بعد أن لفظه العرب وطردته القارة الآسيوية من ملاعبها، لجأ منتخب الكيان الصهيوني إلى أوروبا منذ خمسة عقود، لاحتضانه كرويا مثلما تحضنه دورها سياسيا وتدعمه ماليا وعسكريا.
ومنذ عام 1974 يخوض منتخب الاحتلال وأنديته المسابقات تحت راية الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. لكن الأمر أصبح مصدر إزعاج في الآونة الأخيرة بسبب التداعيات الأمنية لنشاط الكرة الإسرائيلية في أوروبا وآخرها مع حدث في العاصمة الهولندية أمستردام من فوضى عارمة في الشوارع سرعان ما تحولت إلى قضية سياسية، بسبب مباراة فريق ماكابي تل أبيب وأجاكس في الدوري الأوروبي.
قصة طرد الكرة الإسرائيلية من آسيا
رغم أنه منتخب لقيط وهجين مثل الشعب الذي يزعم أنه يعيش في وطن على أرض فلسطينية عربية مغتصبة، فإن المنتخب الإسرائيلي كان من مؤسسي الاتحاد الآسيوي لكرة القدم سنة 1954 ومن الفاعلين في هياكله بل إنه أحد طرفي النهائي في ثلاث دورات متتالية سنوات 1956 و1960 و1964 وحامل لقب نسخة 1964 بالأراضي المحتلة.
وأمام تغلغل نفوذ المسؤولين الإسرائيليين في الاتحاد القاري، وبالتوازي مع تصاعد الغضب الشعبي العربي من توسع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وتزايد أعماله العدائية في حق الفلسطينيين، بات تنقل منتخبه بين الدول العربية لخوض المباريات أمرا مزعجا لدى الجماهير والمسؤولين على حد سواء.
وأمام الرفض الواسع للكرة الإسرائيلية في القارة، أخذ الرئيس السابق للاتحاد الكويتي لكرة القدم أحمد سعدون على عاتقه مبادرة طرد الإسرائيليين من ملاعب القارة، بأن راسل جميع الاتحاد الآسيوية، لاسيما العربية وأعلمهم أن يتحدوا في موقفهم لرفع الفيتو في وجه منتخب الاحتلال وأنديته.
وفي تصريحات تعود إلى سنة 2012 قال سعدون في لقاء صحفي: “راسلت الاتحادات العربية في آسيا وقلت لهم إن إسرائيل تنظم بطولات وأنشطة ولديها مسؤولين نافذين هياكل يجب طردها”.
وكان الأمر كذلك بأن صادقت الاتحادات الآسيوية لكرة القدم بالأغلبية على طرد الكرة الإسرائيلية سنة 1974، قبل أن يؤكد الاتحاد الآسيوي القرار بعد عامين.
اللجوء إلى أوروبا
وإن بقي دون عضوية في اتحاد قاري طيلة عشرين عاما ولا ينتمي جغرافيًا إلى أوروبا، فإن اتحاد كرة القدم في الاحتلال لقي الترحاب في القارة العجوز لمواصلة نشاطه، قبل أن يتم الاعتراف به وضمه إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عام 1994.
وتنشط الفرق الإسرائيلية في البطولات القارية الأوروبية وينافس المنتخب في تصفيات اليورو والمونديال هناك.
منبوذون في الملاعب
لم يعد منتخب كيان الاحتلال وأنديته مرحب بهم في أوروبا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد العدوان على غزة منذ أكثر من عام.
فقد عبرت عدة مدن ودول أوروبية عن تململها من استضافة مباريات أحد طرفيها إسرائيلي، إما بسبب موقف سياسي كدعم فلسطين وغزة واحتجاج على العدوان، أو لأسباب أمنية خشية حدوث توتر أمني في بلاد في ظل الرفض الواسع للشوارع في العالم للحركة الصهيونية والجرائم الإسرائيلية في فلسطين.
في مارس الماضي أعلن منتخب البوسنة والهرسك إلغاء مواجهة ودية مع منتخب الاحتلال في سراييفو، بسبب توتر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وفي جويلية 2024، رفضت السلطات البلجيكية في بروكسال استقبال مباراة بلجيكا وإسرائيل بسبب مخاوف أمنية إثر التوترات المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كانت تتوقع ثورة الشارع هناك في ظل وجود تظاهرات مناهضة للاحتلال وجالية عربية ومسلمة كبيرة هناك.
وفي الشهر نفسه، عارضت بلدية أوديني الإيطالية استضافة مباراة إيطاليا وإسرائيل في دوري الأمم الأوروبية.
وحديثا منذ أيام، رفضت تركيا إقامة مباراة بيشكتاش التركي وماكابي تل أبيب في الدوري الأوروبي في إسطنبول يوم 28 نوفمبر الجاري، وهو ما أجبر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على البحث عن مكان محايد للمباراة.
ويظهر الرفض الواسع للإسرائيليين، خلال المباريات التي يكونون طرفا فيها، حيث ترتفع صافرات الاستهجان وأعلام فلسطين ورسائل المساندة لفلسطين في أغلب الملاعب، متحدية قوانين اليويفا والدول المستضيفة.
كما كانت ثورة الشوارع في أمستردام ضد فوضى الإسرائيليين من جمهور ماكابي، قبل يومين، دليلا إضافيا على الإزعاج الذي باتت تمثله هذه الجنسية في الملاعب الأوروبية.
ويبدو أن الهياكل المشرفة على الرياضة في أوروبا والدول أيضا أمام تحدّ حقيقي لتأمين مباريات الإسرائيليين، وكبح جماح الرفض الشعبي الواسع.