“زمن الطوابير في تونس”.. المدوّنون يتفاعلون مع تجدّد أزمات نقص المواد الأساسية خلال رمضان
قد يُخيّل لمن يرى ذلك المشهد للوهلة الأولى، أنّ الصور التي نشرتها إذاعة “جوهرة آف آم”، توثّق عشرات من المصريين أمام إحدى “الجمعيات الاستهلاكية”، ينتظرون قنينة زيت وبعض السكر أو شيئا من الدقيق، في عز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها “مصر المحروسة”، نتيجة غلاء فاحش فاق كل المستويات، ونقص مزمن في المواد الاستهلاكية بسبب عدم توفّر النقد الأجنبي، ما أدّى إلى تعطّل توريد احتياجات الأسواق المحلية.
وربما يشطح خيال المشاهد قليلا، إن لم يكن من أهل البلاد، وغير مطّلع على “زمن الطوابير” الذي دخله التونسيون منذ زمن غير بعيد، فيظن أنّ المشهد يعود إلى سنوات الحرب في سوريا، والتي جعلت من توفّر المواد المعيشية للسواد الأعظم من السوريين، مرتهنا بساعات من الانتظار أمام المجمّعات الحكومية التي توفّر المواد المدعّمة لحاملي البطاقات التموينية.
“طوابير حرب التحرير”
في كل الأحوال، قد لا يختلف حال الشعبين العربيين الشقيقين، فكلاهما في “الطوابير والحرب شرق”، إذا باتت الصفوف الطويلة، خبزا يوميا للتونسيين وفعلا يتكرر أمام المخابز والفضاءات التجارية، وحتى عند محالّ المواد الغذائية، ومطاحن القهوة، على وقع حديث رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن “حرب تحرير وطني”، ضد الفساد.
“ثقافة الطوابير”، تغلغلت في سلوك التونسيين، حتى أضحت أشبه بـ”إدمان لا فكاك منه” -على حد توصيف أحد المدونين على منصات التواصل الاجتماعي- وذلك في ظل تواتر أزمات المواد المفقودة من الأسواق، والتي لم تستثن إلّا الشيء القليل من المنتجات المدعّمة والأساسية.
التراجع النسبي في نقص بعض المواد المدعّمة، بعد حلّ معضلة الحليب وتوفير كميات من القهوة، لم ينه ظاهرة الطوابير، في معظم أنحاء تونس، خاصة مع بداية شهر رمضان المعظم، فلم تكد تنقضي أيام معدودات منه، حتى تجدّدت “موقعة الصفوف” بمدينة سوسة والتي وثّقت عدسة “جوهرة آف آم”، بعضا من ملامحها.
جمر من تحت الرماد
المشاهد التي تنقل انتظار عشرات المواطنين أمام إحدى نقاط البيع “من المنتج إلى المستهلك”، أعادت “تحريك الجمر من تحت الرماد”، وأثارت انتقادات عشرات من المدونين والناشطين على “فيسبوك”، والذين صبوا جام غضبهم على هذه المشاهد التي “تمتهن كرامة المواطنين”، وتلخّص “إخفقات السلطة في حل الأزمات الاقتصادية وتوفير السلع الأساسية، حسب منشوراتهم.
ونشرت إذاعة “جوهرة” الصور على صفحتها الرسمية مرفقة بتعليق: “نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بسوسة.. كلغ من السكر والدقيق والسميد لكل مواطن”.
وتقوم وزارة التجارة بالإشراف على نقاط البيع من المنتج إلى المستهلك وتنظيمها خلال شهر رمضان، لتوفير السلع والمواد الاستهلاكية، من خضر وغلال ولحوم وغيرها من المنتجات الغذائية، بأسعار تفاضيلية، لكن أغلبها تحوّل إلى منفذ للحصول على بعض المواد الأساسية المفقودة، أما اللحوم والدواجن فصارت خارج دائرة اهتمام التونسيين نتيجة ارتفاع أسعارها المشط.
“إنجازات غير مسبوقة وقصة نجاح تونسية”
كثير من المغرّدين أعادوا نشر الصور مرفقة بتعليقات تراوحت بين الانتقادات الحادة والسخرية المغمّسة في الكوميديا السوداء، فيما وجّه مدونون آخرون اتهامهم لرئيس الجمهورية قيس سعيّد وحكومته بالمسؤولية عن هذا الوضع.
كتب المدوّن الساخر محرز بلحسن: “كلغ من السكر والسميد، جاءنا الخير وربي يزيد”، مضيفا بالإنجليزية: “قصة نجاح تونسية”.
أما رياض بن معاوية فعلّق قائلا: “معركة تحرير وطني وإنجازات غير مسبوقة في التاريخ”.
من جانبه، توقّع كمال زروق أن تشهد المرحلة القادمة قيام الطائرات بإلقاء الطعام والمساعدات الغذائية على التونسيين من الجو، فيما علّق الصحفي أيمن عبروقي: “الشعب الذي أبهر العالم في العلو الشاهق يقف في صفوف طويلة في سبيل كلغ من السكر والدقيق في نهار رمضان”.
أما صفحة “الشعب فايق بيكم”، فقد نشرت تدوينة “تقول أنتم تريدون هنيئا لكم”.
في المقابل، قالت إقبال بية إنّ هذا المشهد “يقربنا إلى مجاعة عام 1784 في تونس”، مضيفة: “الحمد لله أننا وصلنا مرحلة بيع المواد الغذائية تحت حراسة الأمن وليس توزيعها مجانا”.
محمد حسين أحمد تفاعل بدوره مع الصورة فدوّن: “واصلو التطبيل والتزمير ولا رجوع إلى الوراء”، أما محمد بن بشير فاعتبر أنّه “لا ينقصنا سوى بطاقة التموين”، على شاكلة الوضع في مصر.
منشور الصحفية بجريدة الصباح منية العرفاوي جاء مغمّسا بالمرارة، والغضب المكتوم وتحذير ضمني من “تصديق الوهم” على حدّ قولها.
وكتبت منية: “الطوابير مهينة، لكن السكوت على الظلم أكثر إذلالا، وتصديق الوهم أكثر إهانة”.