تونس

وائل الدحدوح: “إسرائيل” تعمّدت استهداف الصحفيّين لكننا اخترنا أن نتحدّى الأوجاع وننحاز إلى المهنة

وصف مراسل قناة الجزيرة في غزّة الصحفي وائل الدحدوح العمل الصحفي في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية كالعمل وسط حقل من الألغام.

معتقلو 25 جويلية

وأضاف، في مؤتمر صحفي في مقرّ نقابة الصحفيّين التونسيّين اليوم الثلاثاء: “صحيح أن مهنة الصحافة كما هو معروف للجميع، مهنة المتاعب لكن في مكان ساخن مثل قطاع غزة لا يخلو عام لا يخلو شهر لا يخلو يوم من الأحداث الساخنة، هذا يجعل من مهنة الصحافة في مثل هذه الأماكن مهنة صناعة المتاعب.. مهنة الموت إن صحّ التعبير”.

وأشار الدحدوح إلى عدد الصحفيّين الشهداء في قطاع غزّة، وقال: “الجميع يرى الأرقام التي حدثت على مدار أقل من 8 أشهر لأن 150 من الزملاء والصحفيين والمصورين استشهدوا ودفعوا حياتهم ثمنا لهذه المهنة نحن نعتقد جازمين أن هذه المهنة هي مهنة إنسانية ومهنة نبيلة ومهنة سامية جدا من يؤمن بها يوفيها الكثير”.

وبيّن أن الثمن الذي دفعه الصحفيّون في هذا المكان كان  غاليا جدا لم يحدث في أي بقعة من بقاع الأرض ولا في أي حقبة من الحقب الزمنية.

وذكّر بأن الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب في فيتنام التي استمرت 20 عاما لم يتجاوز عدد الصحفيين الذين سقطوا خلالها 70 في حين أنه في أقل من 8 أشهر من الحرب على غزة استشهد 150 من الصحفيين والمصورين في هجمات إسرائيلية.

واعتبر الدحدوح أن هذه الأرقام مرعبة وخطيرة، لكنها أيضا تعكس أهمية الصحفي والدور الذي يقوم به.

وأردف قائلا: “من هنا نحن نتحدث عن إيمان الصحفي بما يقوم به.. هذا هو المفهوم الجديد”.

وتابع: “تعلمنا نحن في مبادئ الصحافة أنه لا خبر يساوي قطرة دم تنزل من جسد الصحافة هكذا تعلمنا لكن المفاهيم الجديدة تجاوزت هذه القواعد وتجاوزت هذه المفاهيم لأنها لم تعد مرتبطة بمهنة الصحفي الموظف”.

وأضاف: “الصحفي الموظف يفترض في أوطاننا العربية المثقلة بالهموم وقضايا الناس بالتأكيد ما يفترض أن يتجاوز الصحفيون هذه المفاهيم ليلتصقوا أكثر لأن هذه مهنة سليمة مرتبطة بهموم الإنسان ومشاكل الإنسان وقضايا الإنسان وهي أهم شيء على الأرض المجتمعات مكونة من البشر وقضاياه.. هذه هي المجتمعات.”

وبالتالي إذ قدّر لك أن تكون صحفيا يعني أنك ناطق باسم كل هؤلاء وناطق باسم هذه القضايا وإلا لأصبحت رقما عاديا مثل أي رقم موجود في المجتمع.

وأشار الدحدوح إلى أن “إسرائيل” في هذه الحرب أرادت أن توجع الصحفيين بشكل لم يسبق له مثيل فاختارت طرقا متعددة بدأتها بالتأكيد بطرق أكثر إيلاما وأكثر وجعا بالنسبة إلى الصحفيين عندما ذهبت مباشرة إلى استهداف أسر الصحفيين.

وقال: “يعني أنت باعتبارك صحفيا في كل المحطات على مدار عملك أنت دائما مسكون بهم واحد هو أن تستهدف أنت أو أن تقتل أنت في غارة أو برصاصة وما شابه ذلك لكن هذه المرة اختارت إسرائيل أن تذهب إلى الأسر إلى الأحبة إلى فلذات الأكباد وأن تستهدفهم كأنهم يريدون أن يقتلوك وجعا ومن ثم يقتلوك”.

واعتبر أن هذا التمشّي الجديد أصبح التحدّي الأكبر الذي برز أمام الصحفيين، لكنهم نجحوا في أن يظلّوا واقفين ثابتين.

وبيّن الدحدوح أن هذا الأمر أثار سؤالا من أخطر الأسئلة التي يمكن أن تمرّ على البشر وأن تمرّ على صحفي وهو أن تختار أنت؛ أسرتك وأحبتك أم المهنة.

وقال: “وهذا سؤال الإجابة عنه ليست سهلة أبدا لكن كان لزاما أن تكون هناك إجابة.. وعلى مستوى صعوبة هذا السؤال وإلا لرسبنا جميعا في الامتحان هذا اختبار إنساني اختبار بشري والاختبار مهني وكان يجب أن ننجح بكل هذه الاختبارات”.

وتابع: “فاخترنا نحن أن نبقى واقفين وأن نتحدّى كل هذه الأوجاع وكل هذه الأحزان وأن ننحاز حازمين وجازمين إلى هذه المهنة التي آمن بابتدائها وآمن بأهميتها وآمن بإنسانيتها وآمن بأنها قادرة على تحقيق التأثير بقدر ما  آلمتنا من أوجاع وآلام”.

وأشار إلى أن الإجابة كانت واضحة وهي: ” بعد مواراة الأحبة الثرى وذهابهم إلى مثواهم الأخير كان لزاما أن نعود أمام الميكروفون وأمام عدسات الكاميرا حتى نرسل رسالة إلى كل المتلقين الذين يتابعون في هذه الأيام الحرب وثوانيها ودقائقها وساعاتها، أننا ما زلنا بخير وأن هذا الصوت سيبقى مستمرا ومرتفعا وأن هذه الصورة سوف تستمر وأن هذه المعلومات والمتابعة سوف تبقى وبالمهنيّة نفسها”.

وأشار الدحدوح إلى أن القضية العادلة لا تحتاج إلى صحفي يحاول أن يحرّف أو يزيّف ويضخم ويهول وما شابه، بل تحتاج إلى مجرّد صحفي يلتصق بقواعد المهنة.

وأوضح أن الاحتلال يريد أن يمارس جرائم في حق الناس وأن الصحفي الموجود هناك مطلوب منه أن يسلط الضوء على هذه الجرائم التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي وهذا كاف، مؤكدا: “هذا ما كنا نحاول دائما أن نقوم به بكل شفافية ومهنية”.

وختم الدحدوح كلمته بالتأكيد أن الجاني يريد دائما أن ينفذ الجريمة دون أن يراه أحد والصحفي دائما يكون بقرب الأحداث وفي عين الأحداث وهذا ما لا يريده الاحتلال الإسرائيلي ومن هنا جاءت عمليّة الاستهداف سواء للأسر أو للصحفيين أنفسهم أو للمكاتب أو للمقرّات أو للمنازل.

واعتبر أن المهم في هذه التجربة الملهمة هو أن مسيرة الصحافة والصحفيين ما تزال مستمرة رغم كل هذا الثمن الذي تحدثنا عنه.

يذكر أن الصحفي وائل الدحدوح فقد زوجته وابنه وابنته وحفيدته في غارة إسرائيلية، استهدفت منزلا نزحوا إليه وسط غزة في أكتوبر 2023، ليفجع في ديسمبر بمقتل نجله الأكبر الصحفي حمزة الدحدوح.

وفي ديسمبر أيضا أصيب الدحدوح وقتل زميله المصور بقناة “الجزيرة” سامر أبو دقة، بقصف إسرائيلي خلال تغطيتهما مجريات الحرب بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

ومنتصف ديسمبر، غادر الدحدوح غزّة عبر مصر للعلاج في قطر.

ويحلّ هذه الأيام في تونس بدعوة من مكتب الجزيرة في تونس بالشراكة مع النقابة الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين ومعهد الصحافة وعلوم الأخبار.