تونس

هل تحولت أحكام القضاء إلى وسيلة لإسكات معارضي قيس سعيد؟

حالة من الصدمة أصابت الأوساط التونسية السياسية والحقوقية والإعلامية، عقب الإعلان عن حكم قضائي بسجن الناشطة السياسية والحقوقية بشرى بلحاج حميدة 6 أشهر غيابيا، على خلفية دعوى قضائية مرفوعة ضدها منذ سنة 2012.

هكذا وبلا مقدمات تم تفعيل الشكوى التي تقدم بها اللاعب الدولي السابق طارق ذياب بحق بلحاج حميدة، بعد أن ظلت مسنية في الأدراج أكثر من 9 سنوات، قبل أن يقع تذكرها فجأة والنظر فيها وإصدار حكم بشأنها على عجل.

لا يبدو توقيت صدور الحكم بريئا بنظر المتابعين والمراقبين وحتى الناشطين السياسيين والحقوقيين، الذين اعتبروه استمرارا لتوظيف المرفق القضائي من جانب السلطة للتنكيل بالخصوم السياسيين، خاصة أولئك الذين باتت تصريحاتهم ومواقفهم تشكل إحراجا وضغطا على رئيس الجمهورية قيس سعيد.

ويربط عديد المدونين والشخصيات السياسية، بين الانتقادات اللاذعة التي وجهتها بشرى بالحاج حميدة ضد الحكم الصادر بحق الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي والذي وصفته بالفضيحة، وبين تحريك الدعوى المرفوعة ضدها بهذه السرعة، بعد أن نسيها القائم بالشكوى.

فضيحة قضائية  

في حديث لبوابة تونس، اعتبرت الكاتبة الصحفية والمحللة السياسية منية العرفاوي، أن تعاطي القضاء مع المسألة يطرح تساؤلات عديدة تتعلق بتوقيت فتح قضية في الثلب مضى عليها قرابة 10 سنوات، حتى أن صاحب الشكوى نسيها، إلى جانب إصدار حكم غيابي وهو ما يتناقض مع مكانة بشرى التي تعتبر وجها سياسيا معروفا وشخصية عامة.

ووصفت العرفاوي تفاصيل إصدار الحكم غيابيا بالفضيحة التي تمس الجهاز القضائي، مشيرة في الآن ذاته إلى توقيت صدوره مباشرة بعد صدور الحكم بحق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بالسجن 4 سنوات، والذي قوبل بهبة حقوقية كبيرة في تونس بلغت حد وصفه بوصمة العار على جبين القضاء التونسي.

وأضافت منية العرفاوي “يفترض أن المرسوم 115 هو المرجع القانوني بالنسبة إلى القضاء للنظر في قضايا حرية التعبير، لكن المرزوقي تعرض لمحاكمة جزائية لمجرد تعبيره عن رأي معين من مسار 25 جويلية/يوليو الماضي، وصدر بحقه حكم صارم كما أصبح موصوما بالخيانة العظمى”.

أصوات تحرج قيس سعيد

وذكرت محدثتنا أن الحكم ضد المحامية والمناضلة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة، جاء عقب إدلائها بتصريحات ومواقف مناصرة للمرزوقي، وهو ما يفتح باب التخمينات والشكوك حسب قولها، عن المصادفة التي تسببت في صدور كل هذه الأحكام بشكل متزامن وضد وجوه حقوقية معينة انطلاقا من مواقفهم المعارضة لقيس سعيد.

“أن نعود 9 سنوات للوراء ونأخذ ملفا من أدراج القضاء ونحكم فيه بهذه السرعة، دون أن نعلم حتى المشتكى بها بموعد الجلسة القضائية ومضمونها بما يمكنها من الحضور والدفاع عن نفسها، فهذا أمر يثير الشكوك والمخاوف والهواجس بشأن كيفية تعامل القضاء مع الملفات”، تقول منية العرفاوي تعليقا على أداء المنظومة القضائية التي تمر حسب قولها بمرحلة دقيقة، في ظل الضغوط التي يمارسها رئيس الجمهورية عليها في خطاباته والتي تنضاف إلى الصعوبات التي يواجهها القائمون على هذا المرفق في إيجاد الوصفة والمقاربة الناجعة حتى يستعيد دوره الوطني الريادي في مكافحة الفساد السياسي والمالي.

كما ذكرت الكاتبة الصحفية التونسية في هذا السياق، أن أصواتا بمكانة المرزوقي وبشرى بالحاج حميدة الرمزية والاعتبارية داخليا وخارجيا، تشكل إحراجا سياسيا للرئيس قيس سعيد بالنظر إلى انتقاداتهما الشديدة له وتجربتهما الحقوقية المعروفة على مستوى العالم، وهو ما يضاعف الاعتقاد بوجود خلفية سياسية للأحكام الصادرة ضدهما.

وأكدت منية الورتاني على أنه “يجب على السلطة التنفيذية أن تبرز بوضوح حدود تدخلها في القضاء وأن يتوقف الرئيس قيس سعيد عن ممارسة ضغوط على هذا المرفق”  

وتضيف محدثتنا “نتابع منذ البارحة التعليقات وردود الفعل بشأن بشرى بالحاج حميدة، فقد بادرت عديد المنظمات والشخصيات الدولية بالتنديد بالحكم والتعبير عن مخاوفها على مسار الديمقراطية في تونس، ما يؤكد حجم الاحترام الذي تقابل به بلحاج حميدة على الساحة الخارجية بفضل رصيدها الكبير في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان”.

وأوضحت منية العرفاوي أن قرار اللاعب الدولي السابق طارق ذياب بسحب الدعوى كان له وقعه الإيجابي، وكان بمثابة رسالة سياسية إلى السلطة، مبينة أن سحب الشكاية من شأنه أن يسحب البساط عن محاولات ترهيب الخصوم السياسيين.