى المعادن والموارد الأخرى.
وفي الأسابيع التي تلت وفاة بريغوجين، أبلغ رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين آركانج تواديرا موسكو بأنّه يريد بقاء سيتي وغيره من عملاء “فاغنر” القدامى في البلاد، بحجّة أنّ إزاحتهم من شأنها أن تعطّل جهود حكومته لمحاربة الجماعات المتمرّدة، وفق ما ذكره مسؤول سابق، ومسؤولو الأمن الأوروبيون الحاليون.
وحسب الصحيفة الأمريكية، وُزّعت قمصان سيتي لأول مرة في بانغي، أواخر العام الماضي، من المركز الثقافي الروسي الذي يديره سيتي في تلك المدينة، مشيرة إلى أنّه بعد إصابة سيتي بقنبلة أُرسلت إليه بالبريد هناك -وفق مطّلعين على عمليات “فاغنر” في الآونة الأخيرة- أصبح الصحفيون المقرّبون من “فاغنر” والشباب المؤيّدون للحكومة في بانغي يرتدونها.
وفي مقابلة مع صحيفة برافدا الروسية، قال سيتي إنّه يواصل العمل لصالح روسيا. وعندما سأله أحد المراسلين الذين يزورون بانغي عن وفاة بريغوجين، أجاب: “نحن بحاجة إلى مواصلة العمل وعدم فقدان الشجاعة”.
وأوضح سيتي، في مقطع فيديو على موقع برافدا، سبب عودته إلى البلاد، بعد أن فجّرت قنبلة البريد ثلاثة من أصابعه وأصابت صدره، محذّرا من أنّ سحب العملاء ذوي الخبرة مثله من القارة، قد يعرّض للخطر الشبكات الصديقة لموسكو التي ساعد في إنشائها نيابة عن روسيا.
وقال، وهو يرتدي قفازا جلديا أسود يُخفي يده اليمنى المشوهة: “إذا بدأنا التراجع، فإنّ كل ما بُني سوف ينهار”.
بداياته في إفريقيا الوسطى
وصل عملاء “فاغنر” إلى جمهورية إفريقيا الوسطى عام 2017 بدعوة من الرئيس تواديرا، عالم الرياضيات الذي تحوّل إلى رجل قوي، وكانت حكومته تحت حصار الجماعات المتمرّدة.


ومِن أول مَن هبطوا كان سيتي، الذي ترك وراءه ابنًا وزوجة سابقة في فرنسا.
وفق وزارة الخزانة الأمريكية، عُيّن من قبل وكالة أبحاث الإنترنت التابعة لبريغوجين، وهي “مزرعة متصيّدين” مقرّها سانت بطرسبرغ.
وقال تقرير المستشار الخاص روبرت مولر لعام 2019، إنّ وكالة أبحاث الإنترنت استخدمت حسابات مزيّفة على وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر الدعاية ومحاولة التدخّل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016.
وفي حين أنكرت الحكومة الروسية تدخّلها في التصويت، يُعتقد أنّ بريغوجين اعترف بهذه الجهود العام الماضي.
وجمهورية إفريقيا الوسطى مستعمرة فرنسية سابقة غير ساحلية، يبلغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة، ورغم مواردها الطبيعية، ما تزال من أفقر الدول.

المهمّة الأولى
أسند أوّل وظيفة لسيتي في جمهورية إفريقيا الوسطى، في ميدان الترجمة الفورية للمُنقِبين، الذين يبحثون عن فرص التعدين، نيابة عن M Invest وهي إحدى شركات بريغوجين، الخاضعة للعقوبات الآن، ومجموعة من مرتزقة “فاغنر” الذين قُدّموا بصفة مدرّبين عسكريين روس غير مسلّحين.
وبعد أشهر، سجّل سيتي أول شركة تابعة لـ”فاغنر” في البلاد، هي Lobaye Invest التي حصلت على إذن لبدء استخراج الذهب والماس.
ووفق الاتحاد الأوروبي، موّلت لوباي محطة إذاعية جديدة تبثّ دعاية مؤيّدة لروسيا ومعادية للغرب، وتسوّق الفودكا والبيرة التي تنتجها شركة “فاغنر” لمواطني إفريقيا الوسطى.
ومنذ ذلك الحين، فُرضت عقوبات على لوباي من الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي.
وكشفت قائمة جهات الاتّصال من هاتف سيتي المحمول عام 2018، التي حصلت عليها All Eyes on Wagner، وهي منظمة غير ربحية تراقب مجموعة المرتزقة، مدى مشاركته في مشاريع شركة “فاغنر”.
وكان بين اتّصالاته وكيل شحن للحاويات وشركة جنوب إفريقية تبيع معدّات استخراج الماس.
وفي عام 2019، عُرف رجل في تلك الاتصالات الهاتفية بأنّه سائقه، وأسّس Diamville، وهي شركة لتجارة الماس والذهب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها هذا العام، واجهةً لـ”فاغنر”.
في اليوم نفسه، سجّل أحد أصدقاء السائق بـفيسبوك شركة مُنحت عام 2021 امتيازا محليّا كبيرا لقطع الأشجار، وفق الوثائق التي نشرتها لأول مرة All Eyes on Wagner، واستعرضتها “وول ستريت جورنال”.

ومن بين السياسيين المحلّيين الذين صادقهم ديمتري سيتي كان حسن بوبا؛ زعيم المتمرّدين الذي تحوّل إلى وزير في الحكومة، والذي أدار مقاتلوه مهامّ قتالية إلى جانب مرتزقة “فاغنر”في جمهورية إفريقيا الوسطى، ومستشار تواديرا الأمني فيديل غواندجيكا.
وفي مقابلة مع الصحيفة، وصف غواندجيكا سيتي بأنّه أحد أصدقائه المقرّبين جدّا، قائلا إنّهم ترابطوا خلال العشاء في منزل المسؤول بإفريقيا الوسطى، أثناء تناول زجاجات فودكا ستوليشنايا والأطعمة المحلية الشهية مثل اليرقة المقلية، وأمعاء البقر في أوراق الكسافا، وموز الجنة.

ومع تطوّر عمليات “فاغنر” في جمهورية إفريقيا الوسطى، قدّمت خدمات لحكومات إفريقية أخرى كانت تحت ضغط داخلي، وشعرت أنّ الغرب تخلّى عنها، وغالبا ما يكون ذلك بسبب العقوبات أو المخاوف بشأن حقوق الإنسان.
‎في الأسابيع التي تلت وفاة بريغوجين، أبلغ رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين آركانج تواديرا موسكو، أنّه يريد بقاء سيتي وغيره من عملاء فاغنر القدامى في البلاد، بحجّة أنّ إزاحتهم من شأنها أن تعطّل جهود حكومته لمحاربة الجماعات المتمرّدة، وفق ما ذكره مسؤول سابق ومسؤولي الأمن الأوروبيين الحاليين، بينما رفض المتحدّث باسم تواديرا التعليق.
وفي عام 2018، بدأ فاغنر العمل مع الفريق محمد حمدان دقلو، الذي كان في ذلك الوقت جزءا من القيادة العسكرية للسودان، الدولة التي كانت تخضع لعقوبات أمريكية بسبب صلاتها المزعومة بالجماعات الإرهابية الدولية.
 والآن، يخوض دقلو وجماعته شبه العسكرية مع قوات الدعم السريع، حربًا أهلية مع الحكومة السودانية.
وحسب الحكومتين الأمريكية والأوروبية، يعمل دقلو أيضا مع فاغنر لاستغلال احتياطيات السودان من الذهب.