أعلنت إدارة المهرجان الدولي للحمامات في دورته الـ57، أمس الثلاثاء الفاتح من أوت الجاري، إلغاء حفل الفنّانة التونسية آمال المثلوثي، المُزمع تنظيمه في التاسع من أوت الجاري بالمسرح المحاري بالحمامات.
وبيّنت إدارة المهرجان في البلاغ ذاته، أنّه بإمكان كلّ من اقتنى تذكرة للعرض استرجاع ثمنها عن طريق الاتصال بإدارة المركز الثقافي الدولي بالحمامات “دار المتوسط للثقافة والفنون”، بداية من يوم الجمعة 4 أوت، من الساعة التاسعة صباحا إلى حدود الساعة الخامسة مساء.
ولم يتمّ ذكر أسباب إلغاء حفل آمال المثلوثي في نص البلاغ، إلاّ أنّ المُهتمّين بالشأن الثقافي في تونس، يُؤكّدون أن سبب الإلغاء تعود أسبابه إلى إحياء الفنانة التونسية، أخيرا، حفلا في إطار مهرجان “ليالي الطرب في قدس العرب”، الأمر الذي أسال حبرا إلكترونيا كثيرا، لكنّ الجدل تصاعد بشكل لافت، بعد نشر أحد البارات في الكيان المحتلّ، وهو “بار فتّوش”، معلّقة، يُعلن فيها أنّ المثلوثي ستؤمّن حفلا بهذه الحانة، الأمر الذي دفع بالعديد من النشطاء على منصّات التواصل الاجتماعي، إلى إبداء استنكارهم ورفضهم لما عدّوه “تطبيعا”.
تداعيات وتفاعلات
نشرت الحملة التونسيّة لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، رسالة مفتوحة وجّهتها إلى الفنّانة آمال المثلوثي، عقب إعلانها “إقامة حفل غنائي في القدس المحتلّة ضمن مهرجان “ليالي الطرب في قدس العرب”، بالإضافة إلى إحيائها حفلا آخر في رام الله، دعتها فيها إلى “مقاطعة ومناهضةِ التطبيع، وأن تكون قدوة للشباب التونسيّ والعربيّ في رفضِ الاعتراف بالكيان الصهيونيّ والالتزام الملموس بدعم القضية الفلسطينية”.
وكانت الحملة التونسيّة لمقاطعة ومناهضة التطبيع قد ندّدت “بوضوح وقوّة بالموقف التطبيعي المشين لآمال المثلوثي، وطالبتها بالتراجع عن قرارها. وفي حال رفضت ذلك، دعت الشباب التونسي والعربي والعالمي المُناصر للقضيّة الفلسطينية إلى مقاطعة أعمالها وحفلاتها في المستقبل”.
ومن جهتها، أعلنت المثلوثي في وقت سابق، عبر تدوينة نشرتها على حسابها بفيسبوك، ليل الخميس 27 جويلية الماضي، أنّها “قرّرت التخلّي عن فكرة إقامة حفل في مدينة حيفا المحتلة في فضاء يملكه فلسطيني، تفاديا لأي سوء فهم، وتبعا لما أثارته جولتها في الأراضي الفلسطينية من جدل وتباين في الآراء بين مرحّب ورافض”.
وأكّدت أنّ: “مناصرتها للقضيّة الفلسطينية مسألة محسومة، وأمر واقع تُعبّر عنه تصريحاتها، أغانيها ومواقفها”، وفق تدوينتها المُقتضبة.
كما تفاعلت الفنانة أيضا ردّا على أحد التعليقات، فقالت إنّ “كل الحفلات منظّمة مع الفلسطينيين وفي قاعات فلسطينية ومهرجانات فلسطينية، بمشاركة فنّانين مثل فرج سليمان وناي برغوثي مثلا، وأنّ صورة المعلّقة مكتوب فيها فلسطين”.
وعلى إثر البيان الصادر، أمس الثلاثاء، من إدارة مهرجان الحمامات الدولي، والقاضي بإلغاء حفل المثلوثي، دون ذكر الأسباب، كتبت الفنانة تدوينة جديدة، اعتبرت فيها أنّ إلغاء عرضها ضمن مهرجان الحمامات الدولي “غير مبرّر وتمّ بطريقة عشوائية وغير محترمة”، مبيّنة أنّه يأتي بعد حملة شنّها الكثيرون عليها، على خلفية إحياء ثلاث حفلات في رام الله وبيت لحم والقدس، ضمن مهرجان ليالي الطرب بقدس العرب، بدعوة من معهد إدوارد سعيد. وقالت: “هناك عقد موقّع مع المهرجان، وهناك قوانين لإلغاء الحفلات”.
كما أشارت المثلوثي في مداخلة هاتفية خلال برنامج “كورنيش” على راديو موزاييك، الثلاثاء غرّة أوت 2023، أنّها علمت بقرار الإلغاء من إحدى متابعاتها التي تلقّت بريدا إلكترونيا من إدارة المهرجان”.
وفي السياق ذاته، شدّدت المثلوثي على أنّ اتّهامها بالتطبيع غير منطقي، قائلة: “الجميع يشهد على حبّي لفلسطين، منذ بداياتي.. لقد رفعت رايتها في كلّ المنصّات العالمية”.
وتساءلت في استنكار: “آمال المثلوثي التي كلّ أغانيها عن الحرية والإنسانية، تُتّهم بالتطبيع!؟”.
وأوضحت أنّها لم تُغنِّ في مدينة حيفا، مُشيرة إلى أنّها “كانت فكرة، وأُلغيت، بعد أن انسحبت باقتناع منها”.
وتابعت: “فلسطينيون تواصلوا معي للمشاركة في الحفل.. أصوات فلسطينيّة مع أصوات عربية، والتنظيم فلسطيني.. ما المشكل في ذلك؟ دخلت إلى فلسطين عبر ختم فلسطيني، ولم أتعامل بأيّ شكل من الأشكال مع أيّ إسرائيلي”.
وأردفت أنّ “زيارة السجين لا يُمكن أن تكون تطبيعا مع السجّان”، مؤكّدة أنّ “المشاركة في الحفل لا تعني التطبيع، بل هو نوع من المقاومة”.
ردّ مهرجان الحمامات
اليوم، الأربعاء الثاني من أوت، تحدّث مدير الدورة الـ57 لمهرجان الحمامات الدولي نجيب كسراوي، إلى وكالة تونس إفريقيا للأنباء “وات”، قائلا إنّ إدارة المهرجان لها من الحجج والبراهين ما يجعلها كفيلة باتخاذ قرار إلغاء حفل آمال المثلوثي، الذي كان مبرمجا ليوم 9 أوت الحالي، بمسرح الهواء الطلق بالحمامات.
وأضاف أنّ هيئة المهرجان تابعت موضوع إحياء المثلوثي لحفلها في الأراضي المحتلة وحيثيّاته، و”نحن لا نقبل مواصلة برمجة حفل هذه الفنانة على ركح مهرجان الحمامات الدولي”.
وأكّد أن قرار الإلغاء “لن تكون له تبعات قانونيّة أو مالية”، مُشيرا أيضا إلى أن إدارة المهرجان لن تقوم بخلاص أجرة الحفل، ولها من الحجج ما يؤهّلها للدفاع عن المهرجان وعن المؤسّسة المنظّمة للمهرجان”.
وتقول مصادر صحفيّة تونسية إنّ المثلوثي أحيت ثلاث حفلات بكل من مدن القدس وبيت لحم ورام الله، أيام 27 و28 و29 جويلية الماضي. وقد أثار إعلانها عن تقديم حفل في مدينة حيفا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة جدلا عميقا، ما دفعها للإعلان عن إلغائه منذ نحو أسبوع، حسب ما نُشر على صفحتها على فايسبوك، وهو ما لم يحصل.
بين اضطرار واختيار
مهما يكن من أمر إلغاء حفل آمال المثلوثي بمهرجان الحمامات، فيبدو أن التوصيف الأسلم لمهرجانات صيف تونس 2023، هو موسم الإلغاءات، فقبل ساعات من عرض، الليلة الأربعاء 2 أوت، فوجئت إدارة الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي، فجر اليوم الأربعاء، بإلغاء مجموعة “بيغفلو وأولي”، الثنائية الفرنسية، لحفلها المبرمج مساءً بالمسرح الأثري بقرطاج.
وقالت إدارة المهرجان في بيان إنّه في وقت حضر في الفريق التقني لتركيز التجهيزات -بقرار منتج الحفل- بلغ الإدارة قرار مجموعة الراب الفرنسيّة دون ذكر سبب هذا الإلغاء.
وأضافت إدارة المهرجان، أنّه تمّت دعوة عدل تنفيذ لمعاينة ذلك، وتحميل مجموعة “بيغفلو وأولي” المسؤولية الكاملة في قرارها، وفق البلاغ.
وعبّرت إدارة مهرجان قرطاج عن أسفها “لهذا القرار الخارج عن نطاقها”، مؤكّدة للجمهور الذي اقتنى تذاكر هذا العرض أنّه يُمكنهم استعادة ثمنها، في انتظار إصدار بلاغ ثانٍ يحمل تفاصيل عمليّة استعادة ثمن التذاكر.
وفي الحادي والثلاثين من جويلية الماضي، أعلن مغنّي الراب الفرنسي من أصول كونغولية ماتر غيمس، إلغاء حفله في تونس ضمن فعاليات ”مهرجان الراب بجربة” في نسخته الأولى، المقرّر تقديمه يوم 11 أوت الجاري.
وأوضح مغنّي الراب عبر خاصية القصص القصيرة “ستوري” على حسابه بموقع إنستغرام، أن إلغاء الحفل يأتي على خلفية ما اعتبره ”معاملة تونس اللّاإنسانية تجاه مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء على الحدود التونسية الليبية”، وفق قوله.
واحتجّ مغنّي الراب على “طرد مهاجرين، من بينهم نساء وأطفال إلى الحدود مع ليبيا في ظروف لا إنسانيّة”.
وبعيدا عن الإلغاءات الاختيارية، سواء من إدارات المهرجانات أو الفنان ذاته، فإنّ للظروف القسرية دورا أيضا في بعض الإلغاءات، وهو ما حدث مع الفنانة الإسبانية آنا كريسمان، التي تعذّر عليها إقامة حفلها الذي كان مُبرمجا لسهرة الأحد 16 جويلية الماضي، ضمن مهرجان الحمامات الدولي في نسخته الـ57، وذلك نتيجة تعكّر مفاجئ لوضعها الصحي. واضطرّت إدارة المهرجان لإعادة ثمن تذاكر الحفل لأصحابها.
وفي السياق ذاته، أصدر مهرجان الحمامات الدولي، مساء اليوم الأربعاء 2 أوت، بيانا قال فيه: “في إطار الاستعدادات الأخيرة لتنظيم عرض الفنانة المالية فاتوماتا دياوارا، والمبرمج يوم الخميس 03 أوت 2023، ضمن فعاليات الدورة الـ57 لمهرجان الحمامات الدولي، تلقت إدارة المهرجان بريد إلكتروني صادر عن إدارة أعمال الفنانة المذكورة يتضمّن ملفا طبيا يُفيد بتعكر مفاجئ لحالتها الصحية ويلزمها عدم السفر.. وعليه، تُعلم إدارة المهرجان أنّه يتعذّر على الفنانة المالية فاتوماتا دياوارا إحياء الحفل المبرمج في سهرة الخميس 03 أوت 2023”.
وواصل البيان: “هذا وتتمنى إدارة المهرجان الشفاء العاجل للفنانة، كما تُعلم إدارة المهرجان أنّه بإمكان كل من اقتنى تذكرة للعرض استرجاع ثمنها عن طريق الاتصال بإدارة المركز الثقافي الدولي بالحمامات دار المتوسط للثقافة والفنون، بداية من يوم الاثنين 7 أوت، من الساعة التاسعة صباحا إلى حدود الساعة الخامسة مساءً”.. فأيّ حظ لمهرجانات تونس هذا العام مع الإلغاءات؟ وإلى أيّ حدّ ستؤثّر على الميزانيات؟
جمع وإعداد: صابر بن عامر