سليم دربالي
تعتزم تونس إطلاق قناة تلفزيونية للتعليم عن بُعد خلال شهر جانفي (يناير). المشروع الذي أعلن عنه وزير التربية قبل أيام، خلّف ردود فعل متباينة بين مرحّب ورافض.
نجاح محدود
حاتم بن زايد أستاذ تعليم ابتدائي أكّد لـ “بوّابة تونس” أنّ نجاح هذه التّجربة سيكون محدودًا حسب رأيه، لأنّ تطور المعارف لدى التلميذ مرتبط بمدى تركيزه داخل القسم ومرتبط كذلك بعمله ودعم مكتسباته من خلال العمل المنزلي، فالعملية التربوية تستوجب معرفة المعلّم بنقائص تلميذه.
وأضاف أنّ الدرس التلفزي لا يستجيب لمتطلبات التلاميذ التي تختلف من شخص لآخر، مُشيرًا إلى أنّ التلميذ سيتخلّى خلال تعلّمه عن بعد عن طريقة سؤال-جواب، خاصةً عند عدم الفهم، مع غياب المعلم لتفسير ما لم يفهمه التلميذ.
كما أشار إلى أنّ هذه التّجربة يمكن أن تنجح بالأقسام النهائية مع اكتساب التلميذ بعض المهارات في إطار ما يعرف بالذّكاء المجرًد.
وقال: إنّ العملية التربوية تقوم على منظومة الدعم والعلاج، أيْ: دعم المعارف والمكتسبات ومعالجة النّقائص والأخطاء، فالتلفزة حسب رأيه ستركّز على جانب الدعم فقط وستقوّي مكتسبات التلميذ الذكي لكنها لن تخدم التلميذ المتوسّط وتعالج نقائصه.
تهديد لتكافؤ الفرص
أكّد محمّد العامري أستاذ اللغة الفرنسية بالمعهد الثّانوي بهبيرة من ولاية المهدية (شرق تونس) أنّ التعليم عن بعد بالنسبة له يهدّد مبدأ تكافؤ الفرص في تونس.
وأضاف “لا تتوفّر أرضية لوجستيكية تخوّل لجميع التلاميذ النفاذ الناجع والسلس إلى جميع المنصات التعليمية بالإضافة إلى أنّ هذه العملية الرقمية الجافّة تنزع الجانب الإنساني والحسي عن العلاقة بين المتعلم والأستاذ” حسب رأيه.
دور الأولياء
جمال بودبسة مدير المدرسة الابتدائية الهادي شاكر بالساحلين من ولاية المنستير (شرق تونس) أفاد بأنّه يبارك هذه الخطوة ويُشجّعها خاصةً وأنّ الغاية منها نبيلة على حدّ تعبيره.
لكنْ في المقابل أشار إلى أنّ التجربة ستنجح مع البعض وتفشل مع البعض الآخر على اختلاف المستوى المادي، مُشدّدًا على أهميّة دور الولي في إنجاحها وتوعية أبنائه بوصول المعلومة من التلفزة إضافةً إلى ضرورة توعية المواطنين بدورهم الكامل لإنجاح هذه التجربة قبل انطلاق البثّ.
وأضاف أنّ إيصال المعلومة كاملة إلى التّلميذ يستوجب التواصل مع المشرفين على القناة التلفزيونية لإعادة بعض الدروس التي لم يستوعبها التلميذ كما يجب.
مقاربة سوسيولوجيّة
أفاد معاذ بن نصير المختص والباحث في علم الاجتماع لـ “بوّابة تونس” بأن نجاح تجربة التعليم عن بعد سيكون نسبيا أو منقوصًا لعدة أسباب، مُشيرًا إلى أنّ المقاربة السوسيولوجية في هذا الموضوع، تقوم على الإجابة عن سؤال “هل أنّ التلميذ مهيأ نفسيًّا واجتماعيًا للتعلّم عن بعد؟”.
وأضاف أنّ التّجربة تُلزم الأخذ بعين الاعتبار انحدار المستوى التعليمي للتلاميذ وتراجع نتائجهم المدرسية في السنوات الأخيرة نتيجة غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي التي تولًد نفورًا من التعليم.
وقال: “سنضع طفلًا أمام التلفزيون ساعات طويلة للدراسة، لكنْ هل أنّ التلميذ مازال مُدمنًا على مشاهدة التلفزيون، خاصةً وأننا نتحدث هنا عن طفل القرن 21 المحاط بالتكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، أين سيقضي ساعات طويلة في هذا الفضاء الافتراضي؟
الطفل لم يعُد له الرابط الاجتماعي أو السلوكي مع التّلفاز كما في السّابق، فتقديم الدروس للتلميذ داخل الفضاء الاجتماعي الذي يتموقع فيه الطفل، أي: شبكات التواصل الاجتماعي سيكون أفضل من تلقّيها عبر التّلفاز.
فارق الإمكانيّات
معاذ بن نصير تساءل بشأن مدى نجاح تجربة التّعليم عن بعد “هل توفّر وزارة التربية الإمكانيات اللّازمة لتعميم هذه التّجربة على جميع جهات الجمهورية مع الأخذ بعين الاعتبار تلاميذ المناطق الحدودية والنائية خاصةً أنّ العديد من العائلات التونسية تشكو ضعف الإمكانيات؟”.
واستخلص قائلًا: “التجربة ستكون نخبويةً، أي: لفائدة التلاميذ المُنتمين لوسط اجتماعي ومادي معيّن “مضيفًا” على المستوى النظري أنّ الفكرة موجّهة لجميع التلاميذ، لكنْ على المستوى التطبيقي سيعْترضها العديد من المشاكل والعراقيل….”.
وقال: “أغلب العائلات تمتلك تلفزة واحدة في المنزل، وتخصيصها لتدريس التلاميذ يمكن أنْ تعْترضه إشكاليات عديدة، أبرزها اختلاف العقليّات من عائلة إلى أخرى، وخاصة من الناحية الثقافية والإيديولوجية والتعليمية، بل مدى حرص كل عائلة على تعلّم أبنائها.