أفادت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نُشر الخميس 12 نوفمبر بأنّ شركة أمن إماراتية خاصة، ذات صلات غير سرية مع وزارة الدفاع خدعت مئات العمال السودانيين.
وقالت المنظمة إنّ العمّال السّودانيين خرجوا من وطنهم ظنًّا منهم أنهم سيعملون في حراسة منشآت عادية في الإمارات، إلّا أنّهم وجدوا أنفسهم يحرسون منشآت نفط في ليبيا وسط النّزاع.
ونشرت المنظمة قصص بعض العمّال الّذين زجّت بهم الإمارات في قلب النّزاع في ليبيا لحراسة مصالح تسيطر عليها قوّات حليفها خليفة حفتر.
“عامر” الذي كان يقف إلى جانب عشرات الرجال السودانيين الآخرين في قاعدة عسكرية في الصحراء في إحدى ليالي جانفي الباردة من هذا العام، لم يكن لديه أي فكرة عن مكان وجوده – كان يعرف فقط أنه على بعد أميال عديدة من المكان الذي كان يُخطط ليكون فيه. لم يعرف أين هو حتى لاحظ هو والعمال السودانيون الآخرون الملصقات على زجاجات المياه، كما قال، وأدركوا أنهم أُحضروا دون أن يدروا إلى ليبيا التي مزقتها الحرب.
بدأت رحلة عامر من مسقط رأسه الخرطوم إلى ليبيا قبل ذلك بأربعة أشهر، عندما سافر الشاب (29 عامًا) إلى الإمارات، متوقعًا أن يعمل كحارس أمن في ناطحات السحاب المكيّفة أو مراكز التسوّق الضخمة في العاصمة أبو ظبي. لكن منذ يوم وصوله في سبتمبر 2019، أصبح عامر قلقًا بشكل متزايد بشأن “بلاك شيلد للخدمات الأمنية” (بلاك شيلد)، شركة الخدمات الأمنية الإماراتية التي وظفته. أُخِذ جواز سفره وهاتفه منه. كان مطلوبًا منه الخضوع لتدريب عسكري لعدة أشهر. ولم يكن يعلم المكان الذي سينتقل إليه هو ومئات المجندين السودانيين الآخرين.
رغم شكوكه المزعجة، لم يتخيّل عامر أبدا أن الشركة سترسله هو وحوالي 270 عاملًا سودانيًّا آخر إلى قاعدة عسكرية في ليبيا، وهي دولة تشهد نزاعًا وحيث لا يزال الحكم منقسمًا بين كيانين متناحرين: “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دوليًّا ومقرها طرابلس، والحكومة المؤقتة المنافسة المتمركزة في شرق ليبيا والمرتبطة بالجماعة المسلحة المدعومة من الإمارات، والمعروفة باسم “القوات المسلحة العربية الليبية”.
تم نقل عامر والرجال الآخرين وإيوائهم في مجمع عسكري متداعٍ في بلدة راس لانوف شرق ليبيا. تقع المدينة فيما يسمى بـ”الهلال النفطي”، وهو شريط على طول الساحل الشرقي لخليج سرت حيث توجد 4 حقول نفط من أصل 6، والتي تُصدَّر من خلالها ليبيا أكثر من 50% من صادراتها من النفط الخام. في المجمع، عاش الرجال السودانيون جنبًا إلى جنب مع المقاتلين الليبيين الموالين للقوات المسلحة العربية الليبية تحت قيادة اللواء خليفة حفتر. قيل لهم إنهم سيحرسون المنشآت النفطية المحيطة التي تسيطر عليها هذه القوات.
عامر والرجال السودانيون الآخرون، الذين غيّرت “هيومن رايتس ووتش” أسماءهم لحماية هوياتهم، تعرضوا إلى العديد من ممارسات التوظيف الاستغلالية وانتهاكات العمالة الوافدة التي يواجهها عادة العمال الوافدون في الإمارات ومنطقة الخليج بشكل عام. لكن ما يميّز قضيتهم هو الخداع الذي تعرضوا له والذي عرضهم في النهاية لخطر أن يصبحوا أهدافًا عسكريةً محتملةً في بلد غارق في حرب أهلية مستمرة منذ سنوات، فيما يمكن أن يرقى إلى انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
وأفادت المنظمة بأنّ “تحقيقها عن محنة هؤلاء الرجال يُسلّط الضوء على مثال واحد فقط عن التورط الخبيث للإمارات في النزاعات الخارجية، والذي يتضمن تحويل كميات هائلة من الأموال والأسلحة إلى الجماعات المسلحة المحلية المسيئة في اليمن وليبيا وتوظيف مقاتلين أجانب للمساعدة في شن حروب بالوكالة في المنطقة”. في السنوات الخمسة الماضية وحدها، قامت القوات المحاربة بالوكالة بقيادة الإمارات، باحتجاز وإخفاء وتعذيب يمنيين في جنوب وشرق اليمن، بما في ذلك نشطاء يمنيون انتقدوا انتهاكات التحالف.
في أكتوبر 2019، زعم تحقيق لموقع “بزفيد” أن الإمارات وظّفت جنودًا أمريكيين سابقين لقتل رجال دين بارزين وشخصيات سياسية إسلامية في اليمن في حملة اغتيالات مُستهدفة. وفيما يبدو مشابهًا بشكل مخيف لنتائج تحقيق “هيومن رايتس ووتش”، ظهرت تقارير في 2018 عن تجنيد تشاديين في وظائف مع شركات أمن إماراتية في الإمارات ثم إرسالهم للقتال في اليمن.
حتى قبل الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 2019، ضخت الإمارات مليارات الدّولارات في السودان مقابل مشاركة هذه الدولة المتعثرة في القتال الذي يشنه التحالف بقيادة الإمارات والسعودية في اليمن. منذ 2015، يُرسل السودان قوات إلى اليمن، بما في ذلك أعضاء من “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية، المعروفة بانتهاكاتها في دارفور.
في ليبيا، تُعدّ الإمارات واحدة من ثلاث دول انتهكت بشكل روتيني وممنهج حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011، وفقًا لتقارير خبراء أممين. تزوّد الإمارات جماعة اللواء حفتر المسلحة بالسلاح والذخيرة، ولها قاعدة عمليات متقدمة في شرق ليبيا، وتسيّر طائرات بدون طيار مسلحة لدعم اللواء حفتر. منذ أبريل/نيسان 2019، نفذت أكثر من 850 غارة بالطائرات دون طيار والطّائرات الحربية نيابةً عن اللواء حفتر، مما قتل عشرات الأشخاص. بحسب تقارير.
وافادت المنظمة، بأن الإمارات لم تردّ على الادعاءات الموجهة ضدها من قبل الرجال السودانيين حتى أكتوبر2020. في بيان نسبته التقارير الإخبارية إلى بلاك شيلد، والذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي أواخر جانفي 2020، نفت الشركة جميع مزاعم خداع عمالها فيما يتعلق بطبيعة أو موقع العمل، وأكدت أنها لا تشارك في أي خدمات أو أعمال ذات طابع عسكري.