“شخصية “مهدي” لا يُمكن أن تُنسى وسترفع إيقاع المسلسل في نهايته وبقوة”.. بطل “الفتنة” يُصرّح
صابر بن عامر
قدّم الممثل التونسي معز القديري في المسلسل الرمضاني “الفتنة” لسوسن الجمني المعروض حاليا على قناة “الحوار التونسي” الخاصة، دورا مركّبا جمع فيه بين القسوة في أقصاها واللين في أبهى مظاهره، أو هكذا يُخيّل إلينا، مجسّدا شخصيّة المُنحرف النرجسي، الزوج العنيف لـ”عائشة” (ياسمين بوعبيد) الذي يُبطن أكثر ممّا يُظهر.
عن الدور وأغواره وبعض من إكراهاته كان لبوابة تونس هذا الحوار مع معز القديري، الذي سألناه: ظهرت في “الفتنة” بشخصية المنحرف النرجسي، من أين استلهمت آليات تجسيدها في دور “مهدي”؟
وفي ذلك يقول: “الدور، وفق السيناريو الأولي، أتى ليُعالج العنف ضدّ المرأة، لكنّني وبعد الاتفاق مع مخرجة العمل وواضعة السيناريو فيه سوسن الجمني إلى جانب سوسن عبدالرحمان تمّ الاتفاق على تحويل الشخصية إلى منحرف نرجسي، هذه الشخصية الإشكالية المسكوت عنها في المجتمع التونسي، سيما أنّ أكثر جرائم العنف المُمارس ضدّ المرأة في تونس تقع ضمن الإطار الأسري”.
شخصية تُبطن أكثر ممّا تُظهر
ويسترسل صاحب شخصية “زاك” في مسلسل “نجوم الليل” بأجزائه الأربعة: “لم يكن عندي نموذج يُمكنني اتباعه في تجسيدي للدور، لكنّني بحثت في المراجع النفسية والسوسيولوجية عن آليات تحركّه الجسدي والنفسي، لتخرج الصورة كما هي عليها عبر “مهدي” بنظارته وذقنه الحليق وشكله المرتّب “المرتوب” الذي يُخفي في داخله وحشا آدميا وشخصية عنيفة، أسّست لأن تكون مكروهة، حتى وإن خسرت بعضا من مُعجبيني ومُعجباتي”.
ويُشدّد القديري: “سعيت من خلال هذه الشخصية إلى اللعب خارج صندوق “البطل الخارق” Super-héros القويّ والغامض الذي قدّمته منذ اقتحامي مجال الدراما التلفزيونية من 2009 وإلى اليوم”.
ويُضيف: “الشخصية ومنذ أن حدّثتني عنها سوسن الجمني أحببتها، لأنّها شخصية درامية لا تُنسى من ناحية، كما أنّه من ناحية أخرى حفّزت فيّ تجديد آليات الممثّل الذي ينملّكني، فهي تمرين جيّد لأيّ ممثل”.
مشاهد قصيرة لكنّها مُؤثّرة
وعن سؤال بوابة تونس حول كون مساحة الدور بدت الصغيرة، لكنها خطيرة ومحرّكة للأحداث، وكيفية قبوله فكرة عرضه عليه؟
قال مجسّد شخصية “الشنقال” في “كان يا ما كانش 2”: “مهدي” ليس له ظهور كبير، لكنه فاعل في تطوّر الأحداث، وسيرفع الإيقاع وبقوّة في نهاية المسلسل”.
ويُوضّح: “الأصعب في الأداء، أنّك تشتغل في مساحة ضيّقة، وحضورك يأتي في مشاهد قصيرة، فلستُ البطل الأوحد في العمل لكي يكون لديّ أكثر من ألف مشهد ويزيد، ممّا يسمح لي بالخطإ في بعض المشاهد، الأمر هنا لا يتجاوز الخمسين مشهدا في العمل ككلّ، فهامش الخطإ فيها قليل، إن لم أقل مُنعدم”.
ويسترسل: “ولأجل ذلك استلهمت من اللعب السينمائي، الذي لا يسمح لي بأيّ هامش من الخطإ، ممّا يجعلني أركّز أكثر على الإيجاز والتكثيف في إبراز أغوار الشخصية، دون السقوط في زخم الشخصيات الأخرى”.
وعمّا أغراه في الدور، يقول القديري: “هي شخصية تختفي وراء نظّاراتها الطبية ووجهها المُريح وملامحها الهادئة، هي شخصية موجودة كثيرا في الشارع التونسي، تلتقي معها في كلّ يوم وفي كلّ مكان.. لكنّك لا تعرفها، وهذا هو المغري فيها”.
ويُشدّد: “ببساطة “مهدي” يُمثّل منعرجا في مسيرتي الفنية بما يحويه من شخصية مكروهة ومُخيفة، حيث حاولت فيها أن أذهب إلى الأقصى في تجسيدها”.
الدراما قادرة على تغيير القوانين
وحول الحديث عن العنف الزوجي في تونس، بوصفه موضوعا خطيرا مسكوتا عنه، سألت بوابة تونس مُحدّثنا: برأيك هل الدراما قادرة على تغيير القوانين؟
فقال: “أجل الدراما والسينما قادرتان على التغيير، وهو ما حصل في أكثر من مناسبة في مصر، ونحن سعينا في “الفتنة” إلى الخوض في قضية عادلة، مُحاولين لفت انتباه السلطة التشريعية للقضايا الاجتماعية الحارقة التي وجبت معالجتها، والخوض فيها، وإن اقتضى الأمر تحقيق ذلك تحت الضغط الجماهيري”.
تجسيد لأدوار الشرّ بأداء مُختلف
وعن المغري في التعامل مع سوسن الجمني من وجهة نظر معز القديري، قال: “ليس المغري، بقدر ما هو مهمّ التعامل مع علامة فنية واضحة لها زخم ورصيد، ويشمل الأمر ههنا سوسن الجمني وقناة “الحوار التونسي” على السواء، ممّا يجعل الممثل يشتغل براحة كبيرة، وهو مُطمئن على صورته ونجاحه في تأدية الدور على أكمل وجه، سيما أنّني تعاملت مع المُخرجة والقناة، قبل “الفتنة” سواء أمام الكاميرا أو ورائها في إدارة الممثل في أكثر من عمل”.
وعمّا يُغريه في اختياره ونجاحه أيضا في أدوار البطل المكروه، انطلاقا من “زاك” في “نجوم الليل”، مرورا بـ”عمّار” في “شوّرب 1″ و”الشنقال” في “كان يا ماكانش 2″، وصولا إلى “مهدي” في “الفتنة”.
قال معز القديري مُجيبا بوابة تونس: “أدوار الشرّ في الدراما منصات واشتغالات مُختلفة، فـ”زاك” في “نجوم الليل” ليس هو “عمّار” في “شورّب”، ولا هو “الشنقال” في “كان يا ماكانش”، ولا “سفيان” الشرطي في “أولاد مفيدة”، ولا “يوسف بن حسين” في “فلاش باك”.. فلئن تشابهت كلّ الشخصيات في الجانب المُظلم فيها، إلّا أنّها مختلفة تماما في طريقة أدائها، وهو ما يُحفّز ويُجدّد آليات الممثل الذي بداخلي”.
صراع مرير على الميراث
ومعز القديري، هو مخرج مسرحي وممثل وأستاذ مسرح، من مواليد عام 1978 بتونس.
عُرف بدوره “زاك” في مسلسل “نجوم الليل” بأجزائه الأربعة، قبل أن يشّق طريقه نجما في السينما والدراما التلفزيونية التونسية والأجنبية.
يمتلك خبرة سنوات في تدريب الممثلين في الدراما التلفزيونية والتكوين المسرحي.
أما مسلسل “الفتنة”، الذي جسّد فه القديري شخصية المنحرف النرجسي باقتدار، فهو عمل درامي تونسي من إخراج سوسن الجمني وتأليفها بمعية سوسن عبدالرحمان.
يتناول العمل في 20 حلقة قضايا اجتماعية معقّدة، أبرزها الصراعات بين الإخوة حول الميراث، وما ينجم عنها من تفكّك أسري ونزاعات.
وتدور أحداث العمل حول رجل الأعمال “العربي السلامي” (الأسعد بن عبدالله) الذي ينتحر في الحلقة الأولى بسبب إفلاسه، تاركا وراءه إرثا غامضا لأبنائه الثلاثة: “إدريس” (محمد علي بن جمعة)، و”عائشة” (ياسمين بوعبيد)، و”طه” (محمد مراد).
يبدأ الإخوة في التنازع على الميراث، ليكتشفوا أسرارا خطيرة تؤدّي إلى تصاعد الصراعات بينهم بسبب الأطماع المادية والمصالح الشخصية التي لا تنهي.