ظهر فن الخط العربي في بغداد والشام وازدهر في القيروان التونسية، هكذا يختزل البعض مكانة فن الخط العربي، في الإرث الثقافي والحضاري التونسيين.
رغم الدور الريادي للمشرق العربي في توطيد أركان هذا الفن وأبعاده الجمالية، وتهذيب أشكال الخطوط وملامح التزويق، إلا أن أفريقية تلقفت معالم هذا الفن الإسلامي الأصيل، وأسهمت في تأصيل مساراته الإبداعية وإثرائه.
كان للنهضة الحضارية والثقافية التي عرفتها القيروان خلال العصر العباسي، دور في تحولها إلى حاضرة للعلوم والمعارف، ومنارة للثقافة، خاصة أن الحكام الأغالبة تميزوا بنزعتهم إلى ترسيخ مكانة مركزية لعاصمتهم، على مستوى كامل بلاد المغرب وشمال افريقية.
المدرسة القيروانية
دعمت الحركة الثقافية التي شهدتها القيروان مجالات فن الخط العربي واستغل الخط في كتابة المصاحف وزخرفتها،ونتشر الوراقون وازدهر نسخ الكتب.
ويجمع المؤرخون على أن تشكل معالم المدرسة القيروانية والتونسية في فن الخط، بدأ منذ النصف الثاني للقرن الثاني للهجرة حيث استحدث الخطاطون والفنانون، أبعادًا جمالية وبصرية جديدة في رسم الحروف، وكرسوا تقاليد أسهمت في انتشاره لاحقا بكامل المغرب العربي
ميزة المدرسة القيروانية تكمن بحسب لطفي عبد الجواد الباحث بالمركز الوطني لفنون الخط في حوار مع بوابة تونس، في مزجها بين الخصوصية التونسية وأسلوب المدارس الشرقية وخاصة منها الخط الكوفي، ما منحها هوية خاصة ومختلفة، وطابعًا جماليًا فعرفت بالخط القيرواني.
“المعروف أن نسق تطور فن الكتابة والخط في إفريقية كان متسارعًا، وكان مجبولًا بلمسة محلية ساعدت على خلق خطوط جديدة انتقلت لاحقًا إلى الأندلس، كما استعملت في الآن ذاته الخطوط السائدة في بغداد والكوفة والشام والمشرق”، يضيف عبد الجواد في حديثه لبوابة تونس.
حمل الخط المغربي اللين هذه التسمية، نسبة إلى انتشاره الواسع في المغرب العربي خاصة إبان حكم المرابطين والموحدين، لكن أصوله ترجع كذلك إلى إفريقية وتونس، حيث تأصلت قواعد رسمه وأشكال حروفه، وهويته البصرية.
جعل هذا الزخم من المدرسة التونسية حمالة لإرث فريد وزاخر في الخط العربي على مستوى التقاليد، وكذلك الذخائر التاريخية، ويكفي الإشارة إلى أن مكتبة رقادة في القيروان تظم لوحدها 23 مخطوطًا مصنفًا من بين 30 مخطوطً نادر على مستوى العالم في الخط العربي، إلى جانب امتلاكها مصحف “حاضنة باديس” الذي يعتبر من النفائس الإبداعية، والمكتوب بالخط القيرواني على خلفية زرقاء.
الريادة الأكاديمية التونسية
رصيد تاريخي وحضاري كان لا بد من تثمينه، وحماية ميزاته الفنية من الاندثار وتعميق مجال الدراسات المتعلقة بها، عوامل جعلت تونس من أوائل الأقطار العربية المؤسسة لهيئة ثقافية وتراثية تعنى بالخط، هي المركز الوطني لفنون الخط منذ سنة 1994.
ويشير عماد صولة الأستاذ بالمركز الوطني لفنون الخط، إلى أن الدراسات الأكاديمية مكنت من جدولة وتصنيف كل المخطوطات والمحامل، التي تضم زخارف من الخط العربي، من الأحجار والمعمار خاصة بالمساجد.
وكان الملف التونسي بفضل هذا التوثيق العلمي بحسب محدثنا، من أوائل المساهمين ضمن المشروع العربي المشترك، لتسجيل الخط العربي على قائمة التراث اللامادي بمنظمة اليونسكو سنة 2021.
عماد صولة الذين كان من بين فريق الخبراء العرب المكلفين بصياغة وإعداد الملف التقني والتأليفي للمشروع، أشار إلى الصعوبات التي رافقت أغلب مراحل إعداد الملف والمتعلقة بجرد العنصر، بما تتطلبه من عمل ميداني وبحوث لحصر الأنماط المتعلقة بالخط العربي.
وبحسب محدثنا فإن الملف تناول الجانب الوظيفي للخط العربي كحامل للنصوص ذات الصبغة الدينية، ووعاءً أساسياً للثقافة العربية، مع التركيز على أبعاده الجمالية.
وينتظر أن تقوم اللجان المختصة صلب منظمة اليونسكو، باعتماد المشروع الخاص بتصنيف الخط العربي ضمن قائمتها بداية يناير القادم، بعد استكمال المراجعات التقنية للملف.