اقتصاد

هل تتجه تونس نحو الإفلاس على شاكلة لبنان؟ خبراء يجيبون

لم يكن التصنيف الذي أصدرته وكالة “موديز”، بتخفيض ترتيب تونس إلى  مستوى “Caa1” مفاجئا بحسب أغلب المختصين في الشأن الاقتصادي. 

ففي ظل تراكم مستويات العجز في الموازنة وتجاوز الديون الخارجية حجم الإنتاج الوطني الخام، والتي انضافت إلى الصورة الضبابية المتعلقة بالوضع السياسي والاستقرار في البلاد منذ 25 جويلية/يوليو الماضي، بما تشكله من تأثير على الدورة الاقتصادية والاستثمارات، كان طبيعيا أن تتفافم المؤشرات بالأحمر مع توقعات سلبية ترفع من مستويات المخاطر التي يواجهها الوضع الاقتصادي. 

تقديرات وكالة “موديز” جاءت مصحوبة بالمخاوف من عدم قدرة تونس على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية وسداد ديونها، هذا ما حرك مخاوف في أوساط الٍرأي العام والشارع الداخلي، وأعادت تداول فرضيات بشأن اتجاه البلاد نحو السيناريو اللبناني بما يعنيه من أزمات اجتماعية وشح السيولة من المصارف وعجز الدولة عن سداد الأجور وانهيار قيمة العملة المحلية وغيرها من التداعيات الممكنة.

فهل باتت تونس تواجه فعليا شبح الإفلاس على خطى لبنان؟ كيف يقيم المتابعون الانعكاسات السياسية لتصريحات قيس سعيد تجاه التصنيفات التي تصدرها الوكالات المختصة على صعيد العلاقة مع الجهات الدولية المانحة؟ 

سيناريو مستبعد 

في تحليله للمعطيات التي تضمنها تقرير وكالة “موديز”، استبعد الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي أيمن الحرباوي فرضية تكرر السيناريو اللبناني في تونس والذي ما يزال “فرضية مستبعدة في الوقت الحاضر” حسب قوله. 

وبين الحرباوي في حديث لبوابة تونس أن الأزمة المالية التي شهدها لبنان بلغت حد الإفلاس، كانت نتيجة أزمة هيكلية في القطاع البنكي الذي يعتبر المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي في ظل غياب استثمارات في قطاعات بديلة منتجة للثروة مثل الصناعة أو الفلاحة، ما أدى إلى تركز الدورة الاقتصادية والسيولة المالية ورؤوس الأموال لدى المصارف. 

تعقيدات وصعوبات 

ورغم استبعاده لفرضية تكرار الإفلاس الذي شهده لبنان وما خلفه من أزمات اجتماعية ومعيشية وطوابير أمام البنوك وتضخم مالي غير مسبوق، إلا أن الحرباوي حذر من صعوبات عديدة ستواجه الاقتصاد الوطني على خلفية هذا التصنيف.

وفي تقديره لحجم المخاطر والانعكاسات السلبية للتصنيف الأخير، أشار الصحفي الاقتصادي إلى صعوبات كبرى متوقعة ستشمل مجالات عديدة.

فإلى جانب استحالة الخروج إلى السوق المالية العالمية للحصول على قروض جديدة في ظل ارتفاع المخاطر ونسب الفائدة المرتفعة جدا التي يفرضها المقرضون الدوليون في هذه الحالات، لن تتمكن الحكومة من استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي على ضوء التصنيف الجديد والتوقعات السلبية المرتبطة به، ما يقلل من الحلول المتاحة أمام الدولة لإيجاد مصادر لتمويل الميزانية. 

كما حذر أيمن الحرباوي من انكماش الاستثمارات وتضرر المؤسسات والمشاريع الاقتصادية، نتيجة الشروط المجحفة التي ستفرضها الشركات الأجنبية والموردون الدوليون، متوقعا أن ترفض الجهات الأجنبية اعتماد الضمانات البنكية المتعارف عليها في مثل هذه المعاملات، وتطالب بالدفع النقدي المسبق بسبب انخفاض مستوى الثقة في البنوك التونسية.

وأضاف محدثنا “رغم أن الوضع اللبناني يبدو بعيدا عن الصعوبات التي نواجهها، إلا إن سيناريو الطوابير أمام البنوك ومشكلة شح السيولة تظل مطروحة على المدى المتوسط خاصة إذا ما فكرت الدولة في اللجوء إلى الاقتراض الداخلي من المؤسسات البنكية مجددا، ما يهدد توازنات البنوك المالية ومعاملاتها النقدية”. 

بين المخاوف والعجز الكامل 

ويتفق الباحث في الهندسة المالية والعلوم الاقتصادية ياسين بن إسماعيل مع الرؤية المتعلقة باستبعاد سيناريو الأزمة الاقتصادية اللبنانية، والذي يبدو بحسب تقديراته بعيدا عن الوضعية الحالية في تونس مؤكدا أنه “لا علاقة ولا وجه للمقارنة بين وضعنا والحالة اللبنانية”.

وأوضح بن إسماعيل أن تقرير وكالة “موديز” ركز تصنيفه الجديد السلبي لتونس على مخاوف متزايدة بشأن عدم سداد الديون نتيجة تصاعد حجم الدين الخارجي الذي أصبح يساوي نسبة الناتج القومي الخام، وهذه المخاوف في العلوم الاقتصادية لا تعد إقرارا نهائيا بالعجز عن دفع الديون الخارجية أو الإفلاس، بالنظر إلى وجود قطاعات داخلية منتجة في البلاد تعتبر مصدرا لتوفير النقد وتمثل ركيزة لإعادة الإنعاش في المرحلة القادمة. 

وانتقد الخبير الاقتصادي التونسي تقرير الوكالة الأمريكية بناء على وصفه بـ”الخلط في بياناتها بين احتياطات العملة الوطنية ورصيد النقد الأجنبي “، مضيفا “ليس لدينا إشكاليات في تونس في خلق مصادر السيولة المحلية بالنظر إلى الاقتصاد الموازي الذي تقدر حجم الأموال المتداولة به بمئات ملايين الدينارات ويمكن في هذه الظروف أن يقع إدخالها إلى الدورة الاقتصادية لتوفير السيولة البنكية عبر إقرار خطة لتغيير الأوراق النقدية”. 

ولفت بن إسماعيل إلى أن التقديرات المرتبطة بحجم الناتج الداخلي الخام ومقارنتها بالدين الخارجي مرتبطة بسعر صرف الدينار مقارنة بالدولار واليورو وهو ما لم يأخذه تقرير “موديز” بعين الاعتبار. واعتبر  أنه في صورة تحسن سعر الصرف وفق الوضع السياسي وبعض القطاعات الحيوية مثل الصادرات الفلاحية والسياحة، ستتطور نسبة الناتج القومي الخام مقارنة بالدين الخارجي وهذا ينعكس على المعطيات الخاصة بالتصنيف.