ثقافة لايف ستايل

“يا تاكسي الفنون”… حلم تونسيّ خارج عن المألوف

نسرين اليوسفي

أحمد المزوغي، تونسي ترك عمل الميكانيك وزاول مهنة سائق تاكسي زهاء 29 عاما لشغفه الكبير بهذا المجال. 

ظلّ يجوب شوارع العاصمة التونسية بسيارته ويستنطق قصصها ويكتب حكاياتها في ذاكرته طوال سنوات، إلى حين أن قرّر الانطلاق في مشروعه الخاص عام 2016، وتحويل سيارته إلى وجهة ثقافية من خلال بعث مشروع “التاكسي الثقافي”.

فكرة مبتكرة

المشروع، عبارة عن مجموعة خدمات يقدّمها لحرفائه عند الانتقال من مكان ما إلى مكان آخر، مع ابتسامة دائمة وأسلوب مميّز في التعامل، وكلّ أمله أن يُزيح بمشروعه بعضا من العتمة عن سماء تونس.

تحدّث المزوغي بحماس وشغف كبيرين عن فكرته، في تصريح خصّ به بوّابة تونس، إذ أخبرنا أنّه أحبّ مهنته منذ صغره، وكان دائما مُتفانيا فيها، فهو إنسان طموح يتطلّع إلى كسر السائد وتجاوز المألوف مذ كان شابّا. 

كان مُغرما بالمسرح والسينما والكتب، وكلّ ما يشمل المجال الثقافي. وشيئا فشيئا طوّر من نفسه. وراكم تجاربه ورغب أن يبني مشروعا خاصّا يُميّزه عن غيره من زملاء المهنة.

يقول المزوغي إنّه عمل سابقا مدرّبا في منظّمة المصائف والجولان مع الأطفال، وكان نشطا جدّا في مختلف التظاهرات الثقافية. وربّما ذاك ما ولّد في داخله شغفه بمشروع “التاكسي الثقافي”، الذي سانده فيه المقرّبون منه خاصّة عائلته المصغّرة. وبدأ يُطوّر فكرته ويُضيف في كل مرة شيئا جديدا، حتّى انتشر مشروعه ولاقى استحسان أغلب التونسيين.

ولم تُثنه الإحباطات والانتقادات السلبية في محيطه. وأراد من خلال مشروعه رسم صورة مغايرة لتونس، ولقطاع سائقي التاكسي بصفة خاصة.

تاكسي الفنون

لم ينتظر أحمد المزوغي أيّ دعم من أيّ جهة، بل آمن بفكرته وأنصت لشغفه كي يثبت لنفسه أوّلا ولجميع مُحبطي العزائم من حوله، أنّ هناك دائما فسحة أمل، وأنّ تونس ما تزال تؤمن بالثقافة والإبداع والمعرفة، وأنّها تشرّع أبوابها دائما للتجديد والتغيير وكسر الصور النمطيّة المكرّرة.

وما إن تطأ قدماك عتبة التاكسي إلّا وتنبهر بأجوائها وتلمس شيئا من الطرافة والتفرّد فيها، ففي سيارته يمكنك أن تطالع وتُرفّه عن نفسك في الحين ذاته.

وهو أول تاكسي ثقافي في تونس مجهّز بالكثير من المعدّات مثل رقعة شطرنج، كتب، شاشات صغيرة، قناة يوتيوب، أفلام قصيرة، رسوم متحرّكة، وموسيقى… وفيها تتوفّر كلّ سُبل الراحة وتُرافقك الثقافة والفن أينما ذهبت.

وقد يتبادل الحرفاء في أغلب الأحيان بعض الكتب أو يتشاركون فيما بينهم بعض الألعاب، فيجد الحريف نفسه مذهولا بتلك الأجواء وهو يخوض غمار رحلة خيالية تأخذه إلى عوالم سحرية وتدعوه إلى اكتشاف خباياها، فلا يشعر بالملل والضّجر على امتداد رحلته القصيرة، بل يظلّ مبهورا ومستمتعا إلى حين نزوله من السيارة، ومُكتنزا في ذاكرته لحظات من الفرح والحنين.

وتجعل هذه الرحلة في الآن ذاته من التاكسي التونسي وجهة ثقافية بامتياز، تُميط الستار عن الوجه الآخر لتونس الثقافية، وتحفّز الحريف من جهة أخرى على طلب التاكسي الثقافي مرّة أخرى.

وتُعتبر فكرة المشروع هذه الأولى من نوعها على المستوى المحلّي والعربي وربّما الإفريقي، وفق تصريح المزوغي.

وأضاف أن العديد من أبناء مهنته أبدوا إعجابا شديدا بفكرة مشروعه، لكنّ أغلبهم لم يأخذوا بعدُ بزمام المبادرة، وأنّ كلّ أمله أن تُعمّمَ هذه الفكرة وتصبح مُتاحة في أغلب مناطق الجمهورية التونسية.