عرب

وداعا بي بي سي… صوت العرب من لندن يصمت إلى الأبد

أكّدت صحيفة الجارديان البريطانية، أنّ هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أعلنت عن غلق إذاعة “بي بي سي” العربية وإذاعة “بي بي سي” الفارسية، وخُطّتُها الاستغناء عن 382 وظيفة في جميع أنحاء خدمتها العالمية، بالإضافة إلى إلغاء بثّها الإذاعي بعشر لغات منها العربية، منذ 84 عاما. 

ستتوقّف إذاعتَا بي بي سي العربية والفارسية وإذاعات أخرى، في إطار خطط أعلنتها خدمة بي بي سي العالمية، لتسريع عروضها الرقمية “الديجتال”، وذلك بسبب التكاليف المرتفعة وأزمة التضخّم العالمية الحالية.

وقالت بي بي سي إنّ خدمتها العالمية بحاجة إلى توفير 28.5 مليون جنيه إسترليني (31 مليون دولار)، في شكل جزء من تخفيضات أوسع بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني. 

وأضافت أنّ الخطط الجديدة تهدف إلى زيادة التأثير في الجماهير في جميع أنحاء العالم، من خلال “إنشاء منظّمة حديثة، بقيادة رقمية ومبسّطة تحقّق أكبر قيمة من رسوم الترخيص وتقدّم المزيد للجماهير. 

وكشفت الشبكة في نهاية جوبلية/يوليو عن خطط لدمج قناة “بي بي سي” الإخبارية العالمية بالقناة البريطانية المحلية للشبكة، وإطلاق القناة الجديدة في أفريل/نيسان 2023.

وتبثّ خدمة بي بي سي العالمية حاليّا بأربعين لغة، ويشاهدها أسبوعيا نحو 364 مليون شخص. 

مديرة خدمات بي بي سي ليليان لاندور، قالت: “نحن نساعد الناس في أوقات الأزمات. سنستمرّ في تقديم الصحافة الأفضل للجمهور باللغة الإنجليزية وبأكثر من 40 لغة”. 

إذاعة الذكريات 

انتشار خبر غلق بي بي سي العربية، كان كالنار في الهشيم، وخلّف صدمة كبيرة لدى متابعيها وعدد كبير من الصحفيين. 

الكاتب الصحفي اليمني عبدالسلام القيسي علّق على خبر الإغلاق قائلا: “بي بي سي إذاعة الذكريات. صوتها الصباحي مختلف وهو يخترق الجدران من المذياع… نجحت بي بي سي في البقاء محلّ المصدر الأوّل للخبر في المجتمعات المتهالكة والعالم الثالث”.

وأضاف في تدوينة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي: “أصوات المذيعين هي الحقيقة الفارقة، كانت بي بي سي تنجح في استقطاب أهمّ الأصوات. أتذكّر رنّة مذيعي الإذاعة وبحّتهم وقرارهم وأصواتهم برنين فارق وأنا أغطّ في النوم، كانت مرتبطة بالصباح. ينهض الكبار بالغبش ويفتحون الراديو على بي بي سي، يكرهون بريطانيا ويأخذون الخبر منها، ولكن قدرة الإذاعة على اختيار مقامات الأصوات أنجحها”. 

وتابع:” بعد سقوط جسر لندن بوفاة الملكة، توقّفت عبارة “هنا لندن” التي كانت مبتدأ كل صباح ونهاية كل يوم من إذاعة بي بي سي بالعربية… أشعر فقط أنّ أشياء رافقتنا تختفي، فكل شيء حولنا يتغيّر، وأحزن”. 

صدمة 

الصحفي في قناة الجزيرة عثمان آي فرح، نشر تدوينة على فيسبوك، عبّر فيها عن صدمته من قرار غلق بي بي سي العربية، قائلا: “أخبرني زميل من بي بي سي عندما كنت في لندن منذ أيام أنّ هذا وارد، ولم أصدّقه! تشرّفت كثيرا بالعمل مع أساتذتنا هناك… إغلاق راديو بي بي سي العربي بعد 84 عاما، خبر صادم ومحزن جدا بالنسبة إليّ وبالنسبة إلى ملايين المستمعين حول العالم… هل يدرك متّخذ القرار فداحة ما فعل؟”.

“لندرة”

السياسي التونسي حبيب بوعجيلة، كتب تدوينة على حسابه بفيسبوك، تحدّث فيها عن تاريخ بي بي سي العربية في تونس، قائلا بحسرة: “لندرة” كما يسمّيها أباؤنا وأجدادنا تصمت.. هيئة بي بي سي تقرّر إيقاف جملة من الخدمات، منها إذاعة لندن الناطقة بالعربية والتي انطلقت منذ أواخر ثلاثينات القرن الماضي.. مثّلت “إذاعة لندرة” إلى حدود أوائل الثمانينات وما بعدها بقليل، مقصدا لأجيال عربية سابقة بحثا عن “الخبر المقدّس”، وأحيانا “التحليل الحرّ” بعيدا عن الإعلام العربي الموجّه. 

وأردف: “مثّلت بي بي سي وقوالبها مدرسة رائدة وأنموذجا تعليميا للإعلام في القرن العشرين. وليس من الغريب أنّ قناة الجزيرة قد اعتمدت بشكل لا يخفى النموذج الإنجليزي في بداياتها، وكان كثير من أوائل مذيعيها قد مرّوا بمدرسة بي بي سي”. 

وتابع: “إذاعة لندن وأصوات مذيعيها العرب وطريقة الإلقاء لديهم، كانت أسلوبا مدرسيا حاول تقليده  كثير من مذيعي صوت العرب وغيرها من الإذاعات العربية. هنا لندن… كانت جملة فاتنة رخيمة بلسان عربي مبين، ينتظرها المستمعون العرب بعد تعديل أجهزتهم للاستمتاع بمتابعة أخبار أقطارهم التي لا يجدونها في إذاعات حكوماتهم”. 


جميل عازر وغيره الكثير مرّوا من هناك…  يقول: “ولكن أهمّ من رسخ في ذاكرتي بعد أن أصبحت أعي شؤون الإعلام والعالم، هو المذيع الليبي المعارض مصطفى رمضان والذي اُغتيل في لندن أوائل الثمانينات. كان قارئا للأخبار ومقدّما لعدد من البرامج الثقافية المتميّزة على إذاعة لندن”.

وتعدّ بي بي سي العربية أكبر وأقدم خدمة إعلامية تطلقها بي بي سي بلغة غير الإنجليزية، وقد واصلت تطوّرها منذ انطلاقها في 3 جانفي/يناير عام 1938، حتى صارت في مقدّمة المحطّات الإعلامية في العالم.