تحت عنوان “هذه الحرب الغاشمة على غزة فلسطين: ستحفر أخدودا في مشاعر الكراهية المتبادلة”، كتب دكتور علم الاجتماع التونسي مهدي مبروك رسالة أدان فيها المجزرة التي ارتكبها المحتل، مساء الثلاثاء 17 أكتوبر، باستهدافه ساحة مستشفى الأهلي المعمداني في غزّة، وأسفرت عن ارتقاء أكثر 500 شهيد من الأطفال الأبرياء والنساء والمرضى العزّل، بدم بارد.
ويقول وزير الثقافة الأسبق في رسالته التي خصّ بها بوابة تونس: “الحروب كالحرائق التي تلتهم الأجساد، تنطفئ نيرانها ولكن تظل ندوبها وتشوّهاتها شاهدة على الجنون البشري الذي حلّ بهم ذات يوم فأكلوا لحم بعضهم بعضا”.
أهم الأخبار الآن:
ويسترسل: “لم يعد البشر يحتاجون إلى أن يلوكوا لحم بعضهم بعضا، ولكن ربما رائحة شواء اللحم البشري تظل لديهم أكثر انتشاء ونهما. الشواء هذا استعارة ابتكرها اليهود لوصف ما ارتكب في حقّهم ذات يوم حين فرمتهم آلة النازية المتوحشة.. ها هم يعيدون إحياء هذا الشواء على طريقتهم”.
كما شدّد مبروك في رسالة لبوابة تونس على أنّ: “صور الأشلاء المشويّة بآلة الحرب الصهيونية لم تعد خافية رغم التضليل الإعلامي الكبير الذي مارسته مئات الشركات الكبرى التي تُهمين على صناعة الصورة، ومع ذلك حصلت اختراقات مهمّة ظلت شاهدا على نفاق الضمير العالمي”.
كما يُؤكّد المدير الحالي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات -فرع تونس- أنّه: “كان على فرنسا أن تنتظر أكثر من أربعة عقود حتى تلطّف مشاعرها القومية تجاه الحرب التي شنّتها عليها ألمانيا، وما يزال بعض الفرنسيين عل “عدائهم” لها كلما جمعتهم مباراة كرة قدم تقابل البلدان في منافسة (المشاعر نفسها تقريبا بين الجزائر وفرنسا، بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، بين الصين وكوريا إلخ)”.
ويُواصل: “أما اليهود، فما زالوا يتذكّرون تفاصيل ما حلّ بهم في تلك الحرب، ويحيون ذاكرتهم باعتبارها واجبا بشريا، لذا ابتكروا أشكالا ماكرة من إحياء الذاكرة وجعلها متّقدة باستمرار: زيارة معتقلات الهلوكوست النازية، متاحف رهيبة، يُحيي الأدبي والسينمائي بطريقة تصل حدّ الإبهار والتخدير الناعم، وإصدار قوانين تعاقب من ينكر أو حتى يشكّك في هذه الحقائق التاريخية.. لتقف الحريات الأكاديمية عند هذا السياج”.
ويُؤكّد مبروك أنّ “الحرب الوحشية التي يشنّها الكيان الصهيوني على فلسطين/غزة (مع تمييع ناعم وماكر بتغييب فلسطين، وجعل الأمر كأنه خاص بغزة، مدينة لا تنتمي إلى وطن اسمه فلسطين)، ستنتهي بقطع النظر عن مآلاتها وتنقشع غبارها القبية، ولكن ستظل الندوب غائرة في قناعات الناس وأفكارهم ومثلهم وقيمهم”.
ويطرح الباحث والأكاديمي التونسي في خاتمة رسالته أسئلة، يبدو أنها ستظلّ عالقة، طالما الضمير العالمي في سبات عميق ويكيل بمكايلين، إذ يقول: “مَن مِن هؤلاء الفتيان والشباب العرب، وهم شباب الشاشات الموزعّة بين الحواسيب والهواتف النقالة والحواسب الشخصية، سيثق بعد كل ما حدث في أنّ البشر سواسية، وأنّ الأمم فعلا متحدة، وأنّه ثمة هيئات دولية يمكن أن نشتكي إليها حتى تنصفنا؟”.
ويسترسل: “مَن مِن هؤلاء تحديدا والأجيال التي هي بصدد تشكيل رؤاها حول العالم والآخر، يعتقد بعد كل هذه الأكاذيب أنّ لنا قيما كونية؟ وأنّ لنا “عيشا مشتركا” يُمكن أن نحياه مع آخر لا يعترف بنا ويصنّفنا حيوانات بشرية لا تستحق الحياة، وإن استحقّتها فهي حياة حيوان أو أقل، فحتى للحيوانات منظمات وقوانين تحميها..”.
و”مَن مِن هؤلاء الأجيال سيحتفي بكل نخوة واعتزاز وثقة بـ10 ديسمبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. هذه المنظومة التي ترتبك وتبدي خذلانها كلما أردنا أن نكون من جنس هذا الإنسان”.
ويختم تساؤلاته بـ”من منّا سينكر بعد اليوم أنّ الكيل بمكيالين هو القاعدة التي يستند إليها صانعو القرار كلما رأوا أنّ الضحية عربي؟”.
ويخلص مهدي مبروك إلى أنّ: “هذه الحرب ستضع أوزارها إن عاجلا أو آجلا، ولكن ستكون لها تداعيات بليغة. فرغم كل بشاعتها ثمة نور في كل هذه العتمة: إجلال المقاومة والكفّ عن شيطنتها وجعلها خيار ضرورة حين تشيح عن وجهها الأمم، عودة فلسطين في صدارة القضايا بعد أن خطف الربيع العربي والانقسام الداخلي منها البريق، نذالة التطبيع والمطبّعوين”.
ومهدي مبروك حاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1996، وحاصل على شهادة التأهيل الجامعي 2011، وشغل سابقا منصب وزير الثقافة بالجمهورية التونسية (2012-2014).
ومبروك، أستاذ محاضر بالجامعة التونسية يدرّس علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، وعضو المجلس العلمي للمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة)، وهو يدير حاليا فرع تونس للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.


أضف تعليقا