تونس

هل فشلت تونس في القضاء على العنصرية الجهوية؟


العبارات العنصريّة التي توجّت بها إحدى المتدخلات في برنامج إذاعي بُثّ الثلاثاء 7 ديسمبر/ كانون الأول، وقسّمت من خلالها التونسيين بين “بَلْدِيّة” (من سكّان العاصمة)، ومواطنين من “درجة ثانية” ينتمون إلى مناطق داخليّة، تؤكد أنّ تونس تعيش انتكاسة ثقافة المواطنة وفشلا ذريعا في بناء مجتمع يقوم على المساواة في الحقوق، وفق أستاذ عِلْم الاجتماع مهدي مبروك.

وصم جهوي

وللأسف مازالت بنيتنا الثقافية والذهنية تحمل الكثير من الوصم الجهوي كالقول إننا لا نصاهر  “جلاص” (قبيلة جلاص) وهذا فيه نوع من العنصرية، وكان يفترض أن نكوّن باختلافاتنا وحدة الوطنية وشعبا واحدا في بلد واحد، يفتخر فيه الأفراد بالانتماء إلى جهاتهم، وفق أستاذ علم الاجتماع.

وبيّن مبروك، أنّ الأفكار أو الازدراء المتبادل بين الجهات لا يقوم على قاعدة ترابية وإنما على أساس تمثل ذهني فيه الكثير من الوصم الاجتماعي والثقافي على أساس قيم الحضارة والبداوة مثل العجرفة والخشونة، مشيرا إلى أنّ بعض الأشخاص لا يقبلون بمصاهرة أصيلي جهات معيّنة إلاّ أنّهم لا يُمانعون في أن يكون مُدرّسهم أو طبيبهم من الجهة ذاتها.

واعتبر أنّه حينما يتعلق الأمر بالزواج يتمّ استحضار الوصم الاجتماعي الذي يتضمن الكثير من الدُّونية والاحتقار لانتماءات جهوية وقبلية، وهذا دليل على أنّ تونس تعيش انتكاسة ثقافة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون على قاعدة احترام القانون والحقوق والجدارة، وهذا يبين أيضا الإخفاق في بناء مجتمع يقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق، وفق تعبيره.

أصل الظاهرة

واستحضر أستاذ عِلم الاجتماع مهدي مبروك، السياق التاريخي لظاهرة الجهويات في تونس، في أبعاده الاجتماعية والسياسية والعلمية، مبيّنا أن الانتماء إلى الجهة ليس عيبا في حد ذاته وأن كل الشرائح الاجتماعية والأفراد لهم ما يسمى بحلقات الانتماء العائلي والمهني والطبقي والإداري والجهوي، مؤكدا أنّ “وصم الانتماءات الجهوية وإحداث التراتبية الاجتماعية والمادية والرمزية هو الخطأ”.

وأضاف أنّه في تونس منذ تاريخ دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد كانت القبائل مثل ورغِمّة أو المثاليث أو السواسي.. تُمثّل إحدى أُطر  الهوية الفردية والجماعية ومميزاتها وكانت الجماعات تنتظم وفق الانتماء القَبلي قبل الجهوي.

واعتبر، أنّه بفضل الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في فترة ما بعد الاستقلال (1956) تمّ منع  الانتساب إلى القبيلة في الألقاب وإلغائه نهائيا على غرار الفراشيش والجلاص.. وتواصل المنع لمدة سنوات، بهدف القضاء على الانتماءات القبلية وصهر المجتمع التونسي في انتماء وطني أو إداري بعد تقسيم القبيلة إلى مناطق إدارية وهو نوع من الهندسة الاجتماعية التي فتّت الانتماء القبلي، وفق تعبيره.

ولفت إلى أنّه، اليوم وبعد أكثر من 60 سنة أصبح انتماء الأفراد والجماعات انتماءً إداريا وليس قَبَليّاً، فمثلا قبيلة المثاليث تتوزع على ثلاث ولايات (محافظات) صفاقس والمهدية وسوسة، وبالتالي تفتتت القبيلة كوحدة اجتماعية ولم يبق منها سوى نوع من الحنين إلى تلك الوحدات القبلية الكبرى.