وجدي بن مسعود
“لله المشرق ولله المغرب
رحاب الشمال والجنوب مستقرة بين يديك يا محمد
وإذا كان الإسلام هو الاستسلام لله
فكلّنا نحيا ونموت مسلمين”.
قد يهيّأ للقارئ حال مطالعة هذه الأبيات، أنّ كاتبها صوفي غمره الوجد في لحظة تجلٍّ، أو بعض العارفين بالله ممّن ورثوا شذرات من العلم اللدني عن الإمام علي بن أبي طالب باب مدينة العلم، أو لعلّها أبيات خطّها بعض المتبحّرين في العشق الإلاهي من أمثال شمس التبريزي وابن عربي أو ربما الحلاج.
الحقيقة التي قد تبدو مفاجأة للكثيرين أنّ الأبيات مقتطفة من “الديوان الشرقي” للشاعر الألماني الكبير يوهان غوته، والذي عُرف بكونه أحد كبار المستشرقين والباحثين في الإسلام وفي حياة النبي الأكرم.
الديوان الشرقي
شغف يوهان غوته بالبعد الروحاني والإنساني العميق للرسالة المحمدية مثل مدخله لاكتشاف شخصية نبي الإسلام، وخصاله السياسية والفكرية والعقائدية.
تعرّف غوته إلى فكر محمد وإرثه الحضاري والاجتماعي والسياسي متجرّدا من الأفكار المسبقة والعصبية الحضارية والعقائدية، والرواسب التاريخية المتجذّرة في العالم الغربي في تقييمهم للحضارة العربية والإسلامية، ولشخصية الرجل الذي وحد أمة بعد أن كانت مشتّتة بين قبائل متنازعة في عرض الصحراء في الجزيرة العربية.
موقف الشاعر الألماني الكبير المفعم بالاحترام لشخصية الرسول الكريم، لا يعدّ استثناء رغم مكانته البارزة بين كثير من المستشرقين الذين وقفوا على الحافة المشرقة للإسلام وسيرة نبيّه، إذ تُولي دراسات عدد من المفكّرين الغربيين ومواقف بعض الشخصيات السياسية الغربية، أهمية كبرى وتقديرا واسعا لهذه الشخصية وعبقريتها الإنسانية التي ما تزال ملهمة للمؤرّخين والباحثين حتى اليوم.
نشيد محمد
من مطالعاته للثقافات الشرقية وخاصّة منها الفارسية والهندية، ولدت لحظة الدهشة والتساؤل الأولى في ذهن الشاعر الألماني في سن الـ23 عن المسلمين وشخصية نبيّهم الذي لم يتردّد عشاقه ومريدوه في فدائه بحياتهم، لتبدأ رحلة التعرّف على هذا الرمز الملهم لأكثر من مليار ونصف مسلم حول العالم، رحلة ترجمها في الديوان الشرقي الذي يحتوي على قصائد شعرية رائعة عن الرسول إلى جانب تأليفه مسرحية “نشيد محمد”.
عند بلوغه السبعين أعلن غوته أنّه سيحتفل بذكرى الليلة التي أنزل فيها القرآن على الرسول، واختزل إعجابه به بالقول: “بحثت في التاريخ عن مثلي الأعلى فوجدته في النبي العربي محمد”.
عبقرية محمد
إعجاب وتقدير شعري لم يقتصر على أعظم شعراء ألمانيا فحسب، بل نلمسه كذلك لدى الشاعر الفرنسي الشهير ألفونس دي لا مارتين، الذي أتاحت له سنوات إقامته في تركيا ورحلاته إلى القدس والمشرق العربي، التعرّف عن قرب إلى الثقافة الإسلامية وتاريخ الرسول الأكرم.
ويتعمّق لامرتين في كتابه “تاريخ تركيا” في الحديث عن شخصية هذا القائد السياسي والديني، ليبني معرفة عميقة بمسيرة النبي الأكرم في نشر الدين وتأسيس الدولة وتوحيد الأمة بالقول: “إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيّا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات ولم يجنوا إلّا أمجادا بالية، لكن هذا الرجل قاد الملايين من الناس فيما كان يعدّ ثلث العالم حينذاك وليس هذا فقط، بل إنّه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة”.
عبقرية القيادة لدى النبي محمد تنضاف -حسب الشاعر الفرنسي- إلى عظمته الإنسانية، لتشكّل أحد مقاصد النبوة التي قال عنها: “إذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقّق فيه جميع صفات العظمة الإنسانية، فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل”.
أما الفيلسوف الشهير جون جاك روسو، فقد بحث في معالم الحكمة والنزعة الفلسفية والعقلية للإسلام، واكتشف إرث نبي وصفه بـ”الصادق الأمين”، قائلا: “لم ير العالم حتى اليوم رجلا استطاع أن يحوّل العقول والقلوب من عبادة الأصنام إلى عبادة الإلاه الواحد إلا محمد، ولو لم يكن قد بدأ حياته صادقا أمينا ما صدقه أقرب الناس إليه، خاصة بعد أن كلّفه الوحي بنشر الرسالة على بني قومه ذوي العقول الصلبة، لكن السماء التي اختارته بعناية كي يحمل الرسالة كانت تؤهّله صغيرا فشب متأملا محبّا للطبيعة ميّالا للعزلة لينفرد بنفسه”.
عقيدة راسخة
في كتابه “تاريخ المسلمين”، توقّف المستشرق الإيطالي ميخائيل إيماري عند اختبارات النبوة وابتلاءات الرسالة التي واجهها الرسول في مسار دعوته، التي قابلها بـ”الصبر والتصميم والإخلاص والثقة في ربّه”، حسب قوله.
ويثنى إيماري على ثبات الرسول في مواجهة الضغوط والإغراءات وحتى المساومات من أعدائه من سادة قريش للتخلّي عمّا يدعو إليه، وهو الموقف الذي تحوّل إلى بوصلة كلّ المسلمين لاحقا.
ويضيف المستشرق الإيطالي: “أنّ محمدا لم يقبل المساومة لحظة واحدة في موضوع رسالته على كثرة فنون المساومات واشتداد المحن، وهو القائل لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته”.
كما يصف إيماري أخلاق النبي بأنّها “عقيدة راسخة، وثبات لا يقاس بنظير، وهمّة تركت العرب مدينين لمحمد بن عبد الله”.
آخر الأنبياء
الأديب الروسي الشهير ليف تولستوي لم يثنه تقديسه للعلم وخلافه مع الكنيسة الأرثدوكسية، عن الإقرار بتأثير رسالة محمد في البشرية وتفرّد شخصيته التي أهّلته ليتبوّأ هذه المكانة الاستثنائية ويحمل دعوة التوحيد.
خصّ الأديب الروسي رسول الإسلام بكتاب عنوانه “حكم النبي محمد”، سلّط فيه الضوء على سيرته وشخصيته ومبادئ المحبة والتسامح التي نشرها.
ويقول تولستوي: “يكفي محمدا فخرا أنّه خلّص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرقي والتقدّم، وأنا أحد المبهورين بهذا النبي الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء”.
ويضيف الكاتب الروسي في كتابه: “محمد هو مؤسّس الدين، ونبي الإسلام وهو دين يتبعه أكثر من مائتي مليون شخص، قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أنّ جميع الناس متساوون أمام الله”.
سيّد العظماء
صنّف الكاتب مايكل هارت الرسول الكريم على رأس قائمة عظماء الإنسانية في كتابه “الخالدون المائة”، وفق دراسة دقيقة رصدت الأسماء الأكثر تأثيرا عبر التاريخ.
ويفسّر هارت اختياره نبي الإسلام على قائمة الخالدين وعظماء الإنسانية بالقول: “لقد اخترت محمدا في أول هذه القائمة ولا بدّ أن يندهش كثيرون من هذا الاختيار ومعهم حقّ في ذلك، لكن محمّدا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستويين الديني والدنيوي، دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا وبعد 13 قرنا من وفاته فإنّ أثر محمد ما يزال مؤثّرا قويا ومتجدّدا”.