رياضة

وفاة الهادي بالرخيصة…ذكرى تأبى النسيان

لا يمر تاريخ 4 جانفي من كل سنة دون أن يتذكّر الجمهور الرياضي التونسي أحد أنجب لاعبي كرة القدم في ذكرى رحيله. الهادي بالرخيصة أو قلب الأسد (بلها كما يناديه أحباؤه)  لاعب من طينة خاصة لم يعش طويلا لكنه خلّف إرثا كرويا كبيراً لامعا احترمه الخصوم قبل الأصدقاء وأحبه من لم يشاهده قبل معاصريه.

معتقلو 25 جويلية

طفولة الهادي بالرخيصة

ولد الهادي بالرخيصة يوم 28 جوان 1972 بجزيرة قرقنة شرق تونس وسافر في نفس السنة مع عائلته إلى فرنسا. عاد الهادي في عمر ست سنوات إلى تونس لكنه لم يقدر على العيش بعيداً عن والديه فقفل عائدا إلى فرنسا. هناك لعب في أندية الهوّاة في كرة السلّة ثم غيّر الاختصاص إلى كرة القدم. قضى طفولته هناك في الدراسة وممارسة هوايته قبل الرجوع النهائي إلى تونس وهو في عمر 16 عاما.

الهادي معشوق جماهير الترجي

بعد سنتين من ذلك التاريخ التحق الهادي بالرخيصة بالترجي الرياضي التونسي ضمن أصناف الشباب وسرعان ما جلب الأنظار بجديته وانضباطه وعطائه اللامحدود فصعد للفريق الأول.

خصال الهادي بالرخيصة الكروية والأخلاقية جعلت منه أحد أهم العناصر في الترجي الرياضي في بداية التسعينيات. مدافع أيسر صلب وشرس ولاعب هدّاف ساعدته في ذلك بنيته الجسمانية القوية، فكسب احترام الجماهير التي أصبحت تتغنى باسمه وأطلقت عليه كنية “بلها” ووصفته بقلب الأسد.

رغم الفترة القصيرة التي قضاها بألوان الترجي، فإن ابن قرقنة ساهم بشكل كبير في فترة زاهية لفريق الأحمر والأصفر، حيث توّج معه بثلاث بطولات دوري وكأس تونس في مناسبة وحيدة والكأس العربية للأندية البطلة سنة 1993 والسوبر الإفريقي والكأس الأفروآسيوية سنة 1995 والكأس الممتازة العربية سنة 1996. ويبقى أفضل تتويج للترجي بحضور بالرخيصة الكأس الإفريقية للأندية البطلة سنة 1994 أمام الزمالك المصري في النهائي ومن ينسى ثنائية بالرخيصة والإمضاء على التتويج الأول للفريق في المسابقة.

مع المنتخب الوطني لم يخض الهادي بالرخيصة الكثير من المباريات لكنه كان أحد جنود ملحمة جوهانزبورغ 1996 عندما بلغ النهائي وخسرت تونس اللقب أمام الفريق المنظّم جنوب إفريقيا.

قصة طفل هادئ خجول

عُرِف عن الهادي بالرخيصة أنه شاب هادئ يميل إلى العزلة بمرافقة سمّاعته وأغاني بوب مارلي. الهادي صديق الجميع. يقول صديقه المقرّب في المنتخب الوطني التونسي والنجم الساحلي سابقا رياض البوعزيزي: ” كنا في مواجهة مع الترجي الرياضي في ملعب المنزه وكنا منتصرين بثلاثة أهداف لصفر وبينما أحاول محاصرة الهادي بالرخيصة في إحدى المحاولات الهجومية اقترب مني بلها وقال لي ” توحشتك يا صاحبي فخجلت من التفكير في المنافسة والرهان الرياضي في المواجهة.   

الهادي بالرخيصة من القلائل الذين كسبوا احترام جماهير كل الفرق وحزن لفراقهم المتعصبون لأنديتهم.

الفاجعة…وفاة الهادي بالرخيصة

يوم 4 جانفي 1997 كان يوما احتفاليا للترجي الرياضي التونسي بمناسبة الاحتفالات بذكرى تأسيسه. في مباراة ودية مع أولمبيك ليون الفرنسي بملعب الشاذلي زويتن بالعاصمة تونس توقيت المباراة يشير إلى الدقيقة 48 الهادي بالرخيصة يستقبل كرة ويسقط أرضا. ظنّ الجميع أنه فقد توازنه أو إصابة بسيطة إلا أنه لم يتحرّك. هبّ المسعفون لنجدته وسط ذهول جميع الحاضرين في الملعب. ينظرون، ينتظرون ويتساءلون كيف هو حال بالرخيصة؟ توقف قلب الأسد عن النبض إلى الأبد.

رحل الهادي بالرخيصة حاملا قميصا عشقه وذاد عنه بقوة تاركاً جرحا غائراً في صفوف الجماهير الرياضية التي أحبته وأصدقائه الذين ألفوا روحه المرحة.