لايف ستايل

نساء يُطعمن تونس…”كسرة الغنّاي” مهارات الكادحات في سيدي بوزيد

تتصاعد أعمدة الدّخان من بيوت الأحياء الشعبية بمناطق سيدي بوزيد، كل مساء، طيلة شهر رمضان المعظم، حيث تضطر عشرات النساء إلى العمل على تحسين مداخيلهن المادية من خلال تحضير وبيع كسرة الغنّاي وهي رغيف خبز يخبز في طاجن من الطين النضيج الأحمر.تلجأ الكثيرات من النساء إلى شراء الغنّاي وهو طاجن خاص لإعداد كسرة الغناي قبل أيام من شهر الصيام. تنصب النساء على حافة الطرقات خيمة صغيرة، وأخريات يتخذن ركنا في منازلهن لصنع الكسرة، التي تباع فيما بعد في الأسواق والمحلاّت التجارية. عدد كبير من أهالي سيدي بوزيد يستهلكون الكثير من الخبز، باعتباره مادة غذائية أساسية على مائدة الطعام في رمضان وغيره في كامل ربوع تونس.

 سالمة والغناي
سالمة، أرملة وأم لخمسة أطفال، لعبت دوراً كبيراً في التخفيف من الطوابير أمام المخابز العصرية وأمّنت لقمة صغارها دون أن تنتظر مِنّة أو صدقة من الدولة أو من فاعلي الخير.

تتحدث سالمة بثقة لبوابة تونس في سيدي بوزيد أمام طاجنها (الغناي) بعد صلاة العصر، بعد أن جمعت الحطب وكدسته داخل الخيمة وجلبت معها كمية كبيرة من العجين المخمّر، منذ ساعات الصباح. تشرع أمام عدستنا في تقطيع العجين وتقول إنها تقوم بهذا عصر كل يوم وأحيانا كل مساء. تعد سالمة أزيد من أربعين رغيفاً كل يوم، لتبيعها في سوق الحي قبل موعد الإفطار. 
وأشارت محدثتنا إلى أن بيع الخبز يعتبر وسيلة لها لكسب القليل من المال بعد وفاة زوجها، فلم تجد أمامها سوى الخروج ومواجهة الحياة اليومية، حيث تعتبر نفسها “رجل البيت” بالنسبة إلى أسرتها الصغيرة المكونة من خمسة أفراد وفق تعبيرها.
سالمة ليست الوحيدة ممن دفعتها الحاجة إلى امتهان بيع الكسرة، عشرات النساء يبعن الخبز (الكسرة) في الأسواق وعلى جنبات الطريق، حيث تتمثل مهمتهن اليومية في اقتناص الزبائن والمارة، خاصة في الأحياء الشعبية حيث تعد مهنة بيع الكسرة تجارة رابحة ومدرة للمال.

طوابير أمام بيت شادية
غير بعيد عن منزل سالمة، نجد شادية وأخواتها قد نصبْن الطواجن (جمع غنّاي) داخل محل قررن تأجيره بمناسبة حلول شهر رمضان، خصيصا لطهي الكسرة.

وأمام المحل تنتصب طوابير طويلة كل مساء من رجال وشباب وحتى نسوة ينتظرون جميعا دورهم، علّهم يغنمون ” كسرة” بثمن 800 مليم (ربع دولار)
خلال رمضان من العام الفارط لم تتمكن شادية و لا شقيقاتها من ممارسة عملهن بسبب جائحة كورونا وماخلفته من أزمات اقتصادية، بسبب فقدان مادة السميد وهي المادة الرئيسية لتحضير ” الكسرة”.
رحلة بيع الخبز، صارت يومية بالنسبة إلى الكثيرات من نساء سيدي بوزيد، هروبا من مشاق العمل في الأراضي والضيعات الفلاحية، لا سيما مع ما تخلفه هذه الأعمال من تعب وإرهاق ومصير مجهول بسبب خطر نقل النساء على متن “شاحنات الموت” وهي شاحنات تحمل النساء العاملات في الزراعة إلى الحقول دون احترام سلامتهن الجسدية.