ثقافة

نجيب ڨاصة لبوابة تونس: الطمع وجلد الذات أباحا التمويل الأجنبي في السينما التونسية

“هشاشة المبدع أمام المال الأجنبي سبب أزمة السينما التونسية وانحصارها في ثنائية الجنس والإرهاب”.. ناقد فني يُؤكّد

معتقلو 25 جويلية

صابر بن عامر 

انتقد الناقد الفني التونسي نجيب ڨاصة في تصريح لبوابة تونس، ظاهرة التمويل الأجنبي في السينما التونسية، ومدى ارتباطها بثنائية “تابوه” الجنس والإرهاب لعقود، منطلقا من مجموعة من الأسئلة الخاصة التي يطرحها بشكل إنكاري، أولها، هل أنه من الواجب اعتبار سيزيف سعيدا كما يزعم ألبار كامو؟

وهل أنّ لعمل الفنان عذابات كعذابات سيزيف؟ وهل يُمكن اعتبار العمل السينمائي معاناة شاقة ترهق المبدع وتدفع به إلى متاهات مقاومة إنتاج اللّامعنى والتفاهة؟

فن السينما بتونس هواية أم صناعة؟

ويسترسل الناقد الفني الناطق بالفرنسية طارحا أسئلته الإشكالية، بقوله: “هل تتطابق مرجعيات السينما مع قيم الجمال ومبادئ الفكر والتزام العقلانية و”إيديولوجيا” المقاومة، وحتمية نبذ الانبتات، وتأصيل الذات والتوق إلى الترقّي لحفظ الكرامة، وممارسة الحرية المؤنسنة تأصيلا للتحرّر من سلاسل التبعية للغرب “السوبريماسيست” والعبودية الفكرية والمالية، منها خاصة؟”.

ويُواصل: “ما هو الهدف من إنتاج سينما ما في بلد ينتمي إلى العالم الثالث يشكو من نخبة لا تؤمن إلّا بالربح السهل والسريع، وبمنزل لائق، وسيارة فخمة، و”ظاهر paraître” عصري أنيق، على حساب نوعية الفيلم؟

ويختم: “هل يُمارس فن السينما بتونس هواية أم صناعة (Industrie du cinéma)؟”.

رخاوة المبدع التونسي أمام الدعم الأجنبي

عن كل هذه الأسئلة، يُجيب ڨاصة، غير مُنكر “أنّ الصناعة عملية ربحية أو لا تكون، إلّا في المجال الثقافي، حيث يبقى الإبداع عنصرا مرجعيا في الإنتاج الصناعي، لا يستقيم دونه المربّع الجمالي”، وفق تقديره.

ليعود طارحا أسئلة إنكارية أكثر تعقيدا ممّا سبق، بقوله: “هل تتماهى الثقافة السينمائية مع مرجعيات بقية مجالات الإنتاج الفكري والإبداعي بالبلاد التونسية؟

وماذا لو قارننا أحد شعراء شارع الثورة مع أحد “المغمورين” ممّن ينتمون إلى الحقل السمعي البصري؟ فهل تستقيم المقارنة بينهما؟

في هذا الخصوص يُؤكّد ڨاصة “أنه لا مقارنة إلّا بين متشابهين!”.

ويوضّح: “لن نتمكّن من فهم مجال الإنتاج السينمائي إلّا بمقارنته بخط إنتاج الكتاب، مقارنة بما ترصده وزارة الشؤون الثقافية (باللغة المالطية تترجم هذه الكلمة بـ”الأفاريات”) الثقافية من تمويل للمجالين مع اعتبار نسبة التمويل الخارجي”.

وفي ذلك يقول: “هنا يكمن بيت القصيد، لأن المواطن العادي لا يرى منه إلّا سنام الجمل”.

ويُعلّل طرحه، باستلهام سؤال حارق جديد، مفاده: “هل للمال، أساس الفكر الرأسمالي الغربي، دخل في هوية المبدع التونسي والتزامه بقضايا الوطن، السياسية منها والاجتماعية والجمالية؟”.

ويزيد عليه بسؤال آخر أكثر حُرقة: “منْ منَ المبدعين أكثر هشاشة أمام المال الأجنبي، الشاعر البوهيمي أم السينمائي الـ”محڨور” (المهمّش)، أم الروائي، أم الفنان التشكيلي، أم المسرحي؟”.

ويسترسل: “لماذا يشكو المواطن التونسي نتاجا يترقّى بذوقه انطلاقا من نص وصورة تلمس علاقته العضوية مع واقعه أم أنّ هذا “الواقع” واقع حتى قاع السقوط؟”.

وبالعودة إلى اعتبار سيزيف سعيدا كما يزعم ألبار كامو؟ يقول ڨاصة: “لو قارننا سيزيف، وهو يتّخذ موقفا فلسفيا بكرامة إنسانية فذّة في وجه عقاب الآلهة، يُقارع ظلمها ويتحدّى تعسّفها، متسلّحا بشعور مفعم بسعادة المبدع السينمائي، وهو منبطح أمام آلهة الغرب، يستجدي “عطفها” وتمويلها لجلد ذاته حسب شرط “العازب عالهجالة” (مثل شعبي تونسي مفاده: شرط الأعزب على الأرملة)؟”.

وهنا يتساءل ڨاصة مرّة أخرى: “ما مدى انخراط وزارة “الأفاريات” -كما يوصّفها- (الشؤون) الثقافية في هذا الأخطبوط الفاسد المُفسد للعقل والهوية والإنسانية والإبداع؟”.

ومن ثمة، يرى الناقد التونسي أنّ “على الوزارة مراجعة كلّ المنظومة المتعلقة بالإنتاج الثقافي بصفة عامة والسينمائي بصفة خاصة، بعيدا عن “مافيا” العلاقات الداخلية والأجنبية المقيتة، وفق تصريحه لبوابة تونس.

ويسترسل: “لو بحثنا عن مُراكمة ثقافة وطنية ببلادنا منذ البدايات، لما توفّقنا إلى الحد الأدنى من الشعور بالانتماء في أغلب الأعمال السمعية البصرية التونسية“.

دعوة إلى حوار وطني يُؤصّل الهوية الثقافية

ولتفادي كل ما سبق، يُشدّد ڨاصة بقوله: “حين يفشل الفنان التونسي في خدمة ثقافته الوطنية للولوج في العالمية ببعده المحلي، لا يمكننا إلّا سحب صفة المبدع منه، والدعوة إلى حوار وطني (Les états généraux de la culture) حول دور الإنتاج الثقافي بالبلد، وحتمية تحمّله لوزر تصوّر ثقافي يليق بتاريخ تونس وتراثها وثروتها وثورتها ومستقبلها”.

فهو يرى أنّ واجب النخبة يتلخّص في تحقيق تصوّر مجتمعي يترقّى بمستوى الشعب والمواطن، سيما المواطن-الشبل الذي سيحمل المشعل مستقبلا، شريطة أن يكون ندا لسيزيف مفعما بسعادة مبدعة تقارع واقعا محبطا وتتحداه، وفق تقدير ڨاصة.

ويُؤكّد: “لا فن في المطلق دون ملكة النقد، ولا سينما دون إيقاع الإشكال المجتمعي وطرحه على قارعة الفضاء العام لتداول أبعاده ونقاش مستوياته وإنجاز مخرجات تنهض به”.

فالفن الذي لا يهتمّ بالشأن العام يبقى -من وجهة نظر محدّثنا- دون روح ولا أحشاء ولا حسّ جمالي إبداعي وأخلاقي.

ويزيد: “إنّ الفن إذا لم يحتكم إلى النقد، فهو سراب مجانب للحقيقة وللجمالية وللخير مستخرج من رحم الواقع ومن أنات المجتمع“.

وعليه، يدعو نجيب ڨاصة إلى تعزيز الإنتاج الثقافي الفكري السينمائي، بوصفه فعلا قادرا على إنتاج حيّز من السعادة في مجتمع يحتاج إلى فضيلة المحبة، وإيثار الآخر، والانخراط في مشروع مجتمعي أساسه المواطنة والوطنية المنفتحة على الثقافة الكونية.

عدسة: كريم كمون