"مندوب إيراني" لتونس في صندوق النقد الدولي .. فهل يجسد تحالفات اقتصادية جديدة، أم شماعة خارجية للإصلاحات المنتظرة؟
tunigate post cover
تونس

"مندوب إيراني" لتونس في صندوق النقد الدولي .. فهل يجسد تحالفات اقتصادية جديدة، أم شماعة خارجية للإصلاحات المنتظرة؟

2021-03-09 20:34

فجأة ودون مقدمات أصبح لتونس مندوب إيراني ضمن هيئة صندوق النقد الدولي الدولي، وإدارتها التنفيذية، قد يبدو الأمر غريبًا، ودافعًا للتساؤل عن علاقة مسؤول أجنبي رفيع المستوى بإدارة الصندوق، بالحكومة التونسية، والدفاع عن مصالحها.

رغم غرابة الموقف إلا أنه بات حقيقة مثبتة تطرقت إليها مجلة ريالتي الناطقة بالفرنسية، انطلاقا من تقرير رسمي رفعه المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي السيد حسين مير شادجيان حسيني بشأن التزامات الحكومة التونسية تجاه الصندوق، تضمن قراءة إيجابية للموقف التونسي بما يعزز مساعيه للحصول على تمويلات، وقروض إضافية من المانحين الدوليين، بهدف تمويل الموازنة الوطنية التي تواجه عجزًا غير مسبوق.

مدير تنفيذي بملامح سياسية 

البيان الذي رفعه المندوب الإيراني رفيع المستوى جاء مرفقا بالدراسة الأخيرة التي أعدها صندوق النقد الدولي عن وضع الاقتصاد التونسي، والذي تضمنت ديباجته الصيغة التالية “بالنيابة عن حكومتنا التونسية”، ما يؤكد بوضوح أن السيد حسيني لا يتحدث من موقعه كمدير تنفيذي بالصندوق، بل بصفته مفوضا من الجانب التونسي للدفاع عن وجهة نظره، وتمثيل مساعيه للحصول على دعم مالي، الأمر الذي يحرك تساؤلات مشرعة عن طبيعة العلاقة بين حكومة هشام المشيشي، والسيد حسيني، وعن شكل الاتفاقات، والتوافقات السياسية التي تقف خلف هذا الدور الذي يضطلع به المسؤول الإيراني.

من هو حسين حسيني؟

يشغل حسين مير شادجيان حسيني الحائز على الدكتوراه في الاقتصاد من اليابان منذ عام 2013، أحد أرفع المواقع، وأكثرها حساسية وتأثيرًا في إدارة صندوق النقد الدولي عبر منصب المدير التنفيذي، والذي عين به قبل خمسة أشهر فحسب.

ويحمل تكليف حسيني بهذا المنصب دلالات سياسية واضحة لا تخفى ملامحها على المتابعين، بالنظر إلى المواقع الهامة التي شغلها صلب الحكومة الإيرانية، كان أبرزها نائب وزير الاقتصاد والمالية في الفترة من 2014 إلى 2019.

إلى جانب خبرته الاقتصادية، والواسعة، والمعززة بعدة دراسات وبحوث كان قد أصدرها، يتمتع حسيني بخبرة سياسية هامة، وتجربة داخل مواقع السلطة، والقرار في إيران، وهي عوامل تؤكد أن ترشيحه للمنصب، ومن ثم تسميته تتنزل ضمن ترتيبات، وتوافقات إقليمية، واقتصادية جديدة، بصدد التشكل ما بين “الجمهورية الإسلامية” والقوى الدولية خاصة الولايات المتحدة، والأطراف الأوروبية.

تفكيك ارتباطات السيد حسيني، ومكانته صلب الهيئة التنفيذية لصندوق النقد، تزيد من حجم الاستفهام المتعلق بطبيعة التفويض الذي حصل عليه للدفاع عن مصالح الحكومة التونسية وتمثيلها، بطريقة تبدو بمثابة المس بالسيادة الوطنية والاقتصادية.

تحالفات جديدة داخل صندوق النقد

يرجح الخبراء الاقتصاديون والمحللون المتخصصون، أن حديث المندوب الإيراني باسم تونس يتنزل ضمن تفاهمات، وتحالفات ذات طابع سياسي وإقليمي، عملت الحكومة التونسية على تشكيلها لدعم موقفها خلال التصويت على القرارات من جانب مجلس الإدارة، والهيئة التنفيذية.

ويشار إلى أن التصويت على القرارات داخل الهيئة التنفيذية يعتمد على حصة كل دولة في رأس المال التأسيسي لصندوق النقد الدولي، والتي تسمى اصطلاحا بحقوق السحب الخاصة.

وتبلغ حصة تونس في حقوق السحب 545.2 مليون وحدة، أي ما يعادل 0.14٪ فقط من حجم الأصوات، ما يتطلب إبرام تحالفات مع جهات أخرى تتمتع برصيد أوسع من الأصوات، من أجل التأثير بشكل فاعل على قرارات صندوق النقد الدولي.

وبحسب هذه الفرضية، فقد عقدت تونس تحالفا مع إيران لدعم مساعيها في الحصول على قروض جديدة، حيث تمتلك الجمهورية الإسلامية ما يقارب ثلاثة أضعاف حقوق السحب الخاصة بالحكومة التونسية، ما يعني ثلاثة أضعاف قوة التصويت.

وتكشف مصادر خاصة لمجلة ريالتي، أن دخول إيران عبر خبيرها الاقتصادي، ومندوبها بالصندوق على خط دعم الملف التونسي، يأتي بعلم وإشراف مباشر من رئيس الجمهورية قيس سعيد، باعتبار أن السياسات الخارجية تدخل ضمن اختصاصاته، ما قد يحيل إلى ترتيبات، واتصالات أجراها قصر قرطاج مع طهران بهذا الخصوص.

وتمثل إيران قوة إقليمية واقتصادية كبرى، رغم  الحصار، والعقوبات التي واجهتها طوال السنوات الثلاث الماضية من جانب إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، لكنها نجحت رغم ذلك في تسجيل معدل نمو منتظر خلال السنة الحالية يقارب 3٪، ما يجعلها قادرة على ضمان القروض الدولية التي تطلبها تونس لتمويل ميزانيتها، فضلا عن تقاربها الملحوظ مع كل من تركيا، وقطر اللتان ترتبطان بعلاقات وثيقة مع تونس، ما يجعل من طهران بمرتبة “صديق الصديق” والحليف الموثوق.

التحرك صوب إيران رغم صبغته الواقعية، والبراغماتية،  يبدو مدعاة للاستغراب من عدم توجه الحكومة التونسية إلى تحالفات أخرى أقرب على الصعيد الجغرافي والسياسي، على رأسها الجزائر، والتي تمتلك ثلاثة أضعاف حقوق السحب والتصويت، فضلا عن الطابع الاستراتيجي والتاريخي للعلاقات الثنائية.

يجيب الخبراء على هذه النقطة بالإشارة إلى قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بإغلاق الباب أمام مساعدة تونس اقتصاديا، في ظل الوضع الراهن، والأزمات السياسية الداخلية.

واجهة خارجية للإصلاحات

يكشف المطلعون على المستوى الاقتصادي الوطني أبعادا أكثر خطورة تقف وراء تكليف حسين حسيني بالتحدث باسم تونس، والدفاع عن مصالحها داخل صندوق النقد، انطلاقا من توجه من جانب حكومة هشام المشيشي، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، لتفادي تحمل الفاتورة السياسية، والشعبية التي قد تنتج عن إعلان قائمة الإصلاحات القاسية التي يطالب بها الصندوق مقابل حزمة المساعدات المالية الجديدة، ما يجعل من شخصية المندوب الإيراني شماعة خارجية لتحميلها مسؤولية الإجراءات الصعبة التي قد تفرض على تونس. 

ويتضمن التقرير الذي قدمه السيد حسين حسيني، حزمة إصلاحات صعبة سيكون وقعها مكلفا على الطبقات الشعبية في تونس، إلى جانب التعقيدات المرتبطة بإقرارها رسميًا، وتنفيذها إزاء الأزمة السياسية المركبة بين رئاسة الجمهورية، والحكومة، ورئاسة البرلمان، وفي ظل اقتصاد مثقل بالديون، ومكبل بسبب بيروقراطية الإدارة.

خلاصة القول أن تكليف “المندوب الإيراني”، بقدر ما يختزل توجهات إقليمية جديدة لتونس على صعيد سياساتها الاقتصادية، فإنه يعد بمثابة طوق نجاة للقائمين على الملف الاقتصادي في الحكومة، والذين لا يريدون التعرض إلى المحاسبة، أو الإدانة السياسية لاحقا، على الالتزامات التي تعهد بها السيد الحسيني نيابة عن حكومة المشيشي.

الحكومة التونسية#
حسين مير شادجيان حسيني#
صندوق النقد الدولي#
قروض من المانحين الدوليين#

عناوين أخرى