تونس

من مالي إلى إيطاليا.. رحلة مهاجر تقطّعت به السبل في تونس

في الطريق إلى مدينة صفاقس لتسليط الضوء على قضية المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء هناك، اعترضنا سايدو -كما سمّيناه- يمشي في الطريق السيارة على مستوى مدينة مساكن، مثقلا بإصابة في ساقه اليمنى.

معتقلو 25 جويلية

لفت انتباهنا وجود الشاب المالي الإفريقي في هذا المكان، وهو يبدو عليه التعب والإرهاق والجوع، في طقس شديد الحر (الساعة الثانية ظهرا).

الفضول دفعنا إلى التوقّف ودعوته إلينا وسؤاله عن قصته المؤلمة.

من الصحراء الكبرى إلى صفاقس

“انعدمت في بلادي (مالي) فرص العمل فلم أجد من سبيل غير عبور الصحراء إلى تونس”. هكذا تحدّث إلينا الشاب المالي، فقضيّته اقتصادية ورحلته غايتها البحث عن مورد الرزق وأسباب العيش الكريم.

من مالي إلى تونس تنقّل سايدو مع أفواج من أبناء جلدته فارّين من كابوس الفقر والجوع.

نقلتهم سيارات عبر الصحراء من مالي إلى أقصى جنوب الجزائر ومنها إلى التراب التونسي.

في كل بلد يمرّون به تتغيّر جنسية السيارة وسائقها، وكلما اعترضتهم شرطة الحدود يترجّلوا عن السيارات إلى أن يتواروا عن أنظار الحرس الحدودي، حينها تكون في انتظارهم سيارات جديدة لإكمال الرحلة، حتى الوصول إلى صفاقس صباح السبت 1 جويلية، حسب رواية المهاجر المالي.


ويفد المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، قادمين من سواحل ليبيا أو عبر الحدود البرية الجنوبية المشتركة مع ليبيا شرقا أو الجزائر غربا، قاصدين أوروبا.


ففي ماي الماضي، قضى سبعة من طالبي اللجوء في مدينة حيدرة بولاية القصرين غربي تونس، على ما أعلن مصدر طبي محلي، مرجّحا أن تكون الوفاة وقعت بسبب الجوع والبرد والإرهاق.


وتوافد على تونس الآلاف من المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء التي تمرّ بأزمات سياسية واقتصادية ونزاعات، ويتّخذون من المدن الساحلية مستقرا لهم إلى حين جمع المال ودفعه مقابل المشاركة في رحلات العبور على متن قوارب تقلّهم إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.


وعلى مدى الأشهر الماضية، لقي مئات المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء حتفهم في حوادث غرق قوارب قبالة سواحل صفاقس، وتكدّست جثثهم في المستشفيات التي عجزت ثلّاجاتها عن احتوائهم.

تجربة مريرة في صفاقس

من سوء حظّ الشاب المالي العشريني أنّه نزل في صفاقس في فترة صعبة، حيث يرفض أهالي المدينة إقامة المهاجرين غير النظاميين بينهم، لاسيما بعد أن أسفرت مواجهات بينهما عن وفاة شاب تونسي مساء الاثنين.

فالاحتقان في صفاقس لم يساعد ساديو على التقاط أنفاسه بعد الرحلة المضنية، حيث لم يجد الاستقبال الذي يحلم به، فمنذ اليوم الأول تعرّض لعملية سطو (براكاج) من قبل أشخاص تونسيين أطلق عليهم صفة “المافيا”، سلبوه جواز سفره ونقوده وهاتفه واعتدوا عليه بالعنف، حسب روايته.

وأثار مقتل رجل أربعيني سيلا من ردود الفعل العنصرية المطالبة بطرد المهاجرين غير النظاميين من صفاقس، وهي أهم نقطة عبور للمهاجرين غير القانونيين عبر البحر في اتّجاه السواحل الإيطالية.

دعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الدولة إلى تبنّي خطّة لمعالجة “فوضى” الهجرة غير النظامية، تضمن أمن سكان مدينة صفاقس وسلامة المهاجرين غير النظاميين.

وطالبت التونسيين بالتعقّل وعدم الانجرار إلى مربّع العنف، وعدم الانخراط في حملات التحريض على الكراهية والمعاملة على أساس اللون أو العرق وغيرها من مظاهر انتهاك كرامة الإنسان.

الحادثة المؤسفة التي تعرّض لها سايدو أعاقت رحلته نحو تونس العاصمة، حيث ينتظره شقيقه، فهو الذي كان يرغب في ركوب القطار، ثم ترتيب ما تبقى من الخطة نحو الضفة الشمالية من المتوسط.

انعدمت السبل أمام سايدو فغادر صفاقس مشيا على الأقدام باتّجاه العاصمة، في رحلة لا تقل عناءً عن تجربة عبور الصحراء.

تونس بوابة عبور إلى أوروبا!

لا يرغب سايدو في البقاء في تونس، فمكوثه هنا مؤقّت إلى حين حلول موعد رحلة جديدة أشدّ خطورة نحو أوروبا.
سايدو قال إنّه يريد الهجرة إلى إيطاليا قبل العبور إلى فرنسا، هناك يأمل في أن تتغيّر حياته إلى الأفضل.

وأظهرت بيانات نشرتها وزارة الداخلية في مارس الماضي، أنّ تونس تحوّلت إلى بلد عبور رئيسي في المنطقة للمهاجرين الذين يغادرون إلى إيطاليا على متن قوارب ضمن موجات الهجرة غير النظامية.

ووفق مهتمّين بقضايا الهجرة، فإنّ تونس أصبحت في السنوات الأخيرة (منذ 2021) تمثّل طريق الهجرة الجديد إلى أوروبا متفوّقةً على دول البلقان وليبيا والمغرب.

والثلاثاء، قالت الداخلية الإيطالية إنّ 100 ألف مهاجر أبحروا من سواحل شمال إفريقيا في محاولة للوصول إلى إيطاليا عبر وسط البحر الأبيض المتوسط في الأشهر الستة الأولى من عام 2023.

وفي ما يتعلّق بتونس، أظهرت البيانات أنّ وحدات الحرس الوطني اعتقلت 31111 مهاجرا غير نظامي من بينهم 29897 من مواطني جنوب الصحراء (و 1214 آخرين يُفترض أنهم تونسيون)، في 931 عملية في البحر نُفّذت في الأشهر الستة الأولى من عام 2023.

وفي 2018، كشفت وكالة حماية الحدود والسواحل الأوروبية “فرونتكس” أنّ الهجرة عبر ليبيا قد انخفضت بنسبة 87%، وحلّت تونس محلّها بسرعة منطلقا رئيسيا لمغادرة المهاجرين غير النظاميين.

وأدّى تزايد أعداد الوافدين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في تونس، إلى تحوّل الظاهرة إلى أزمة اجتماعية مدفوعة بتذمّر المواطنين الذين يعانون من تردّي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة.

وفي فيفري الماضي، شهدت تونس موجة من العنف المسلّط على المهاجرين وكادت الأحداث أن تتحوّل إلى أزمة دبلوماسية عاصفة بين تونس وعدد من دول القارة السمراء، بسبب تصريحات للرئيس قيس سعيّد، التي دعا فيها إلى تشديد القيود على المهاجرين المقيمين بطرق غير قانونية في الأراضي التونسية.

وقال سعيّد حينذاك: ” تونس تشهد ترتيبا إجراميا لتوطين المهاجرين الأفارقة، بهدف تغيير تركيبتها الديموغرافية كدولة عربية وإسلامية”، وهو ما اعتبرته دول إفريقيا ومنظمات دولية تصريحا يحمل معانيَ عنصرية.

ورحّلت البعض من سفارات دول إفريقيا جنوب الصحراء، رعاياها من المهاجرين غير النظاميين في تونس.