نقيب الصحفيين: المرسوم 54 ينسف المكسب الوحيد للثورة 

عبّر نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبّار خلال “جلسة حوارية حول المرسوم 54: المخاطر والحلول” انعقدت الأربعاء 18 ديسمبر 2024 بالعاصمة عن عميق استيائه من التباين الواضح بين الشعارات التي ترفعها السلطة حول حريّة التعبير والصحافة وبين الواقع الذي نعيشه. مشدّدا على أنّ حريّة التعبير كانت المكسب الوحيد لثورة 17 ديسمبر 14 جانفي، لكنّ الواقع يكشف عن أنّ هذه الحرية تعرف وضع ما وصفه بـ”الخطر القائم”.

معطيات مفزعة 

لا يحتاج المرء إلى إثبات مخاطر المرسوم 54 وتداعياته سواء على الصحفيين أو الناشطين النقابيين والسياسيين أو عموم المواطنين. يكفي أن نحصي الصحفيين المحالين أو المحاكمين بمقتضاه، على سبيل المثال لا الحصر، لنجد محمد بوغلاب ومراد الزغيدي وبرهان بسيّس وسنية الدهماني، بالإضافة إلى شذى بن مبارك التي لا يوجد في إحالتها إلاّ أمر “مخيف واحد”: إنّه الاسم فقط أي قضيّة أنستالنغو. هكذا تحدّث النقيب خلال الندوة المتزامنة مع الاحتفاء بالحراك الثوري.

المعطيات الاحصائية تظل شاهدًا موضوعيا على خطورة المرسوم 54. فبين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024 تم تعداد 37 إحالة خارج المرسوم 115 من بينها 15 إحالة للصحفيين وفق المرسوم 54. ومعلوم، حسب تأكيدات دبّار، أنّ الإحالة تعني آليا العقوبة بالسجن.

 وأبرز نقيب الصحفيين في الجلسة التي حضرها أعضاء من مجلس نواب الشعب ورئيس رابطة حقوق الإنسان بسّام الطريفي وممثّل عن الهيئة الوطنية للمحامين وعدد من الإعلاميين والناشطين الحقوقيين، أنّ الإحالات وفق هذا المرسوم لم تكن مقتصرة على الصحفيين، بل شملت حقوقيين ونواب ورؤساء جمعيات ومواطنين. وعبّر عن تضامن النقابة مع الجميع دون استثناء، في هذا الزمن الذي عادت فيه السلطات إلى تفعيل “إتيان أمر موحش في حق رئيس الجمهورية”، وهو ما يعني ما وصفه بأنّ المنظومة ذاتها عادت لتحكم.

مسؤولية رئيس البرلمان 

وفي معرض حديثه عن المبادرة التشريعية ( مقترح قانون لتعديل المرسوم 54)، عبّر النقيب عن شكره للنواب الذين تقدّموا بالمبادرة وعددهم 57 ” وتحدّيهم الضغط وهرسلة رئيس مجلس النواب الذي نصّب نفسه عدوًّا للصحفيين” وفق تعبيره. مضيفا أنّه ( أي رئيس مجلس نواب الشعب) ” أصبح يتصرّف في البرلمان باعتباره مزرعة خاصة، رافضا تطبيق القانون”.

فأبواب البرلمان غدت مغلقة في وجه الصحفيين نتيجة هذا الوضع، و”كلّ الخطوات لم تقنع رئيس المجلس ومكتبه لتمرير المبادرة التشريعية إلى الجلسة العامة”.

إنّ تنقيح المرسوم 54 في الحد الأدنى أو إلغاءه يُعدُّ اليوم نقطة اتّفاق واشتراك ليس لدى المنظمات الوطنية وأطياف المعارضة المختلفة فقط، وإنّما لدى الموالاة كذلك. وكلّ هذه الأطراف تُجمع على أنّ المرسوم غير دستوري وجُعِل للترهيب والتخويف.

ولاحظ النقيب زياد دبّار أنّه بالرغم من أنّ المرسوم 54 يتعلّق بمكافحة الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتّصالات “فإنّنا لم نسمع بقضيّة واحدة أو بفتح بحث تحقيقي في موضوع له صلة بسبب وجود المرسوم ، لكن أجهزة الدولة لا تتردّد في التسريع ومخالفة الإجراءات في الإحالات ذات العلاقة بحرية التعبير بما هي حرية أعمق وأوسع من حرية الصحافة”.

وخلص دبّار في مداخلته الافتتاحية للجلسة الحوارية إلى أنّ ضرب حرية التعبير من شأنه نسف المكسب الوحيد للثورة. ودعا في الختام إلى ضرورة إلغاء الفصلين 24 و 28 لأنّهما ينسفان كل الضمانات التي أقرّها الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس، ويجعل ” الشعارات التي ترفعها السلطة في واد والواقع في واد آخر”.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *