بقلم : مها الجويني
“نحن لا نريد الموت في تونس ” شعار يرفعه العديد من المهاجرين والمهاجرات القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، يؤوله بعض التونسيين بأن هذه الفئة تبحث عن ترحيل سريع إلى أوروبا كون تونس هي نقطة عبور نحو الضفة المتوسط الشمالية. لكن في حقيقة الأمر، هذا مطلب يرفعه كل المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء على اختلاف مكانتهم الاجتماعية و القانونية لأن العنف المسلط عليهم من قبل بعض التونسيين لا يقتصر فقط على المفقرين و طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين منهم بل يشمل حتى قيادات الطلبة و الباحثين.
أقرت تونس في 23 أكتوبر 2018 قانوناً يهدف إلى القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ومظاهره بما أيحفظ كرامة الذات البشرية ويحقق المساواة بين الأفراد في التمتع بالحقوق وأداء الواجبات وفقا لأحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية. قانون اعتبرته جمعيات مناهضة العنصرية بتونس إنجازاً تاريخياً و مكسباً وطنياً لاعترافه بوجود ظاهرة التمييز العنصري و العنف القائم على أساس اللون و العرق.
لكن في ستمبر 2020 اهتز الرأي العام في تونس وسائر الدول الإفريقية بعد انتشار فيديو لرجل تونسي يعتدي بالعنف الشديد على شاب من إفريقيا جنوب الصحراء كان أجيراً لديه. موريس و هو شاب في العشرينات من عمره طالب بمستحقاته المالية من صاحب العمل الذي لم يدفع له راتبه طيلة ستة أشهر. ساعات العمل كانت أطول من المتفق عليه، لم يمكنه من الراحة بل طالبه بإنجاز أعمال أخرى بأجر لا يتجاوز 400 دينار. حادثة الاعتداء على موريس لا تختلف في تفاصيلها عن السجن الذي تعرضت له المعينة المنزلية، تاكينا، القادمة من التوغو حين اتهمتها صاحبة العمل بسرقة مجوهراتها بغية التنصل من دفع راتبها وتحويل تاكينا الى مركز إيواء الوردية لتقبع هناك في احتجاز تعسفي طيلة أشهر إلى حين ترحيلها.
معاملة مهينة في دولة الحقوق والحريات
عنف واحتجاز تعسفي وطرد من العمل وإقامة في مركز إيواء يعرف عنه قساوة ظروف الإقامة فيه، حيث اتساخ الغرف والحمامات و عدم توفير الأكل اللازم بالإضافة الى انعدام الخدمات التي تخص النساء المحتجزات. قصص مثل هذه تتناقض مع شعار دولة الحقوق و الحريات الذي رفعته تونس منذ اندلاع ثورة الكرامة في 2011 ووعود كل الحكومات المتعاقبة باحترام مبادئ حقوق الإنسان لا سيما بعد إسناد جائزة نوبل للسلام للرباعي الراعي للحوار في 2015 و تمكين التونسية آية الشابي من منصب مبعوث مفوضية الاتحاد الإفريقي للشباب لسنة 2019 بالإضافة إلى حملات المناصرة و الحشد و التأييد لحقوق الأقليات و المهاجرين التي اجتهد المجتمع المدني بالتنسيق مع الهيئات الوطنية المختصة في إطلاقها والعمل عليها منذ العام 2011 إلى الآن.
لكن ورغم كل هذه الجهود لا تزال هذه الفئة ترزخ تحت وطأة الهشاشة الاقتصادية و الاجتماعية وقد يعود ذلك إلى عدة عوامل:
-ظروف العمل غير القانونية للعديد من المهاجرين والمهاجرات. المهاجرون غير النظاميين الذين يرزحون تحت خط الفقر بحكم وضعهم غير القانوني الذي يحرمهم من الانتفاع من الخدمات الصحية و المساعدات و كذلك الدفاع عن حقوقهم. فبسبب الهشاشة الاقتصادية و الخوف من الترحيل أو الحجز، يرفض العديد من ضحايا العنف القائم على اللون التقدم بشكوى إلى السلط المختصة مما يجعلهم عرضة للابتزاز من أرباب العمل وفي قبضة مافيات الاتجار بالبشر ومافيات الدعارة بالنسبة للنساء.
-المخيال الشعبي التونسي ونظرته للأفارقة : في البداية يحدد عدد من التونسيين وطنهم جغرافيا في علاقة بإيطاليا و فرنسا فيتخذون من عبارة جنوب المتوسط كمحدد لموقع تونس جغرافياً متناسين أن البلاد التونسية تقع شمال القارة الإفريقية و أنها جزء من منظمة الاتحاد الافريقي وأن شعبها شعب إفريقي أيضاً و من هذا التجاهل يمكن لنا أن نفهم الصور النمطية التي يحملها التونسيون عن القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء ومن يعاملون معاملة الغرباء في قارتهم السمراء.
“كحالش و أصحاب رائحة كريهة ويجب معاملتهم بتلك الطريقة لأنهم أبناء عبيد و نحن أسياد إفريقيا “ هكذا يقول بعض العنصريين. أما عن النساء فهن الموصومات بإدمان الجنس واللذة كما يصورهن المخيال الشعبي التونسي حيث يقال ” الكحلوشة باهية للشتاء ” وغيره من الأمثال الشعبية العنصرية والحكايات التي تدور في فلك حب الجنس لدى فئات عرقية بعينها.
-حاجز اللغة: يواجه هذه الفئة حاجز اللغة الذي بات عائقاً أمام الوصول إلى المعلومات الدقيقة التي يحتاجونها فهم لا يتقنون العربية أولا و لا يجدون وثائق توجيهية لدى مكاتب السلطات المحلية باللغة الفرنسية إضافة إلى تعرضهم للتنمر من بعض التونسيين بتعلة أن اللكنة الفرنسية الغرب إفريقية تثير الضحك و يصعب فهمها.
هل يمكن وقف نزيف المهاجرين بتونس؟
قد يبدو الأمر في غاية التفاؤل لو قلنا إن تونس ستغدو جنة المهاجرين و المهاجرات و نحن نعلم أن الوضع السياسي و الاقتصادي بدأ يخنق أبناء ذات البلد و لكن للناظر في قضايا الهجرة واللجوء في تونس يمكنه أن يلاحظ قسور مشاركة أصحاب القضية في السياسات العامة و في دوائر صناعة القرار التي تخص ملف الهجرة و بالتالي فإنه بات من الضرورة، التشاور مع منظمات المجتمع المدني التونسية، والدولية والممثلة للمهاجرين واللاجئين في تونس والشروع في البحث عن سبل حماية حقوق كافة الأشخاص الموجودين على التراب التونسي، بقطع النظر عن وضعياتهم الإدارية والقانونية، وخاصة على مستوى العمل اللائق، والأجر العادل، والتغطية الاجتماعية والصحية والنفاذ للعدالة و التبليغ عن الممارسات العنصرية.
كما أنه بات من واجب الحكومة التونسية أن تتبني موقفاً حقوقياً وإنسانياً واضحاً من مسألة الهجرة واللجوء بإعتباره حقاً إنسانياً يشمل الجميع حتى لا تتحول تونس إلى مقبرة للشباب القادم من إفريقيا جنوب الصحراء.