تونس

منع موائد الإفطار يثير الجدل في تونس

 السلطات التونسيّة تشترط تراخيص مسبقة للسماح بإقامة موائد خيريّة لإفطار الصائمين

أعلنت مبادرة “دار سليانة” لإفطار الصائمين في ولاية سليانة عن إيقاف نشاطها لهذا العام بعد تدخل السلطات التي طلبت منها الحصول على ترخيص مسبق.

في هذا السياق تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمشرفين على عدّة مبادرات لموائد إفطار الصائمين تمّ منعها من طرف الولّاة بحجة غياب التراخيص اللازمة.

السلطة تشترط تراخيص

في إحدى هذه المقاطع استنكر معزّ العلوي – وهو مشرف على مائد إفطار وسط العاصمة – منع المبادرة التي استمرّت لثماني سنوات.

وبيّن أن الأمن قدم إلى المكان وطالب المشرفين بترخيص من طرف الوالي وإلا سيمنع نشاط المبادرة.

وفي بيان لمشروع “دار سليانة” قال المشرفون: “مع شديد الأسف، نعتذر من جميع إخواننا المنتفعين، كما نشكر المساهمين وفاعلي الخير، إذ تم إيقاف توزيع الوجبات والمساهمات إلى حين الحصول على الترخيص المطلوب.”

ويأتي هذا القرار في ظل تراجع ملحوظ لموائد الإفطار الخيرية هذا العام، حيث شهدت البلاد انخفاضًا كبيرًا في عدد المبادرات المماثلة، وذلك لأسباب متعددة

فمن جهة، فرضت بعض الجهات الرسمية إجراءات تنظيمية جديدة، كما حدث في سليانة، حيث طُلب من بعض المنظمين الحصول على تراخيص قبل الشروع في توزيع الوجبات. 

ومن جهة أخرى، تأثرت عدة جمعيات ومبادرات خيرية بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مما أدى إلى تقلص حجم التبرعات وضعف القدرة على تنظيم موائد الإفطار كما كان الحال في السنوات الماضية.

حماية أمن البلاد

 

وتبرّر السلطات اشتراط هذه التراخيص بحماية أمن البلاد واستقرارها.

فقد كتب حسام سعيدي أحد المشرفين على مشروع “دار سليانة” علي صفحته بفيسبوك: “وانسجاما مع دعوة السيد والي الجهة إلى ضرورة التنسيق مع السلط المحلية والاتحاد الجهوي للتضامن غلقا للطريق أمام كل من يريد الركوب على هذه المبادرة الخيرية الفردية واستغلالها في مآرب سياسية أو مؤامرات ضد أمن البلاد واستقرارها، فإننا سلّمنا جميع ما لدينا من تبرعات عينية مع قائمة المنتفعين منها إلى مائدة الإفطار التي تشرف عليها اللجنة الجهوية للتضامن الاجتماعي والسلط المحلية والجهوية والهيئة الوطنية للرقابة على سلامة المواد الغذائية لتتولى توزيعها على مستحقيها”.

من جهته أعاد الصحفي زياد الهاني نشر جزء من منشور حسام سعيدي وعلّق قائلا: ” في بلادنا الهايلة، بلاد العلوّ الشاهق، حتى مبادرة “دار سليانة” الرمضانية التضامنية الأهلية تم وأدها ووقفها بطلب من الوالي، تجنّبا للوقوع في مؤامرة ضد أمن البلاد”.

اختفاء أشهر مائدة إفطار

ولأول مرة منذ نحو 14 عاماً اختفت أشهر مائدة إفطار في تونس التي كانت تنتظم في منطقة الكبارية (حي شعبي بالعاصمة تونس)، حيث كانت هذه المائدة التي يشرف على تنظيمها صاحب مطعم شعبي توفر ما لا يقل عن ألفي وجبة إفطار وسحور.

وقال الناشط المدني والمشرف على تنظيم موائد الرحمن، عادل بن غازي، إنه “من المؤلم جداً أن تختفي موائد إفطار في شهر الصيام، بعد أن ظلت لسنوات ملاذاً للمحتاجين وعابري السبيل من ساكني مدن العاصمة الكبرى.

 

وأكد بن غازي لـ”العربي الجديد” أنه “لا توجد إحصائيات رسمية عن تراجع عدد موائد الإفطار خلال هذا العام، غير أن المؤكد أنها لم تعد بالزخم الذي شهدته السنوات الماضية”.

وأشار إلى أن “العمل المدني والتضامني استفاد بدوره من مناخ الحريات الذي ساد بعد الثورة، بعد أن كانت الدولة سابقاً تحتكر كل هذه الأنشطة.

التضييقات والأزمة الاقتصاديّة

واعتبر الناشط عادل بن غازي أن هناك عوامل متداخلة تسببت في انحسار العمل التطوعي لإطعام الصائمين خلال الشهر الكريم، من أبرزها التضييقات على عمل الجمعيات المدنية ما أدّى إلى تجميد نشاطها أو حلها، بعد أن كانت لسنوات عضداً للدولة في الإحاطة بالفقراء وضعاف الحال في شهر رمضان والمناسبات التي تحتاج فيها الفئات الهشة إلى المساعدات.

وأضاف أن “التضخم وغلاء المعيشة أثرا كذلك في تدفق المساعدات من المتبرعين، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات، حيث تصبح المساعدات شحيحة ولا تفي بالحاجة لتنظيم موائد إفطار وتقديم وجبات متكاملة لفائدة الصائمين”.

وقدّر الكلفة الدنيا لوجبة إفطار صائم ما بين 8 و12 دينارا وهو ما يتطلب إمكانيات مهمة لتوفير هذه الوجبات على امتداد شهر كامل.

 

وتشهد تونس منذ سنوات أزمة اقتصادية واجتماعية حادة زادتها نسب التضخم المتزايدة تعقيداً، الأمر الذي أثر بشكل مباشر في القدرة الشرائية للعديد من الفئات الاجتماعية.

وتساهم موائد الإفطار في شهر رمضان، علاوة على مساعدة المحتاجين وعابري السبيل وغيرهم، في تعزيز قيم التضامن الاجتماعي، وتمتين الروابط بين أفراد المجتمع، خصوصاً فئات محدودي الدخل.