إيمان الجابري
أغلب الحروب والأزمات السياسية كان لها صدى واسع في السينما العالمية، وأُنتجت حولها أفلام وأعمال فنيّة مختلفة تضعها موضع الطرح والنقد والتساؤل، وربما تتوجّ بموقف واضح يُروّج له عبر الفيلم.
أهم الأخبار الآن:
توجّهت السينما منذ نشأتها عام 1895 بطرح مختلف المواضيع الاجتماعية والاقتصادية، بل وخاضت حتى في “التابوهات” الثلاثة: الدّين والسياسة والجنس.
ولم تقتصر وظيفة الأفلام على الجانب الترفيهي والثقافي فحسب، فقد برزت تمثّلات الحروب في السينما سواء من جنس الأفلام الحربية، الخيال العلمي، المغامرات، التاريخية، أو حتى الموسيقية. وكما برزت النزاعات السياسية والحروب العسكرية في طروحات الكتب والفنون، برزت وبقوّة على الشاشة الفضية.
أغلب الحروب والصراعات تمّ تناولها، دراميا، من قبل جهات إنتاجية مختلفة، ما يطرح أسئلة عن التناول السينمائي العالمي للحروب، وهل ستنتج عن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ فيفري/فبراير 2022 أعمالا ضخمة؟
تمثّل الحرب الدائرة بين شعوب وأمم وجيوش وقوى سياسية، صراعا دمويا دراميا باختلاف الأمكنة والأزمنة. أما السينما فهي تجسيد لهذه الصراعات والصدامات الإنسانية، وتمثيل للاشتباكات والتفاعلات والمشاعر، عدا كونها تجسيدا لقضايا إنسانية واجتماعية وثقافية مختلفة.
لو لم تكن الحرب موجودة على أرض الواقع لكانت السينما قد ابتكرتها وضمّنتها في أعمالها، فالاثنان يتقاطعان ويصنعان الفرجة والدهشة ويكتبان التاريخ.
السينما والحرب العالمية الأولى
تمخّضت عن الحرب العالمية الأولى أفلام مناوئة للحرب ومناهضة لها، توثّق أحداثها وقصصها الإنسانية بما في ذلك قصص الجنود الّذين شاركوا فيها.
ومن بين أبرز الأفلام المناهضة للحرب العالمية الأولى، فيلم “الوهم الكبير” (1937)، الذي تدور أحداثه في معسكر اعتقال نازي أين يلتقي ثريّ يهودي مع طيّار فرنسي أرستقراطي وملازم من الطبقة الكادحة، فيحاولون الهرب من المعسكر رغم اختلافهم من ناحية العرق والطبقة الاجتماعية والانتماء السياسي، ليشكّلوا صورة مصغّرة عن التنوّع الأيديولوجي والاجتماعي في تلك الفترة.
أما الفيلم الكلاسيكي الإنساني “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” الذي صدر عام 1930، واستند على رواية الألماني إريك ماريا ريمارك، فقد نجح في تصوير فظائع الحرب ومشاعر المعاناة والرعب لمقاتلي الصفوف الأمامية، وهو الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج وأفضل صورة.
إنتاجات سينمائية أخرى سلّطت الضوء على الحرب العالمية الأولى وكانت مناهضة لها، على غرار “دروب المجد” الذي يتوغّل في خنادق الموت الضيّقة خلال الحرب، وهو من إخراج العالمي ستانلي كوبريك.
زيادة على الفيلم الحربي الدرامي “المريض الإنجليزي” للمخرج أنطوني مانغيلا، وهو أحد أبرز كلاسيكيات السينما العالمية، وفيه تناول مخرجه الخيانة الوطنية والزوجية بشكل درامي ملحمي، مُبرزا ندوب الحرب التي لا تندمل.
السينما والحرب العالمية الثانية
طرحت السينما الأمريكية الحرب من خلال سرديات تمجيد الجنود والاحتفاء بالنصر أداةً دعائيةً عاليةً أو سردية الشرح والتبرير. ومن بين أفلام الحرب العالمية الثانية التي غطّت تلك الفترة من عدة زوايا، فيلم “جيش الجريمة” (2009) و”الساعة الأسوأ” (2017)، وقبلهما بسنوات الفيلم الدرامي التاريخي “أوروبا، أوروبا” الصادر عام 1990، وغيرها العديد.
سينما حرب روسيا وأوكرانيا
تتبادر في أذهان العديد من محبّي الفن السابع تساؤلات حول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي اندلعت في فيفري/فبراير 2022، عن جذورها وأسبابها. وقد طرحت السينما منذ بدء شرارة الأحداث المتوتّرة بين البلدين عام 2015، أعمالا ترصد تفاصيل الأحداث.
يأتي فيلم “شتاء مشتعل: كفاح أوكرانيا من أجل الحرية” للمخرج إيفجيني أفينيفسكي، على رأس القائمة، والذي ساهمت في إنتاجه نتفليكس. والعمل يصوّر تفاصيل المظاهرات التي اندلعت في أوكرانيا سنتي 2013 و2014، على خلفية الانقسام بشأن قرار توقيع معاهدة التجارة الحرة مع الاتّحاد الأوروبي، تمهيدا للانضمام الرسمي إلى أوروبا، والتي أُلغيت بعد معارضة روسيا لها.
علاوة على أفلام: “دونباس” و”النمر الأبيض 2″ و”المواطن ك” و”ستالينغراد”. وغيرها من الأعمال اروسية كانت أو أوكرانية أو هوليودية، قدّمت بعيون سينمائية أفكارها وطروحاتها عن التشنّج الحاصل بين البلدين. في حين تتّجه كل العيون إلى الصناعة السينمائية المستقبلية والتناول الدرامي للحرب الدائرة الحالية بين روسيا وأوكرانيا.
أخذ كتّاب الأفلام ومخرجوها ومنتجوها (التي تتناول الحروب أحيانا)، مسافة زمنية لتقديم رؤاهم عبر النقد والتدقيق، وصولا إلى إدانة الحرب، خاصّة مع أفلام حرب فيتنام في الستينات.
سواء كانت السينما الوثائقية التي عادة ما تعتمد على توثيق الأحداث عبر الصور والفيديوهات في ساحة الحرب، أو السينما الروائية التي تضيف إلى القصص والأحداث الواقعية الخيال القصصي الدرامي، فإن ثيمة الحرب شكّلت وما تزال مصدرَ إلهام غنيّ للسينما، فهي تطرح فترات زمنية هامة ومميّزة من تاريخ البشرية عبر تناولها أحداثا وشخصيات وقصصا وبطولات تخدم، في بعض الأحيان، التوجّهات الأيديولوجية والسياسية لصُنّاعها، وتسجّل أحداثا واقعية تساهم عبرها في كتابة التاريخ أحيانا أخرى. فمن سيكتب التاريخ سينمائيا إثر نهاية الحرب، روسيا أم أوكرانيا؟ قطعا ستسبقهما هوليوود بوجهة نظر أمريكية خالصة.
أضف تعليقا