ثقافة مدونات

“نصف روح”… فيلم فانتازي سريالي ساخر يلخّص أوجاع تونس في العشرية الأخيرة


صابر بن عامر

في ثلاث وعشرون دقيقة لخّص المخرج السينمائي التونسي مروان الطرابلسي أوجاع تونس ما بعد ثورة 14 جانفي/ يناير 2011، في قصة فانتازية سريالية ساخرة لأب اسمه ناجي لديه ابنة وحيدة اسمها أمل أصيبت فجأة بجلطة في الدماغ، فيضطرّ الأب المحال حديثا على التقاعد الوجوبي بعد أربعين عاما من العمل العشوائي إلى بيع نفسه، أو ما تبقى من عمره بمقابل ألف دينار للسنة الواحدة.

تحاليل طبية تقرّ بأن الأب الستيني بقي له من العمر عشر سنوات وستة أشهر وبضعة أيام، أي أنه سيقبض نظير تبرّعه بروحه، وفق الإعلان الإشهاري الذي سمعه على موجات الأثير، والذي يقول بالعامية التونسية: “بيع روحك، التبرّع بالأرواح أجمل تبرّع” عشرة آلاف وست مائة دينار مع خصم نسبة 10 بالمائة، معاليم دفنه بعد وفاته، والحال أن العملية الجراحية المستعجلة التي ستُعيد إلى صبيته الحياة تتطلّب 15 ألف دينار تونسي. لكن لا بأس فناجي سيتدبّر الأمر، كلّفه ذلك ما كلّفه.

الكوميديا السوداء المعتمدة في الفيلم الروائي القصير الثالث للطرابلسي، تذهب إلى مداها حين تُعلن أم لديها ابن من أصحاب الاحتياجات الخاصة لا يمكنه بيع روحه بالسعر ذاته وإن كان في ريعان الشباب، فهو “معوق” والسعر يتحوّل في مثل حالته إلى النصف.

“إنت علاش (لماذا) تحب تبيع روحك؟” هو السؤال المكرّر الذي يتبادله المتبّرعون في ما بينهم، فيجيب الأول، كي أتمكّن من تزويج ابنتي، ويقول آخر كي يتمكّن ابني البكر من شراء السيارة التي يحلم بها، وهكذا دواليك وحواليك في بهو المصح الخاص الذي يُتاجر بأرواح البشر!

ولأن الصبية المريضة اسمها أمل، يأتي الأمل والفرج أيضا من إعلان إشهاري آخر يبثّه المذياع، تقول فيه المذيعة: “إذا تحب تقسم حياتك مع الشخص إلي تحبو، توة (الآن) ممكن، تنجم (تستطيع) تهديلو نصف روحك، وتعيشو الاثنين متهنين (في أمان)”.

وينتهي الفيلم المعنون بـ”نصف روح” وأمل وأبوها على شاطئ البحر يتأملان الأفق البعيد، بينما يمرّ أمامهما حصان أبيض، في رمزية للتحرّر والانعتاق من أدران اليومي المقيت الذي استباح أرواح الناس كي يعيش أحبتهم، أو لتحقيق طموحات بسيطة لأبنائهم الذين عبثت بهم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ما انفكت تعيشها تونس على مدار عشرية كاملة.

وعلى أنغام أغنية “الوردة الصديقة ستحيا هذا الصباح” للفنانة مريم لعريض يُقفل الفيلم الذي أجاد دور البطولة فيه كل من عبد القادر بن سعيد وآمنة حلفاوي والطفلة أمل، مؤكّدا أن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” أسوة بمقولة شاعر الحرية محمود درويش.

وفيلم “نصف روح” الذي كان لبوابة تونس سبق مشاهدته قبل عرضه اليوم 6 مارس/ آذار الجاري ضمن النسخة الحادية عشرة من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية المقامة حاليا بجنوب مصر، والتي تتواصل فعالياتها حتى العاشر من مارس/ آذار، ينافس على جوائز الفيلم الروائي القصير التي تشمل إلى جانب الفيلم التونسي، خمسة أفلام من مصر، وهي: “بتول” لمحمد زهران، و”أوضتين وصالة” لمينا ماهر، و”جنازة حارة” لمحمد محمود، و”الوصول متأخر” لضحى حمدي، و”خريطة” لماغي مرجان، علاوة على الفيلم الجنوب إفريقي “أزمة قلبية” لمننهلي لوثولي، والفيلم الأوغندي “16 جولة” لأوساما موكوايا، و”مع السلامة دمار” لديفيد إيدم دتيب من غانا، و”مينيزي” لإليزابيث أسودونغ ليمو من توغو، و”بلاط الملك” لإميمديه باكوم نكولو من الغابون، و”أين أنا؟” لدنيس ميالا من أنغولا، و”بيبي بلوز” لديوب مامامدو من السنيغال وفرنسا، و”نكون عظاما” لدينيس فاليري نداييشيمي من رواندا والفيلم المغربي “خيط رفيع” لوجدان خالد.

وتتكوّن لجنة تحكيم المسابقة من الممثلة والمطربة التونسية غالية بن علي، إلى جانب كل من المخرج خالد الحجر والناقد أحمد شوقي من مصر، والمخرج المغربي داوود ولاد السيد، بالإضافة إلى المخرجة المالية فاتوماتو كوليباليز.

ويعدّ “نصف روح” الروائي القصير الثالث للمخرج السينمائي والتشكيلي والفوتوغرافي مروان الطرابلسي بعد فيلميه الروائيين القصيرين “في عيني طفل” (2007) و”أمي نجم النجوم” (2008)، علاوة على أفلامه التسجيلية الثلاثة الأخرى “الرجل الذي أصبح متحفا” (2019) و”صامدون” (2012) و”المُغرّبون” (2014). كما له العديد من المعارض الجماعية والفردية بتونس وليبيا والمغرب ومالي وفرنسا، كان آخرها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي برواق “صلاح الدين” بضاحية سيدي بوسعيد بالعاصمة تونس حمل عنوان “تأمّل داخلي”.