تساءل تقرير لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانيّة: “هل يمكن لوعود بإصلاح الوضع الاقتصادي في مصر أن تكون ورقة ضغط في يد الدبلوماسيّين الأجانب لإثناء الرئيس المصري عن قراره غلق معبر رفح في وجه الفارّين من القصف الإسرائيلي على قطاع غزّة؟”.
وأشار التقرير إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة تحاول إخراج مواطنيها من المعبر وأنّ الكثيرين في المنطقة يأملون أن يغيّر عبد الفتّاح السيسي رأيه، لتجنب وقوع كارثة إنسانية، ويسمح للاجئين بالفرار من غزة، مضيفا أنّ وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن سيصل اليوم 15 أكتوبر، إلى القاهرة في إضافة اللحظة الأخيرة لجولة وزير الخارجية الأمريكي في الشرق الأوسط.
يصف التقرير معبر رفح بـ”لوح الخرسانة المغبر والمخدوش” وبأنّه الأمل الأخير لدى العديد من سكان غزة للهروب من “كابوس” هجوم الاحتلال البرّي المنتظر، مضيفا أنّه رغم انقطاع الكهرباء وواردات الغذاء والمياه، واستمرار القصف الذي خلّف أكثر من 2000 شهيد ونزوح ما يقرب من نصف السكان فإنّ بوابة رفح، التي تخترق الجدار الذي يبلغ طوله 11 كلم والذي يفصل جنوب غزة عن مصر، وتشكّل الطريق غير الإسرائيلي الوحيد للخروج من القطاع، ظلّت مغلقة منذ السابع من أكتوبر يوم إطلاق المقاومة عمليّة “طوفان الأقصى”.
التساؤل الذي طرحه التقرير تبرّره وضعيّة مشابهة، فقد أشارت المجلّة إلى أن مصر سبق لها أن عقدت مثل هذه الصفقة.
يذكر التقرير أنه في 1991، بعد ثلاثة أشهر من حرب الخليج، سمحت أمريكا ودول غربية أخرى لمصر بالإفلات من مأزق اقتراض 10 مليار دولار، وهو ما كان يمثل ربع ديونها الخارجية في ذلك الوقت. وكان هذا أيضًا مكافأة لخدمة جيوسياسية، وفق تعبيره.
ويضيف: “بينما كانت الدول العربية الأخرى تحشد قوّاتها وتراقب من المملكة العربية السعودية، كان حسني مبارك، رئيس مصر آنذاك، واحدا من أوائل الزعماء الذين أرسلوا قوّاتهم المسلحة للانضمام إلى حرب أمريكا ضد العراق”.
ويستعرض التقرير الوضعيّة الاقتصاديّة لمصر، مشيرا إلى بلوغ معدّل التضخّم السنوي 38%، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق؛ وإلى تراجع الجنيه المصري، حيث يطبع البنك المركزي النقود لتغطية فواتير الحكومة المفرطة من دعم الخبز ودعم الشركات المملوكة للدولة.
ورفض صندوق النقد الدولي، الذي وافق على خطة إنقاذ بقيمة 3 مليار دولار في ديسمبر الماضي، تسليم القسطين الأخيرين، لأنه يفتقر إلى الثقة في سداد قروضه. فمن ضخ الأموال النقدية لتغطية عجز ميزانية القاهرة إلى التوصّل إلى اتفاق بشأن الواردات، لا يوجد نقص في الحوافز التي يمكن أن تقدمها الدول الأخرى.
وتعتبر المجلّة أن نجاح الدبلوماسيين مرتبط بمواجهة 3 تحدّيات ويتعيّن عليهم التغلّب عليها.
أول التحديّات، وفق التقرير، هو أن عبد الفتاح السيسي ربما لم يشعر باليأس بعد. فقد يكون الاقتصاد المصري يعاني، لكن الحكومة ليست في خطر مباشر من التخلّف عن السداد، كما كان الحال في 1991. فليس أمامها سوى القليل من المدفوعات الكبيرة التي يتعين عليها سدادها حتى عام 2024، كما أن احتياطياتها الأجنبية البالغة 30 مليار دولار تكفي لتغطية أربعة أشهر من الواردات.
ومن التعقيدات الأخرى، التي يتعرّض لها التقرير، أن مصر لا تدين لأمريكا حاليا بلا شيء تقريبا. ويأتي أغلب اقتراض البلاد من البنوك الخاصة والسندات بالعملة المحليّة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة غير قادرة على تقليص ديونها.
ويأمل بعض الدبلوماسيين أن يقوم بلينكن بدلا من ذلك بتسريع الحصول على الأموال من صندوق النقد الدولي، أو حتى اقتطاع بعض من الـ16 مليار دولار التي تدين بها القاهرة للبنك متعدّد الأطراف. ومع ذلك، لا يقدّم الصندوق سوى صدقات متواضعة، مما يحدّ من جاذبية مثل هذا النهج. وهذا يترك لأمريكا خيارا واحدا: ضخّ أموال جديدة في مصر، الأمر الذي سيواجه معارضة في واشنطن.
ويتعلّق التحدّي الثاني بالدول التي تدين لها مصر بالمال. ويأتي أكثر من نصف الاقتراض الخارجي للبلاد، وجميع احتياطياتها الأجنبية تقريبا، من الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية. وقد قدّمت كل منها مليارات الدولارات من الودائع إلى البنك المركزي المصري.
وتشمل الحزم الأخيرة 5 مليار دولار من المملكة العربية السعودية و3 م د من قطر في نوفمبر من العام الماضي. ومن الممكن سحب هذا النوع من الإقراض خلال مهلة قصيرة، وسيكون مثل هذا السحب كبيرا بما يكفي لاستنزاف الدولارات في مصر. ونتيجة لذلك، فإنّ الخليج، على عكس أمريكا، لديه نفوذ على القاهرة. وبالتالي فإنّ أيّ صفقات ستحتاج إلى مشاركة دول المنطقة.
وأخيرا، تحتاج مصر إلى تطمينات بأنّها لن تترك لتتعامل مع لاجئي غزة بمفردها. والقلق بشأن السماح لمئات الآلاف بعبور الحدود، والذين سيحتاجون إلى التعليم والرعاية الصحيّة والإسكان، هو أنّهم سيبقون. هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن متى ستسمح سلطة الاحتلال لسكان غزة بالعودة وما الذي سيتبقى عندما يعودون.
وفي دولتي الأردن ولبنان، اللتين استقبلتا مئات الآلاف من فلسطين في الأربعينات ومن سوريا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح اللاجئون قضية سياسية مؤلمة. وسيحتاج بلينكن ودول الخليج إلى إقناع المسؤولين المصريين بأنّ الدول الأخرى ستكون على استعداد لدفع تكاليف، وربما حتى إيواء، بعض أولئك الذين يشقون طريقهم من خلال معبر رفح، وإلا فإنّ الاقتصاد المصري سيكافح من أجل التأقلم، وهو أمر يدركه السيسي جيّدا، وفق التقرير.