رياضة

هلال الشابة… قصة نادي رياضي قلب حياة مدينة رأساً على عقب

في مدينة الشابة شرق تونس ينشط فريق كرة قدم يحمل اسم هلال الشابة، فريق حديث العهد بالدرجة الأولى للأندية المحترفة، كان قد صعد نهاية موسم 2018-2019 للمرة الأولى في تاريخه، حلمت جماهيره بمسيرةٍ مظفّرةٍ بين كبار كرة القدم في تونس، لكن وقائع وأحداث الموسم الأول حملت مشاكل وأزمات وخلافات حادة مع الجامعة التونسية للّعبة انتهت بإيقاف نشاط الفريق، أزمة ألقت بظلالها على كامل المدينة وشغلت الرأي العالم التونسي.

معتقلو 25 جويلية

خلاف شخصي أضرّ بالهلال:

مسلسل أزمة هلال الشابة انطلق في صيف 2019 حينما طالب رئيس الفريق توفيق المكشر بإجراء عملية تفقّد على حسابات الجامعة التونسية لكرة القدم واتهام رئيسها وديع الجريء بالفساد المالي، أمْر رفضه الجريء واعتبره تحديا وتشكيكاً في نزاهة الهيكل المشرف على كرة القدم التونسية.

تواصلت المشاكسات بين هلال الشابة والمكتب الجامعي لكرة القدم خلال الموسم الرياضي الماضي، حيث لم تفوّت إدارة توفيق المكشر أي فرصة لانتقاد الجامعة، إما بسبب خطأ تحكيمي في مباراة أو قرار إداري.

واتخذت الهيئة المديرة لهلال الشابة من الصفحة الرسمية للنادي على موقع فيسبوك، منصةً لتوجيه نقدها اللاذع للجامعة واتهامها إياها باستهداف النادي.

من جانبها، الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة (تعمل تحت إشراف جامعة كرة القدم) تفاعلت مع جميع منشورات إدارة الهلال إما بالتنبيه أو الدعوة للمثول أمام لجنة التأديب أو العقوبة الإدارية والمالية للنادي أو بعض مسيريه، وكانت كل عقوبة يقابلها ردّ حادّ اللهجة من طرف فريق هلال الشابة.

بلغت العقوبات حرمان إداريّين (رئيس النادي والكاتب العام) من حضور مباريات وتغريمهم ماديا وتغريم النادي بمبالغ جملية قاربت 500 ألف دينار.

وضعية أثقلت كاهل ميزانية الفريق ولوّح الرئيس توفيق المكشّر ونائبه صابر بوعطي (وزير رياضة أسبق) بالاستقالة في سبتمبر الماضي حتى لا يتضرّر النادي أكثر.

في الأثناء تواصل التراشق بالتهم عبر البلاغات فصعّدت رابطة كرة القدم من حدّة العقوبات، وجمّدت نشاط الرئيس والكاتب العام نهائيا، وخصمت 6 نقاط من رصيد النادي مع غرامة مالية بـ 40 ألف دينار.

القرار الصادم وثورة الشابة:

في السابع عشر من أكتوبر  2020 اجتمعت الجامعة التونسية لكرة القدم للنظر في ملف تجديد انخراط فريق هلال الشابة للَعب الموسم الرياضي الجديد، إلا أنّ عدم خلاص الفريق المعلوم المادي دفع إدارة وديع الجريء إلى تجميد نشاط هلال الشابة وحرمانه من اللعب موسم 2020 – 2021.

قرارٌ مفاجئٌ نزل كالصاعقة على الرأي العام الرياضي عموماً وعلى جماهير وإدارة ولاعبي هلال الشابة بشكل خاص، كيف لا وأن الفريق سيحال على بطالة إجبارية مدة موسمٍ كامل.

خرجت الجماهير في الشابة للاحتجاج وندّدت بالقرار واعتبرته ظلماً لناديها.

 أغلقت الطرقات ونفّذت الإضراب العام وتعطّلت مصالح أهالي الجهة الذين انخرطوا بدورهم في الحركات الاحتجاجية، فهم يعتبرون الهلال المحرّك الوحيد للجهة ومصدر فخرهم بعد نتائجه الممتازة في أول ظهورٍ له بين كبار الأندية.

صعّدت الشابة من درجة احتجاجها وهدّد الأهالي، بمساندة مسؤولي الجهة، بتنظيم هجرةٍ جماعيةٍ عبر البحر ورفض الخضوع للقرار « الظالم ».

نُصِبت الخيام وفُتِح باب التسجيل وتبّرع الصيادون بمراكبهم لنقل الجماهير إلى إيطاليا، وفعلا جاء يوم رحيل 12 نوفمبر 2020،  وركب الأهالي البحر في حركةٍ احتجاجية رمزية هي الأظرف والأغرب في تاريخ الرياضة التونسية.

قضية رأي عام:

أمام تمسّك الجامعة التونسية لكرة القدم بقرارها، كسب فريق هلال الشابة تعاطفاً شعبيا واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وأجمع أغلب المتابعين على أن القرار كان مجحفاً في حقّ الهلال.

قضية هلال الشابة بلغت أعلى سلط في الدولة، حيث تحدّث عددٌ من النوّاب في البرلمان عن مظلمةٍ تاريخية ضد فريق الشابة واستبداد بالرأي من قبل رئيس الجامعة وديع الجريء ودعوه إلى التراجع عن قراره، وقاد بعضهم حملة لكشف حقائق تُورّطه في قضايا فساد مالي وإداري على غرار النائب المستقل ياسين العيّاري.

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس نوّاب الشعب كذلك وضعوا الملف على طاولة النقاش باعتباره أصبح يهدّد الأمن العام في جهة الشابة الساحلية، مع تزايد درجة احتقان الجماهير في المدينة.

سجال قانوني لا متناهي:

في غضون هذا النقاش العام وفي انتظار قرارٍ أو حلٍّ يُرضي الجميع من السلطات العليا للدولة، دار نقاشٌ قانونيٌ حادٌ بين فريق الدفاع الخاص بهلال الشابة ورجال القانون التابعين للجامعة التونسية لكرة القدم.

موضوع السجال هو مدى مشروعية قرار إدارة وديع الجريء.

ففي الوقت الذي يقول فيه محامو هلال الشابة: إنه لا توجد أطر قانونية لمعاقبة الفريق بسبب ))تدوينات فيسبوكية)) وإن الفريق قام بالإجراءات اللازمة لإتمام عملية الانخراط في الموسم الجديد – يتحصّن المكتب الجامعي لكرة القدم بترسانة قوانينه ومستنداته ويصرّ على أنّ الهلال يستحقّ الإيقاف.

المعركة القانونية تجاوزت حدود تونس بعد أنِ الْتجأ فريق هلال الشابة إلى المحكمة الرياضية الدولية للتظلّم وإيقاف تنفيذ قرار جامعة كرة القدم.

من جهته، وزير الرياضة كمال دقّيش (رجل قانون) أدلى بدلوه في الموضوع وعارض القرار واعتبره غير قانوني ودعا وديع الجريء إلى إصلاح الخطأ عبر الدعوة إلى تطبيق الفصل 15 من القانون الداخلي، وعقد جلسة عامة خارقة للعادة تقرّر فيها الأندية مصير الهلال.

مستقبل غامض للموضوع:

الأحد 6 ديسمبر عاد نشاط بطولة كرة القدم في تونس دون الهلال الشابي، وتجري منافسات بطولة مصغّرة لسد الفراغ وتعويض الفريق، وفي الأثناء تشتعل مدينة الشابة غضباً وتشهد احتجاجات ومواجهات مع الأمن حيث أجبرته على الانسحاب، واستعدت قوات الجيش لحضور تأمين المدينة.

بيْن هذا وذاك، الوضع يبدو غامضاً في ظل صمتٍ مبهمٍ من الجامعة التونسية لكرة القدم والسلطات الرسمية للدولة بخصوص مستقبل الفريق. فهل تقرّر مصير هلال الشابة رسميا، خاصة بعد رفض مطلب إيقاف التنفيذ من القضاء الدولي والإداري، أم أنّ مجال الصلح بين الطرفين لا يزال قائماً لإعادة الأمل لأبناء مدينة الشابة وعودة هلالهم للإشعاع بين فرق الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم.