ثقافة

يومَ حاور سمير صبري موسى الصدر

ضمن عدد كبير من الصور التي كان يحتفظ بها الفنان والمذيع المصري الراحل سمير صبري الذي فارق الحياة صبيحة أمس الجمعة 20 ماي/ أيار عن عمر ناهز الـ85 عاما، توجد في خزانته صورة جمعته بالإمام الراحل موسى الصدر، تم التقاطها في الثاني والعشرين من أوت/ أغسطس من العام 1978 من شرفة فندق “فلسطين” المطلة على شاطئ الإسكندرية. فما قصّة هذا اللقاء الذي جمع بين رجلي الدين والفن؟

لقاء الدين والفن

في حوار صحافيّ سابق، قال صبري إن لقاءه بالصدر كان بالصدفة في الإسكندرية، حيث كان يستعدّ لإجراء حوار مع فرقة شبابية في برنامجه “النادي الدولي”، حينذاك قابل صديقه الصحافي محمد بديع سربيه صاحب مجلة “الموعد” وطلب منه أن يجري حوارا مع هذه الشخصية… نظرا لأهميتها.

وخلال نصف ساعة جهّز صبرى الكاميرا وجلس أمام رجل يرتدي عباءة سوداء وعمامة داكنة اللون، لكنه في غاية التواضع والبساطة دائم الابتسام وسعيد جدا بزيارته إلى الإسكندرية.

وفي اللقاء قال الصدر عن نفسه إنه من مواليد 1928 بمدينة قم الإيرانية، وقدم إلى لبنان عام 1955 ليستقر نهائيا فيها عام 1959، ومن مدينة صور انطلقت مسيرته الدينية والسياسية والاجتماعية. درس الصدر العلوم الدينية بعد حصوله على شهادات كثيرة في علم الشريعة، وهو واعظ ديني يدعو دائما إلى نبذ العنصرية.

ويسرد الراحل صبري بعض تفاصيل اللقاء قائلا: “أخبرني أنه يعشق قراءة الشعر العربي القديم وغناء عبد الوهاب وقصائد أم كلثوم، ثم صافحني وطلب مني أن نلتقي بعد عودته من ليبيا، ثم اختفى تماما”.

ويؤكّد الفنان المصري أن اختفاء موسى الصدر وتردّد خبر مقتله يشبه سر مقتل الفنانة سعاد حسني الذي ما زال مجهولا، فالحكومة اللبنانية اتهمت معمر القذافي بقتله.

أحداث متلاحقة

ذهب الصدر إلى ليبيا للقاء رئيسها معمر القذافي، وذلك ضمن جولة جابت  عدة دول عربية لدعوتها إلى مؤتمر قمة عربي محدود بعد اجتياح إسرائيل جنوب لبنان، وحصلت الزيارة بناء على إشارة خاصة من الرئيس الجزائري هواري بومدين أثناء اجتماع الصدر به، بما أن للقذافي تأثيرا على مجريات الوضع العسكري في لبنان من واقع علاقاته مع جماعات لبنانية وفلسطينية داخلها.

 وصل الصدر ليبيا في 25 أوت/ أغسطس 1978 صحبة الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، ونزل في فندق “الشاطئ” بمدينة طرابلس، وانقطعت اتصالاته بالعالم الخارجي على خلاف عادته في أسفاره، حين كان يكثر من الاتصالات بأسرته وبالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان.

وكان من المزمع أن يلتقي الصدر القذافي ليل 29/30 أوت/ أغسطس، لكن القذافي ألغاه خلال اجتماعه مع لبنانيين آخرين، وهم: بشارة مرهج وطلال سليمان وأسعد المقدم ومنح الصلح وبلال الحسن ومحمد القباني، وثبت من التحقيقات أن الصدر شوهد وهو يُغادر الفندق مع أخويه بالسيارات الليبية الرسمية الموضوعة تحت تصرفهم يوم 31 أوت/ أغسطس للاجتماع بالقذافي بدلا من الموعد الملغى.

واعترف القذافي بأن موعد هذا الاجتماع تحدّد فعلا ظهر يوم 31 أوت/ أغسطس الساعة الواحدة والنصف، لكنه لم يتم.

كما قال في اجتماعه مع وفد من العلماء في دمشق يوم 21 سبتمبر/ أيلول من العام ذاته، أي 1978، إنه فوجئ بمغادرة الصدر ومن معه ليبيا، غير أن تقرير “خلاصة قضية إخفاء الإمام وأخويه في ليبيا” يذكر: “مصادر عدة أكّدت حصول الاجتماع ووقوع نقاش حاد خلاله وتباين شديد في وجهات النظر بشأن مسألة محنة لبنان والدور الليبي، وتأييد ذلك بشكل خاص في حديث للعاهل السعودي الملك خالد وولي العهد الملك فهد مع الوفد الذي زار السعودية لمناقشة هذا الموضوع.

أقوال أخرى صرّح بها وزير الخارجية الليبي التريكي تفيد بأن الإمام وأخويه احتُجزوا بعد الاجتماع مع القذافي وظلوا محتجزين، وكانت أمكنة احتجازهم معروفة حتى فيفري/ فبراير من العام 1979.

ويقول التقرير إن السلطات الليبية تجاهلت القضية في البداية واكتفت بالقول إن الصدر غادر ليبيا، ولا تعرف مصيره بعد ذلك، وبعد اجتماع بين القذافي وياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقتئذ، صدر بيان ليبي رسمي يوم 17 سبتمبر/ أيلول، يقول: “غادر الإمام الصدر ليبيا وأخويه دون إعلام السلطات الليبية مساء يوم 31 أوت/ أغسطس 1978 إلى إيطاليا على متن طائرة إيطالية”، وإثر ذلك أرسلت السلطات اللبنانية وفدا أمنيا إلى إيطاليا للتحقّق، وأثبتت التحقيقات أنهم لم يصلوا إلى روما، ولم يغادروا ليبيا، في الموعد الذي حدّدته السلطات الليبية.

توالت الأحداث بعد ذلك، وبالرغم من اغتيال القذافي في العام 2011 إثر ثورة 17 فيفري/ فبراير وتغيير نظام الحكم في ليبيا، إلاّ أنه وحتى الآن لم تخرج رواية رسمية قاطعة عن الحدث، وبين  رواية عبد المنعم الهوني شريك القذافي في ثورة الفاتح من سبتمبر/ أيلول عام 1969 التي تفيد بأن الصدر قتل ودفن في منطقة شبها جنوب ليبيا، وبين تأكيد عائلة الصدر بأنه ما زال حيا، يبقى لغز القضية قائما إلى اليوم.

 وبالتالي كان الراحل سمير صبري آخر من شاهد  مصطفى الصدر  وحاوره قبل سفره إلى ليبيا. وبموته المُفاجئ الأخير أقفل ملف الصدر وما جرى بينه وبين صبري في دقائق معدودات إلى الأبد.