لايف ستايل مدونات

“وأن تصوموا خير لكم”.. دراسة علميّة تثبت أنّ الصيام يشحن الجسم بالطاقة

شرع الله سبحانه صيام شهر رمضان وجعله أحد الفروض الأساسية في الإسلام؛ كما شرع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصيام الاختياري على مدار السنة.

معتقلو 25 جويلية

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم} (الأنفال 24).

ومما لا شك فيه أن للصيام فوائد واسعة وكذلك العبادات الأخرى التي شرعها الله ورسوله لنا. وكان يعتقد في الماضي أن هذه الفوائد مقصورة على الجوانب الروحية والعاطفية؛ غير أن العلم الحديث اليوم يكشف الدليل بعد الآخر على الفوائد البدنية والنفسية لمن يلتزم التعاليم الإسلامية.

وقد ثبت حديثًا أن للصيام فوائد صحية على جهاز المناعة وعلى الجهاز الدوري والقلب وعلى الجهاز الهضمي وعلى الجهاز التناسلي وعلى الجهاز البولي؛ وأن هذه التأثيرات المفيدة للصيام سجلت على المستوى الوظيفي للخلايا والأنسجة، وتأكدت بالدراسات الكيميائية والمعملية.

هناك فرضية عامة في العديد من البلدان الإسلامية مفادها: أن الصيام يؤثر على الأداء العام للجسم وخصوصًا الأداء البدني، مما قاد الكثيرين إلى تخفيض ساعات العمل أثناء صيام شهر رمضان.

دراسة تطبيقيّة عمليّة

وللتحقّق من هذه الفرضية قام علماء بدراسة أثبتت أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي على الأداء العضلي وتحمل المجهود البدني، ولا يؤدي إلى مظاهر الإرهاق والإجهاد، بل العكس هو الصحيح لأن نتائج هذا البحث أظهرت وجود تحسن ـ ذي قيمة إحصائية ـ في درجة تحمل المجهود البدني، وبالتالي كفاءة الأداء العضلي، وكذلك أداء القلب مع المجهود أثناء الصيام، كما ظهر تحسن بسيط في درجة الشعور بالإرهاق.

وقد أجريت الدراسة على عشرين من المتطوعين الأصحاء ـ ثمان إناث واثني عشر من الذكور ـ والذين تراوحت أعمارهم ما بين 12 إلى 52 سنة، وقد قيست درجة الأداء البدني وأداء القلب عند المتطوعين قبل رمضان وأثناء الأسبوع الثالث من رمضان حسب الطريقة التالية:

قبل رمضان بأسبوعين قيست درجة أداء القلب مع المجهود حسب البرنامج “بالك BALK” المعدل، وهو تدريب متزايد الحد بسرعة 3.4 ميل في الساعة وارتفاع متزايد بدرجة 2.5% كل دقيقتين على آلة المشي وهي مزودة بجهاز للرصد التلقائي لتخطيط القلب وسرعة النبض مع إضافة قياس ضغط الدم في نهاية كل دقيقتين، واستمر الفحص حتى وصل المتطوع إلى درجة الجهد الأقصى، والوصول إلى درجة الشعور بالإنهاك، وتحدد بمعيار بورج (BORG) الذي يحدد درجة الشعور بضيق التنفس وإرهاق الساقين، وهو يعطي قيمة رقمية من صفر إلى 10 لدرجة الشعور بضيق التنفس أو إرهاق الساقين.

هذا في الفحص الأول قبل رمضان بأسبوعين؛ لتحديد الحد الأقصى من الجهد لكل متطوع، وقبل رمضان بأسبوع أجري الفحص الثاني لكل متطوع؛ لاختبار درجة الأداء البدني وأداء القلب تحت ظروف تعادل 85% من الحد الأقصى للجهد ـ وهي ما تسمى بمرحلة الجهد الثابت ـ وهي ظروف ثابتة من سرعة وارتفاع الآلة من بداية الفحص إلى نهايته، وقيست في هذا الفحص المدة القصوى التي أكملها المتطوع مع قياس أداء القلب ودرجة الشعور بالإرهاق، متمثلاً في درجة ضيق التنفس وإرهاق الساقين في نهاية الفحص…

وأثناء الأسبوع الثالث من رمضان أجري الفحص الثالث لاختبار درجة الأداء البدني. وقورنت نتائج الفحص الثالث (أثناء الصيام) بنتائج الفحص الثاني (قبل الصيام) حسب المعايير التالية:

1 ـ المدة التي أكملها المتطوع على آلة المشي.

2 ـ درجة أداء القلب عند نهاية الفحص؛ ممثلة في سرعة النبض وحصيلة ضغط الدم مضروبًا في سرعة النبض.

3 ـ درجة الإرهاق البدني؛ ممثلة في درجة الشعور بضيق التنفس وإرهاق الساقين، وقد أجريت الفحوص في وقت العصر، وفي ظروف متماثلة بحيث كان الفارق الوحيد بين الفحص الثاني والفحص الثالث هو كون المتطوع غير صائم أو صائمًا.

نتائج التجربة

وأسفرت التجربة عن النتائج التالية:

1 ـ ازدادت مدة التدريب التي أكملها المتطوع على آلة المشي من 10.2 (+ ـ 7.3) دقيقة قبل رمضان إلى 16.8 (+ ـ 14.4) دقيقة أثناء رمضان (احتمال الخطأ أقل من 0.01)، أي تحسن بمقدار 65%؛ وقد كانت مدة التدريب أثناء الصيام ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الصيام، أي تحسن 200% في 30% من المتطوعين، وتحسنت مدة التدريب 7% عما كانت عليه قبل الصيام في 40% من المتطوعين.

2 ـ انخفضت سرعة دقات القلب من 170(+ ـ 17.7) دقة في الدقيقة قبل رمضان إلى 159 (+ ـ 22.3) دقة في الدقيقة أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.01)، وهذا يعني تحسنا بمقدار 6%.

3 ـ انخفضت حصيلة ضغط الدم مضروبًا في سرعة النبض من: 24441 (+ ـ 3797) دقة/دقيقة/مم زئبق قبل رمضان إلى 21232 (+ ـ 3972) دقة/دقيقة/مم زئبق أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.001)، وهذا يعني تحسنا بمقدار 12%.

4 ـ انخفضت درجة الشعور بضيق التنفس من 6.5 (+ ـ 2.3) درجة قبل رمضان إلى 9.5 (+ ـ 2.2) درجة أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.05)، وهذا يعني تحسنا بمقدار 9%.

5 ـ انخفضت درجة الشعور بإرهاق الساقين من 6.1 (+ ـ 2.5) درجة قبل الصيام إلى 4.5 (+ ـ 2.5) درجة أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.05)، وهذا يعني تحسنا بمقدار 11%.

لقد حدث تحسن واضح ذو قيمة إحصائية في درجة تحمل الجهد البدني تحت الضغط. كما وجد أن هناك بعض التحسن في درجة الشعور بالإعياء؛ وإن لم يكن ذا قيمة إحصائية.

تغيّر الوقود مصدر الطاقة

إن الدراسات على جسم الإنسان أظهرت نتائج مختلفة لهذه الفرضية وقد أظهرت دراسات إنسانية عديدة أن الصيام لمدة 24، 27، 36 ساعة كان له تأثير سلبي على الأداء البدني والعضلي.

وهذا يوضح أن التحسن في أداء الأشخاص في هذه الدراسة ـ بالإضافة إلى أداء الحيوانات في الدراسة السابقة ـ يرجع إلى نوع الوقود المختلف الذي يستخدم لتوليد الطاقة أثناء الصيام، مقارنا بالوقود المستخدم في الظروف الطبيعية بدون صيام.

وقد أظهرت دراسات عديدة أن الصوم يسبب زيادة في الأحماض الدهنية الحرة في الدم؛ المصدر الرئيسي للطاقة بدلاً من الجلوكوز، وهذا يساعد في تقليل نضوب جليكوجين الكبد والعضلات أثناء الشدة، ويساعد هذا في حماية مستوى الجلوكوز في الدم.

وكجزء من عملية التعود أثناء الصيام تستخدم المصادر الداخلية للطاقة بدلاً من المصادر الخارجية التي تستخدم في الظروف الاعتيادية بدون صيام.

وتحت الظروف الطبيعية بدون صيام فإن الجلوكوز يكون هو المصدر الرئيسي للطاقة أثناء الجهد العضلي، ومع زيادة هذا الجهد فإن مستوى الجلوكوز في الدم ينخفض بسرعة مؤديًا إلى الشعور بالإعياء والإنهاك.

إن الاعتماد على الجلوكوز كمصدر للطاقة في حالة الصيام يكون بنسبة أقل، حيث تتوفر الأحماض الأمينية في الدم بكميات كافية لإمداد الجسم بالطاقة، لذا فالأداء العضلي يتحسن.

إن الشعور بالإعياء والإنهاك إما أن يقل أو يتأخر، مما يجعل الجسم يتحمل أداء الجهد لفترة طويلة.

إن صيام شهر رمضان فعل يقصد به عبادة الله تعالى ولذا يتوقع منه حصول فوائد نفسية وروحية للصائمين، ولذلك فمن المحتمل أن الحالة النفسية الإيجابية يمكن أن ينتج عنها زيادة في بعض هرمونات الجسم الداخلية مثل: مجموعة الأندروفينات والتي يعزى إليها تحسن الأداء البدني وقلة الشعور بالإعياء والتعب.

والخلاصة أن نتائج الدراسة تقدم دليلاً علميًا جديدًا لقول الله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} (البقرة 184) ولمعنى حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “صوموا تصحوا”.