ثقافة عالم

هل أذنب فنانون تونسيون بالاعتذار للشعب الجزائري؟

صابر بن عامر

أوقفت “سلطة ضبط السمعي البصري” بالجزائر بث مسلسل “حب ملوك” التونسي الجزائري، الذي تعرضه قناة “النهار” الجزائرية الخاصة بالتوازي مع القناة التونسية الخاصة “حنبعل” في رمضان، بدعوى “تضمنه مشاهد تمسّ بالأخلاق وقيم المجتمع”. وعلى منوالها نسجت القناة التونسية بإيقاف عرض المسلسل لمدة أسبوع أسوة بالقرار الجزائري. فهل باتت القناة التونسية تخضع لتعليمات “سلطة ضبط السمعي البصري” الجزائرية أم إلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري “الهايكا” التونسية؟

قرار مفاجئ وغير مسبوق جعل الإعلامي التونسي المكي هلال المقيم في الإمارات، يكتب مساء الأربعاء 13 أفريل/ نيسان الجاري على صفحته الفيسبوكية تدوينة حملت عنوان “التضامن في المنع: بدعة حنبعل التونسية”.

قال فيها: “أعرف التضامن بين القنوات التلفزيونة وسائر المنابر الإعلامية في النشر والبث لتحدي الرقابة والمنع وتوسيع ما ضيقه مقص الرقيب، لكن التضامن في منع بث مسلسل واقتفاء أثر الآخر في رقابته لا ينم إلاّ عن ضعف وتذلل، ولا يؤكد إلاّ ارتعاش اليد السفلى أمام اليد العليا وسلطة من يدفع ويمول وهم الإنتاج المشترك”.

موقف شعبوي

أضاف هلال: “عنيت ما أعلنت عنه قناة حنبعل من وقف مسلسل “حب ملوك” تضامنا مع القناة الجزائرية التي منعته، منذ متى تلتزم قناة محلية بقرارات سلطة ضبط السمعي البصري في دولة الجوار؟ ماذا عن السيادة والقرارات السيادية والالتزام فقط بقرارات الهيئات والسلط المحلية وتنسيب موضوع الحرية والذوق وإخضاعه لرقعة الجغرافيا وخصوصية المكان، وقد مرّ المسلسل سالف الذكر مرور الكرام في تونس، بسبب تفاوت ذائقة التقبل وحيز الحرية بين الجارين مع احترامنا طبعا لحساسية الأجوار في التعامل مع منتجات درامية، لا تعرض واقع المدينة الفاضلة بالضرورة (ننقدها ولا نقبل بمنعها)”.

ويتساءل الإعلامي التونسي: “أي حرج سبّبه موقف قناة حنبعل للمستشهرين ولممثلين تونسيين بارزين مثل السيدة منى نور الدين والمخرج التونسي نصر الدين السهيلي ولانتظارات المشاهدين، ومن ظنوا أنهم سيتابعون الإنتاج المشترك على شاشة تونسية بعد أن تمّ إيقافه على القناة الجزائرية، وهذا حقها في النهاية”.

ويخلص إلى استنتاج مفاده أن لا تفسير لهذه الخطوة الغريبة غير الطمع وإملاءات السوق وشجع رأس المال، وانصر أخاك ظالما أو مظلوما مع عقدة الأخ الأكبر، والصورة النمطية للشقيقة الكبرى الجارة لدى البعض”.

ولم يقف تعليق هلال عند هذا الحد، ليعقبه في اليوم الموالي بتدوينة أخرى تنتقد ما أقدم عليه بعض فناني تونس الذين اعتذروا لإخوانهم الجزائريين عن المشهد سبب الجدل، عنونها بـ”لماذا يصرّ بعض ممثلينا على أكل الخبر بالجبن؟”.

وجاء فيها: “بعض فنانينا تراهم يستأسدون في المنابر التونسية دفاعا عن حرية الإبداع ورفض التقييم المعياري الأخلاقي للأعمال الفنية وحين يتوجهون لجمهور جار يعتذرون عن أمور لا موجب فيها، للاعتذار؟”.

ويواصل متهكما: “الانسجام استحقاق يا مبدعي زمن الخوف، وما هكذا نبني لبنات الإنتاج المشترك، الفن موقف ومبدأ وشجاعة ومسؤولية أيضا، وبهذا الصنيع المتصاغر أنتم تهينون فنكم وفكركم وبلدكم وكرامتكم خوفا من خسران سوق مهمة وجمهور لن ترضيه بمجرد اعتذار عابر أو تملق شعبوي”.

ويدعو هلال بعض من اعتذروا للكفّ عن تكريس صورة نمطية “فرارية” خاطئة (يروج لها بعض الجيران للأسف) مفادها أن تونس بلد الميوعة (هي بلد حرية الإبداع، وقد دفعنا ثمنا لذلك)، وأن بلدان الجيران جنوبا وغربا بيوت طاهرة وقلاع حصينة للدين والأخلاق، على حدّ توصيفه.

ويسترسل: “كان بإمكاننا تفهّم موقف وإكراهات أجهزة الرقابة في هذا البلد أو ذاك، أما حين تعتذر وتقدّم التعلات بضغط الوقت وسرعة المونتاج وتسليم المادة وعدم التثبت، فأنت تسيء لمخرج آمن بك واختارك وزملاء عملت معهم وعمل شاركت فيه بقناعة وتقاضيت عنه أجرا، وكان يفترض أن يكون مشروعا تدافع عنه لا مجرد رغيف خبز مغمس في الجبن (تفهم في معنى الأجبان والخوف كذلك) أو مركبا تقفز منه، وتعتذر إذا تكالبت عليه الأمواج وسهام النقد الشعبي”.

والجملة الأخيرة من التدوينة وجهّها هلال إلى سيدة الدراما في تونس منى نور الدين التي علّقت على قرار الإيقاف الجزائري يوم الثلاثاء 12 أفريل/ نيسان في برنامج “رمضان شو” على موجات إذاعة “موزاييك أف أم” الخاصة، بقولها: “أتقبل القرار رغم أنه قاس”.

وأضافت: “الخبر بهتنا ملول (دهشنا للقرار في بادئ الأمر)، ومع ذلك نحترم قرار الهيئة… هم أحرار في قرارهم وكل بلاد تعرف ما لها وما عليها وأهل مكة أدرى بشعابها، والإشكال يتعلق بنظرة ممثل لزوجته، وأعتقد أنها هفوة قد تتطلّب الاعتذار”.

منطق الربح والخسارة

المشهد موضوع الجدل جمع بين الممثلة التونسية إباء حملي ومواطنها الشاذلي العرفاوي، الذي تمعّن تضاريس جسدها مليا، الأمر الذي جعل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي يعتبرونه متضمنا لـ”إيحاءات جنسية تتنافى وقدسية الشهر الكريم”. 

ووصل الجدل إلى خطب الجمعة، فأشار أئمة بعض المساجد في الجزائر إلى مضمون البرامج الرمضانية التي تعرض عبر القنوات الخاصة، وطالبوا السلطات بالتدخل لوقف ما اعتبروه مساسا بقيم المجتمع.

وإثر ذلك تحوّل مضمون المسلسل إلى محل نقاش تحت قبة البرلمان، ووجّه النائب البرلماني الجزائري عز الدين زحوف سؤالا كتابيا إلى وزير الاتصال بشأن بث مثل هذه المسلسلات خلال شهر رمضان.

وقال زحوف: “هناك برامج تتضمّن مشاهد خادشة للحياء وتتنافى مع أعراف المجتمع الجزائري يتمّ بثها خلال الشهر الفضيل”.

وأمام هذه الحملة فضّل أبطال المسلسل من الجانب الجزائري التزام الصمت وعدم التعليق بأي شكل من الأشكال، فيما علّقت بطلة العمل من الجانب التونسي منى نور الدين بما تقدّم سلفا، مُعتذرة عن مشهد لم تُشارك فيه أصلا؟

وعن هذا الاعتذار تقول الناشرة والكاتبة والصحافية التونسية حذامي خريّف لبوابة تونس: “في البداية كان الجدل حول سبب إيقاف المسلسل والمتعلق بما اعتبره الجزائريون “مشاهد خادشة”، بعد ذلك اتسعت دائرة هذا الجدل مع إقدام قناة حنبعل على إيقاف عرض المسلسل تزامنا مع شريكتها في إنتاج العمل قناة النهار الجزائرية، ليتوجه بعد ذلك عدد من الفنانين التونسيين المشاركين في العمل الدرامي باعتذار إلى العشب الجزائري، وهنا اتسع الجدل أكثر وأخذ منحى آخر بين من يؤيّد هذا الموقف ومن يعارضه بل ويعتبره “خنوعا” و”عقدة”، وعلى الأقل كان يجب أن يتمّ التوجه بالاعتذار للمشاهد التونسي أيضا، فهو مثله مثل الطرف الجزائري معني بهذه “المشاهد الخادشة”؟”.

وعلى عكس موقف مكي هلال من الاعتذار التونسي تقول سليلة آل خريّف الأدبية: “لكن يبدو أن الحماسة أخذت هذا الشق الذي يبدو أغلبه متأثرا بمواقف فايسبوكية جعلته لا ينتبه أن اعتذار بعض الفنانين التونسيين ليس سوى موقف عفوي و”بروتوكولي” وجاء في نطاق تعامل التونسيين مع الجزائريين، ففي مواقف عدة رياضية وفنية واجتماعية وحتى سياسية كانت هناك مواقف دعم ومساندة متبادلة بين التونسيون والجزائريين، وما بدر بشأن مسلسل “حب ملوك” ليس بجديد في شكله العام وإن كان خاصا في تفاصيله”.

وتؤكّد خريّف أنه وعلى المستوى الدرامي والفني وبمقياس الربح والخسارة، تمّ في السنوات الأخيرة إنتاج عدد من الأعمال المشتركة التونسية الجزائرية، حيث قام عدد من المخرجين التونسيين بإخراج مسلسلات درامية جزائرية أو مشتركة، كما شارك ممثلون جزائريون في مسلسلات تونسية، وبالتالي صار المُشاهد الجزائري له وزن في حساب الربح والخسارة بالنسبة للممثلين والمخرجين والمنتجين”. 

وهي ترى أن “الجدل الأخير يبدو أنه صبّ في صالح هذه الحسابات وروّج للمسلسل، وجعله يتحوّل إلى من بين الأعمال الأعلى مشاهدة”.

فربّ ضارة نافعة للمسلسل وطاقمه الذي ينتظر مواصلة بثه بعد انتهاء زمن الإيقاف، أسبوع مرّ منه حتى كتابة هذه اللحظة خمسة أيام، ليعود للبث مساء الأحد 17 أفريل/ نيسان الجاري.

 و”حب ملوك” مسلسل جزائري-تونسي مُشترك، من إخراج التونسي نصر الدين السهيلي وسيناريو لفاتن الشاذلي، تمّ تصويره في تونس.

ويجمع العمل التلفزيوني مجموعة من الممثلين التونسيين والجزائريين البارزين على رأسهم الممثلة مينة لشطر ومراد أوجيت وأحمد زيتوني وسعاد سبكي من الجزائر. ومن تونس الممثلة منى نور الدين وجمال المداني وفتحي المسلماني والشاذلي العرفاوي ومريم بن مامي وفراس العبيدي.

والعمل مقتبس من المسلسل التركي “العشق الفاخر”، ويحكي بشكل كوميدي قصة عائلة أرستقراطية تعيش العديد من الأحداث والصراعات، خاصة حين تتعرّف الفتاة عيشة الجزائرية على الشاب التونسي كريم في أجواء غير طبيعية، وتنشأ بينهما قصة حب غير عادية، متحديين فيها كل الظروف المعرقلة لعشقهما مُتجاوزين التقاليد والأعراف في مجتمع محافظ.