ثقافة

نور الشريف… موهبة تمثيلية استثنائية رصدت هموم الطبقات المهمشة في مصر

يمرّ اليوم 76 عاما على ميلاد الفنان المصري الراحل نور الشريف الذي ولد في مثل هذا اليوم 28 أفريل/ نيسان من العام 1946، ليكون أحد مبدعي الفن المصري وعمالقته الكبار الذين تركوا رصيدا فنيا ضخما عاش وسيعيش بعد وفاته إلى الأبد. وهو الذي جسّد مئات الأدوار المتنوّعة، بين الشاب المستهتر، والرجل الناضج، وتاجر المخدرات، ولاعب الكرة، وابن البلد، والموظف، وسواق الأتوبيس، كما أبدع في الأدوار الدينية والتاريخية ومنها هارون الرشيد وعمر بن عبد العزيز وابن رشد وغيرها الكثير.

وولد محمد جابر محمد عبد الله، وهو اسمه الحقيقيّ، قبل أن يغيّره إلى نور الشريف في حي الخليفة بالسيدة زينب في القاهرة، كان محبا للتمثيل منذ طفولته فانضم إلى فرقة التمثيل المدرسية وشارك في الكثير من نشاطاتها. في الوقت ذاته كان لاعبا في فريق أشبال نادي الزمالك لكرة القدم. لكنه لم يحترف كرة القدم بسبب تغلب حبه للتمثيل.

بدأ حياته الفنية بدور صغير في مسرحية “الشوارع الخلفية” عام 1962، وكان وقتها يستعدّ لاجتياز اختبارات معهد الفنون المسرحية، والتحق به وحصل على تقدير “امتياز” وكان الأول في دفعته عام 1967.

تنوّعت أعماله ما بين مسرحيات وأفلام ومسلسلات تركت أثرا في قلب المُشاهد العربي والتي قدّم من خلالها قضايا اجتماعية حارقة.

في الستينيات، قدّم جملة من الأفلام أهمّها: “قصر الشوق” عام 1966 و”بنت من البنات” عام 1968 و”بئر الحرمان” عام 1969 و”زوجة بلا رجل” عام 1969.

في السبعينيات تابع النجم الصاعد نجاحه الذي شهد تألّقا ملحوظا، إذ ظهر في أفلام حُفرت في ذاكرة المشاهد العربي وكان أهمّها: “أشياء لا تشترى” عام 1970 و”زوجتي والكلب” عام 1971 و”البيوت أسرار” عام 1971 و”زواج بالإكراه” عام 1972 و”الخوف” عام 1972 و”دائرة الانتقام” عام 1976 و”العاشقات” عام 1976 و”مارد الجبل” عام 1977 و”الشياطين” عام 1977 و”الاعتراف الأخير” عام 1978 و”ابتسامة واحدة لا تكفي” عام 1978.

ذروة النجومية

أصبح نجما معروفا على مستوى الوطن العربي في فترة الثمانينيات، وقدّم مجموعة من الأفلام المهمة منها: “دنيا الله” عام 1980 و”الشيطان يعظ” عام 1982 و”الذئاب” عام 1983 و”آخر الرجال المحترمين” و”اللعنة” عام 1984 و”عسل الحب المر” و”مصري” عام 1985 و”أصدقاء الشيطان” عام 1988 و”زمن حاتم زهران” عام 1988 و”كتيبة الإعدام” و”عنبر الموت” عام 1989.

استمر نجاحه في التسعينيات وصولا إلى الألفية الجديدة حين برزت  فيها أفلام أهمها: “العاشقان” عام 2001 و”عمارة يعقوبيان” عام 2002 و“دم الغزال” عام 2005 و”ليلة البيبي دول” عام 2008.

نجاحه السينمائي لم يمنعه من التألق على الشاشة الصغيرة، فقد قدّم للتلفزيون أعمالا خالدة منها: “عمر بن عبد العزيز” عام 1994 و”لن أعيش في جلباب أبي” عام 1995 و”هارون الرشيد” عام 1997 و”العطار والسبع بنات” عام 2002 و”الدالي” بأجزائه الثلاثة” و”خلف الله” عام 2013.

كما كان ناجحا في المسرح الذي شهد بداياته، إذ تألّق في عدد من المسرحيات منها: “القدس في يوم آخر” و”يا غولة عينك حمرا” و”الأميرة والصعلوك” و”يا مسافر وحدك” و”كنت فين يا علي”.

كما قدَّم برنامج “مع نور الشريف” عام 2010، وحلّ ضيفا على برامج “خليك بالبيت” و”لو سمحتم” و”واحد من الناس”.

من بين الأفضل سينمائيا

حفر نور الشريف أثرا في ذاكرة السينما المصرية، فقد اختيرت سبعة أفلام له في قائمة أفضل مائة فيلم في ذاكرة السينما المصرية، حسب استفتاء النقاد لعام 1996، وهي: “زوجتي والكلب” 1971 و”أبناء الصمت” 1974 و”الكرنك” 1975 و”أهل القمة” 1981 و”حدوتة مصرية” 1982 و”العار” 1982 و”سواق الأتوبيس” 1982، والأخير أختاره النقاد في احتفالية مائوية السينما العالمية عام 1996 كأفضل ثامن فيلم في السينما المصرية.

كما حاز على شهادة تقدير عن دوره في فيلم “قصر الشوق”، وكانت هذه أول جائزة يتلقاها نور الشريف. وفاز أيضا بجائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الثانية لعام 1977.

حصل فيلمه “دم الغزال” على 6 جوائز مقدّمة من المهرجان القومي للسينما، وحاز على جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “بتوقيت القاهرة” من مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد في دورته الخامسة 2015. كما حصل على جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “ليلة ساخنة”، علاوة على استلامه جائزة القدس للثقافة والإبداع تقديرا لإبداعاته الثقافية والعربية والشخصية المتميزة في السينما العربية.

أنتج نور الشريف ستة أفلام وأخرج فيلمين هما: “العاشقان” الذي جمع بينه وبين زوجته الممثلة بوسي عام 2001 وأيضا ”الأميرة والصعلوك” ومسرحية “محاكمة الكاهن”.

قام بتقديم العديد من الممثلين الشباب الذين اكتشف موهبتهم وقدّمهم للساحة الفنية، فهو من منح الفرصة لمصطفى شعبان لأداء دور البطولة في مسلسل “الحاج متولي” وقدّم أحمد زاهر في مسلسل “الرجل الآخر” وقدّم منى زكي في بطولة عمل مسرحي على المسرح القومي في مسرحية “يا مسافر وحدك” كما قدّم كلا من الفنان أحمد صفوت ودينا فؤاد.

حب العمر

تزوّج نور الشريف من الفنانة بوسي في العام 1972، واستمرت حياتهما ناجحة إلى أن فتر الحب القويّ الذي كان بينهما في العام 2006 فانفصل الزوجان، ولكن ظلت علاقتهما متينة، ولم تشهد تراشقا متبادلا بينهما، إنما بقيا أشبه بصديقين وفيين.

وكان نور يساند زوجته، أو من أضحت طليقته، في كل ما تحتاج إليه، ووقف بجانبها عندما توفيت والدتها، وبيّنت بوسي مدى حبها ووفائها الشديدين لنور، حين ساندته في أزمته الصحية، فلازمته في مراحل علاجه.

وكانت ترافقه مع ابنتيهما سارة ونور إلى الخارج لتلقي العلاج، وكان نور يعاني من سرطان الرئة، وخضع لعملية في قدمه لعدم وصول الدم إلى أطرافها، وشكّل خبر طلاقهما مفاجأة صادمة لمحبيهما، كما شكّل خبر عودتهما كزوجين مفاجأة سعيدة لهم. وعاد الثنائي الرومانسي الأشهر، وتزوّجا مرة أخرى بعد تسع سنوات من انفصالهما.