في تصريحٍ خاصٍ لبوابة تونس، حذّر رئيس المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي، من المخاطر التي يطرحها مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين، والذي يكرس مفهوم الإفلات من العقاب ويمنح سلطةً مطلقةً لقوات الأمن للعمل “دون رقابة أو محاسبة”.
وفي خضم الجدل المثار مجددًا حول القانون بعد إحالته الثلاثاء 6 أكتوبر على الجلسة العامة بالبرلمان لمناقشته، اعتبر الجلاصي أن عددًا من البنود تمنح حصانة مطلقة لقوات الأمن، وتوفّر ضمانات بعدم مساءلتها عن أي تجاوزاتٍ أو أخطاءٍ أثناء مباشرتها لمهامها، ما يعد ضربًا لمفهوم المحاسبة ويمهد لإطلاق يد المنظومة البوليسية من جديد.
وعلى صعيد المصطلحات، أشار نقيب الصحفيين التونسيين إلى توظيف عددٍ من العبارات الفضفاضة والعامة، على غرار “أسرار الأمن الوطني والتهديدات الجديّة”، بما يفتح المجال أمام إمكانية تأويلها واستعمالها من السلطة بطريقة تعسفية وتقديرية”.
غياب تعريفاتٍ دقيقةٍ ومحددةٍ لمثل هذه المصلحات العامة بمشروع القانون، يشكل بحسب الجلاصي، أداةً لضرب حرية التعبير والتضييق على الصحفيين، بشكل قد يتحول معها نشر فواتير تزوّدٍ وشراءاتٍ عاديةٍ لوزارة الداخلية ضمن تحقيق صحفي، إلى قرينة للاتهام بالمس بأسرار الأمن الوطني على سبيل المثال.
وفضلًا عن هذه المحاذير، يشكّل القانون الجديد مسًا بحق الصحفي في الوصول إلى المعلومة ونشرها، ويحد من قدرته على التغطية، ويمهّد للتضييق على الحريات الإعلامية، حيث يسوّغ لعون الأمن اتخاذ أي قراراتٍ أو إجراءاتٍ بحجة القيام بمهامه، ما يجعل الصحفيين أمام خطر المنع من التصوير والاعتداء خلال التغطية الميدانية للتحركات أو التظاهرات، كما أنه يتناقض مع حق الصحفيين بالعمل والتصوير والنشاط بمختلف الأماكن المفتوحة والمغلقة، باستثناء المنشئات العسكرية والأمنية.
ونبّه محدثنا إلى أن بعض التهم لا تتلاءم مع الأحكام المشددة المنصوص عليها بمشروع القانون، على غرار “التحقير من المؤسسة الأمنية” والتي تبلغ عقوبتها 10 سنواتٍ سجنًا، وهي عقوبة متشددة لا تتلائم مع التوصيف القانوني ولا يمكن مقارنتها بجرائم مادية أشد خطورة.
وكانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين قد بادرت في مناسباتٍ سابقةٍ، إلى إبداء تحفظاتها على مشروع القانون بصيغته الحالية، والتحذير من تبعاته على الحريات معتبرةً انه يمهد للعودة إلى المربع الأول.
وحول هذه النقطة، شدّد نقيب الصحفيين على أن هذا القانون “جاء لضرب مكاسب الثورة والالتفاف عليها، والتي تشمل أساساً الحريات بصفة عامة وحرية الصحافة والتعبير بصفة خاصة، كما يصفه بعض النشطاء الحقوقيين وممثلو المجتمع المدني بمشروع الانتقام من الثورة”.
الحصانة القانونية التي يمنحها المشروع لأعوان الأمن تطرح بحسب الجلاصي مخاوف عديدة، إذ تهدد بإسقاط حقوق المتضررين من التجاوزات، وتقويض الجهود والتقاليد التي كرستها المنظمات الوطنية والحقوقية طوال السنوات الماضية في استرجاع الحقوق ورد الاعتبار، عند تسجيل تجاوزاتٍ أو توثيق حالات هرسلةٍ وتعذيبٍ من جانب بعض عناصر المؤسسة الأمنية.
كما كشف الجلاصي، أن نقابة الصحفيين تعمل على التحرّك على أكثر من واجهةٍ ضمن جهودها للمطالبة بإعادة النظر بهذا القانون، من خلال رسالةٍ مفتوحةٍ إلى رئيس الجمهورية بصفته حاميًا للدستور وضامنًا للحقوق والحريات، إلى جانب الحوار مع الكتل النيابية وطرح وجهة نظرها، بالاشتراك مع عديد المنظمات الوطنية والجهات الحقوقية والمدنية.