تونس

هل تقف تونس على حافة شتاء الغضب الشعبي مجددا؟

تقف تونس مجددا على فوهة بركان غضب واحتقان اجتماعي بدأ ينفث حممه اللاهبة، مفعمة باحتجاجات المعطلين عن العمل وخريجي الجامعات في سيدي بوزيد وسبيطلة وجهات أخرى، ردا على إلغاء قانون تشغيل العاطلين الذين طالت بطالتهم، وصرخات شباب تطاوين المطالبين بتفعيل اتفاقات “الكامور” لتشغيل المئات منهم.

معتقلو 25 جويلية

شتاء ساخن على وقع مطلبية اجتماعية أكثر احتداما، تداخلت مع أزمة اقتصادية بلغت ذروتها، ومع مخلفات الجائحة وقرارات سياسية من رئيس الجمهورية قيس سعيد تتناقض مع تعهداته ووعوده بالتشغيل ومعالجة البطالة، ما قد يضعه في مواجهة مفتوحة مع الشارع لن تكون لصالحه ولا لصالح الشعب  حسب المحللين والمتابعين.

فكيف يقرأ المتابعون ملامح شتاء الغضب الاجتماعي الذي تتكاثف سحبه في تونس وتأثيراته وتداعياته المتوقعة؟  

تاريخ الاحتجاجات الشعبية في تونس يؤكد قدرة البلاد على إحداث التغيير السياسي حسب الكاتبة الصحفية والمحللة السياسية منية العرفاوي، التي تشير إلى التصاق هذه التحركات بمشاغل الشارع  وهموم المواطن اليومية وواقعه المعيشي.

الاحتجاجات والتغيير السياسي

وأضافت منية العرفاوي في تصريحها لبوابة تونس أن “هذه التحركات لصيقة برغيف الخبز وحق الشغل والكرامة الإنسانية، وكذلك بالشعارات الأساسية ذات النزعة الاجتماعية التي رفعت خلال الثورة في تونس، وللأسف وبعد عشر سنوات زادت الأزمة السياسية الراهنة والانهيار الاقتصادي من تردي الوضعية الاجتماعية لمختلف الفئات، والتي تنضاف اليوم إلى تحركات المعطلين عن العمل وملف الكامور”.

في قراءتها لمسار الاحتجاجات التي اندلعت في الأيام الماضية، ترجح منية العرفاوي توسع رقعة التحركات لتشمل فئات أبعد من المعطلين عن العمل، وحاملي الشهادات العليا المطالبين بحقهم في الانتداب والمطالبين بتنفيذ اتفاق الكامور في تطاوين، نحو احتجاجات اجتماعية عارمة.

غضب عارم منتظر

وتوقعت العرفاوي في السياق ذاته أن يعطي تحرك الشباب الغاضب على إلغاء القانون 38 الخاص بتشغيل الخريجين ممن طالت بطالتهم، ومحتجي الكامور زخما لتوسع الاحتجاجات، مشيرة إلى أن الغضب الشعبي ينقل العدوى إلى بقية القطاعات والفئات المسحوقة المطالبة بحقوقها.

“شهدنا طوال السنوات الماضية شتاء ساخنا على وقع الاحتجاجات الاجتماعية، وهذه المرة سيكون الشتاء أشد سخونة على مختلف الأصعدة في ظل ضيق الآفاق السياسية وعجز الدولة عن إيجاد الحلول الخاصة بأزمة التشغيل، وعدم قدرتها على مجاراة سياق ما بعد 25جويلية/يوليو الماضي”، تضيف محدثتنا.

ولفتت الكاتبة الصحفية التونسية إلى أن التحركات الحالية ستسهم في تحريك مطالب اجتماعية أخرى، مرتبطة بالوضع المعيشي والغلاء والمقدرة الشرائية للمواطنين ما يؤدي إلى ازدياد حجم التظاهرات.

وفي ظل ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل في تونس إلى ما يزيد عن مليون شخص من فئة الشباب، وتصاعد مشاكل الانحراف واستشراء العنف في مختلف المجالات سواء داخل المؤسسات التربوية أو في المجتمع، فإن كل هذه الشحنات من الغليان والاحتقان مرجحة للتحول إلى انفجار غير مسبوق في الأسابيع القادمة.

وعبرت منية العرفاوي عن مخاوفها من اقتراف السلطة الأخطاء ذاتها، من خلال اللجوء إلى القمع الأمني لمجابهة الاحتجاجات،  الأمر الذي سيزيد من تفاقم الأوضاع وربما خروجها عن السيطرة، بعد أن أثبت الحل الأمني فشله في التحركات الماضية.

وأضافت محدثتنا “عندما يقابل الحاكم الشعب بالعصا الأمنية والعنف ردا على احتجاجاته المطالبة بالخبز والعدالة الاجتماعية والكرامة والتشغيل، ستكون العواقب حتما وخيمة جدا على المستوى الشعبي والسياسي”.

إدانة سياسية

شتاء الغضب ستكون انعكاساته السياسية وخيمة ومفتوحة على كل الاحتمالات بالنسبة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد حسب العرفاوي، باعتباره المسؤول الأول والممسك بسلطة القرار، وبالتالي فإن الاحتجاجات ستكون بمثابة إدانة شعبية وحكم على إخفاقه بعد عجزه عن التعامل مع هذه الأزمات المتراكمة.

واعتبرت العرفاوي أن قيس سعيد بصلاحياته المطلقة يدرك مبدأ استمرارية الدولة وبالتالي فهو سيتحمل أمام الرأي العام مسؤولية السياسات الماضية من الحكومات السابقة، إلى جانب الإجراءات التي يتخذها حاليا، ما سيزيد من تآكل مشروعيته السياسية والشعبية.

 موجة جديدة متوقعة

ويرى الباحث الأكاديمي والناشط السياسي رضا كارم في حديث لبوابة تونس، أن التقديرات المتعلقة بالاحتجاجات الشعبية وإمكانية اتساعها مرتبطة بعوامل معينة، أبرزها تواصلها وعدم اقتصارها على تجمعات محدودة في المكان والعدد، فلا يمكن في تلك الحالة امتصاص غضب الشباب الثائر.

وأضاف رضا كارم “في العلوم الاجتماعية لا يمكن التنبؤ بقدرة الحركات الاجتماعية والاحتجاجية على الذهاب إلى مدى بعيد من عدمه، لكن المؤكد أن التحركات الحالية ستكون مؤثرة وستستمر، وذلك بالنظر إلى تكرار السياسات السابقة  نفسها من جانب السلطة وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تحقيق النتيجة ذاتها”.

ولفت محدثنا إلى أن تحركات المعطلين عن العمل والغاضبين من إلغاء القانون 38 الخاص بتشغيلهم وشباب الكامور بتطاوين، ستدفع مطالب اجتماعية ثانوية إلى السطح نتيجة الانغلاق الحاصل حاليا وفقدان أي بصيص من الأمل، وعدم امتلاك السلطة ممثلة بقيس سعيد للحلول”.

وبشأن قدرة تحركات المعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات على الاستمرار وتعبئة تحركاتهم في مختلف الجهات وتوسعها، اعتبر كارم أن هذا المعطى مرتبط بالتنظيم الداخلي للحراك الاحتجاجي حتى لا يغدو مجرد تجمعات عشوائية تفتقد إلى التنسيق وسرعان ما تنفض.

وحذر محدثنا في السياق ذاته من مخاطر التوظيف السياسي لهذه الاحتجاجات الاجتماعية، مشيرا إلى بعض الأحزاب أو القوى التي تحاول استغلالها ضمن أجندتها ما قد يفقدها مشروعيتها الشعبية وعمقها الجماهيري المتأتي من المطالب المتعلقة بالتشغيل والبطالة والفقر، لتتحول إلى وسيلة ضغط وأداة للمزايدة السياسية.