ثقافة

ويليام شكسبير… الكاتب المسرحي الذي غيّر العالم من خلال الخشبة

يحتفي العالم اليوم 23 أفريل/ نيسان بالذكرى 406 لرحيل الشاعر والكاتب المسرحي والممثل الإنجليزي البارز في الأدب الأنغلوفوني خاصة، والأدب العالمي عامة ويليام شكسبير الذي ولد في 26 من الشهر ذاته، أي أفريل/ نيسان من العام 1564 بمدينة ستراتفورد التي عاش ومات فيها.

وشكسبير الذي توفّي في مثل هذا اليوم من العام 1616 هو إحدى الشخصيات المشهورة في الأدب العالمي، إذ يطلق عليه لقب الشاعر الإنجليزي الوطني، عُرف أنه كان شاعرا، وممثلا، وكاتبا للمسرحيات، ولكن كتابته للمسرح كانت أكثر ما اشتهر به،  ويعتبره الكثيرون أعظم مسرحيّ في كلّ العصور. كتب شكسبير في المسرح البريطاني خلال العصر الإليزابيثي والجاكوبيني، أو ما يسمى بعصر النهضة الإنجليزية، تاركا خلفه إرثا كبيرا من الأعمال الأدبية التي ما تزال منتشرة حتى وقتنا الراهن.

سليل عائلة نبيلة

ولد ويليام شكسبير عام 1564 في إنجلترا، في مقاطعة وروكشير، وتحديدا في مدينة ستراتفورد أبون آفون. نشأ في عائلة نبيلة، والتي كانت مؤلّفة من والديه، وهما: ماري أردن التي تنتمي إلى عائلة من طبقة النبلاء، ووالده جون شكسبير الذي شغل عدّة مناصب، فقد عمل كتاجر وحقّق نجاحا كبيرا، وتقلّد منصب عضو بلدية، ومنصب عمدة لمدينة ستانفورد، وأصبح رئيسا للبلدية، إلاّ أنه اتّهم بإقراض المال بشكل مفرط وفي غير محلّه، فحُرم من لقب “الرجل النبيل”، ورُفضَ طلبه الذي تقّدم به عام 1570 لحمل شعار النبالة، أمّا إخوة وأخوات شكسبير الخمسة الذي يكبرهم جميعا، فهم: جيلبرت وجوان وآن وريتشارد وإدموند، وقد نشأت الأسرة في شارع هينلي.

تلقى الفتى الذهبي للمسرح العالمي تعليمه في مدرسة ستراتفورد للقواعد الموجودة وسط مدينة ستراتفورد، والتي تهتمّ بتدريس قواعد اللغة اللاتينية، والترجمة للعديد من الكتّاب، مثل: شيشرون وفيرجيل وأوفيد، وهو الكاتب المفضّل لشكسبير.

نبوغ وتفرّد

كانت حياة شكسبير العملية تتميز بكثرة تنقلاته من مدينة لندن إلى مدينة ستراتفورد، وعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع عن الفترة التي بدأ فيها شكسبير بمهنة الكتابة إلا أنّ الاعتقادات السائدة تشير إلى أنه بدأ منذ عام 1592، وذلك باستناد المؤرّخين إلى سجلات الأداء التي أقيمت على مسارح لندن، والتي تؤرّخ بداية سطوع نجمه في عالم المسرح، وفي العام 1594 نشر بعضا من مسرحياته على شكل نسخ ذات صفحات رباعية، ولم تأخذ كتاباته وقتا طويلا لتحقّق أعلى نسبة مبيعات وذلك عام 1598.

ويشار إلى أن شكسبير عمل ممثلا في المسرح إلى جانب عمله في الكتابة المسرحية،  فبدأَ عمله بالتعاون مع شركة أسّسها مع زملائه الممثلين في العام 1594، وأطلق عليها اسم “رجال اللورد تشامبرلين” والتي أصبحت الشركة الرائدة في لندن، وفي العام 1599 أصبح للشركة مسرح خاص بها، إذ بنى أعضاء الشركة المسرح على الضفة الجنوبية لنهر التايمز، وأطلقوا عليه اسم “مسرح غلوب” ثم تغيّر اسمه إلى “رجال الملك”.

ولم يكتف الأعضاء بذلك فضمّوا مسرح بلكفريرس الداخلي لشركتهم عام 1608، ومن الجدير بالذكر أن شراكة شكسبير في شركة “رجال الملك” أوصلته إلى الثراء، إذ تُشير السجلات إلى أنه اشترى واستثمر في عدد كبير من العقارات.

بين المسرح والشعر

تركت مسرحيات شكسبير وقصائده إلى اليوم أثرا كبيرا، ومكانة خاصة على الرغم من مرور أكثر من 400 عام على وفاته، إذ تهتم بأعماله الأدبية كلا من: المسارح والمكتبات والمدارس والكليات.

استطاع شكسبير أن يكتب أكثر من ثلاثين مسرحية خلال حياته القصيرة نسبيا وهو الذي توفي ببلدته ستراتفورد عن عمر ناهز الـ52 عاما، فكان أوّل ما كتبه مسرحيات تُصنّف على أنها مسرحيات كوميدية وتاريخية، مثل مسرحية “هنري السادس” و”كوميديا الأخطاء”، ثمّ تغيّر توجّهه فكتب مسرحية “روميو وجولييت” الشهيرة عام 1596، والتي تُصنّف على أنها مسرحية تراجيديّة ورومانسية، ولكنه ما لبث أن عاد إلى أسلوبه الذي بدأ به وعُرف به، فكتبَ عدّة مسرحيات شهيرة، مثل: مسرحية “يوليوس قيصر” و”هاملت” و”عُطيل” و”الملك لير” و”ماكبث” و”أنتوني وكليوباترا”، واستمرّ على هذا النمط لمدّة اثنتي عشرة سنة، إلاّ أنه وفي سنواته الأخيرة غيّر أسلوبه، فكتبَ عدة مسرحيات تندرج تحت نمط الرومانسية، مثل: “سيمبلين” و”العاصفة” و”حكاية الشتاء”.

لم تُنشَر مسرحيات شكسبير جميعها خلال فترة حياته، إذ نُشر منها فقط ثماني عشرة مسرحية بشكل منفصل في نسخ ذات صفحات رباعيّة، إلاّ أنه وبعد وفاته جمع جون هيمينجيس وهنري كونديل، وهما زملاؤه في التمثيل، ستا وثلاثين مسرحية من مسرحياته في ملف واحد، إذ قاما بتنسيق النصوص، وتحريرها، والإشراف على طباعتها، حتى تمكّنا من نشر أوّل ملف يجمع مسرحيات شكسبير وذلك عام 1623، وتكمن أهمية هذا الملف في كونه استطاع الحفاظ على عدة مسرحيات مهمة لم تكن منشورة، وكانت عُرضة للضياع.

ومن بين المسرحيات التي قدّمها شكسبير حصلت خمس مسرحيات على الأفضلية بإجماع من أغلبية النقاد، وذلك بناء على القيمة الأدبية للمسرحية وديمومتها، وهي: “هاملت” و”روميو وجولييت” و”ماكبث” و”يوليوس قيصر” و”الملك لير”.

كما تميّز شكسبير بابتكاره العديد من التراكيب والمفردات التي استخدمها في قصائده، فتميّزت  هذه المفردات بكونها تجمع عدّة جذور ذات أصول لاتينية وفرنسية ومن لغته الأصلية أيضا، أما المواضيع التي كتب عنها فتسلّط الضوء على ضياع الوقت والزمن، وتخليد الجمال ومشاعر الحب.

وبدأ شكسبير في نظم الشعر منذ العام 1593، فكتب أوّل قصيدة بعنوان “فينوس وأدونيس” والتي تصنّف على أنها قصيدة سردية، وفي العام التالي كتب قصيدة سردية أخرى سمّاها “اغتصاب لوكريس”، وقد جُمعت قصائده  عام 1599 تحت عنوان “الحاجّ المغرم”.

إلاّ أن معظم قصائد هذه النسخة التي نُسبت إليه لم يكن هو من كتبها، فمن بين جميع قصائد الكتاب لم تكن سوى خمس قصائد منسوبة فعلا إلى شكسبير، منها قصيدتان نشرتا لاحقا في “سوناتيات شكسبير”، وثلاث قصائد كُتبت في مسرحية “الحب مجهود ضائع”، وقد استمرّ شكسبير في كتابة الشعر حتى العام 1601، حين كتب قصيدة رثاء غزلية سمّاها “العنقاء والسلحفاة”، وقد تمّ نشر أعماله الشعرية في العام 1609 تحت مسمّى “سونيتات شكسبير”.

رحيل لم يلغ الخلود

استمرّ ويليام شكسبير في الكتابة حتى عام 1613، وهو العام الذي كتب فيه آخر مسرحيتين له، ثمّ عاد إلى ستراتفورد معلنا بذلك تقاعده، وقد توفي عن عمرٍ يناهز 52 عاما، وذلك يوم 23 من شهر أبريل/ نيسان عام 1616، ودفن في مسقط رأسه ستراتفورد أبون آفون، إذ وضع جثمانه في مذبح الهيكل لكنيسة الثالوث المقدس التي كان له حصة فيها، وذلك لأنه اشترى العُشر من تلك الكنيسة مقابل مبلغ كبير من المال، وبالنسبة إلى زوجة شكسبير آن هاثواي فظلّت إلى جانبه حتى آخر أيام حياته، ووضعت عائلته على الحائط الأقرب من قبره تمثالا نصفيّا يجسده ويشبه هيئته وهو في وضعيّة الكتابة.