أظهرت صور تداولها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات المهاجرين الأفارقة من ساحل العاج ومالي متجمعين في منطقة صحراوية بالقرب من الحدود الليبية.
مشاهد مأساوية
تجمع المهاجرون في منطقة ساحلية يرجح أن تكون تابعة لمدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا، حيث أظهرت الصور جمعا من المهاجرين تبدو عليهم ملامح الإرهاق والشقاء، بينما حملت النساء أطفالهن الصغار دون ملابس.
ويصل العديد من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس لمحاولة الهجرة عن طريق البحر إلى أوروبا، إذ تبعد بعض مناطق الساحل التونسي أقل من 150 كم عن جزيرة لامبيدوسا الإيطالية.
ويقبع المهاجرون في المنطقة الحدودية في الخلاء حيث لا أشجار ولا خيام يحتمون بها من حر القيظ، وذلك في وقت سجلت فيه تونس درجات حرارة قياسية أمس السبت تجاوزت 48 درجة مئوية، وفق بيانات معهد الرصد الجوي.
وعادة ما يتعرض المهاجرون الذين يقطعون مسافات طويلة دون زاد أو مساعدة لخطر الموت بسبب العطش أو الإرهاق والجوع، وازداد الأمر سوءا بالنسبة إلى الرضع والأطفال.
ووجد مئات المهاجرين من جنسيات دول إفريقيا جنوب الصحراء أنفسهم في وضع صعب في منطقة صحراوية في جنوب تونس، بعد طردهم في الأيام الأخيرة من مدينة صفاقس إثر صدامات مع سكان طالبوا برحيلهم.
وفي وقت سابق، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان: “قامت قوات الأمن التونسية بطرد جماعي لمئات من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة السود، بمن فيهم الأطفال والنساء الحوامل، منذ 2 جويلية إلى منطقة معزولة نائية وعسكرية عند الحدود التونسية الليبية”.
وأضافت المنظمة: “الكثير من الأشخاص أبلغوا عن تعرضهم للعنف من جانب السلطات أثناء اعتقالهم أو ترحيلهم”.
وقال أحد المهاجرين في تصريح لبوابة تونس، إنهم يتعرضون لهجمة شرسة من المواطنين وقوات الأمن، مشيرا إلى أنّهم يحتاجون إلى مساعدة المنظمات غير الحكومية لإنقاذهم.
من جانبه قال مهاجر آخر في تصريح نقلته الشرق الأوسط عن وكالة العالم العربي: “لا نعرف إلى أين سيأخذوننا، يريدون إرسالنا إلى ليبيا أو الجزائر” إذا كنتم لا تريدوننا هنا، فأرسلونا إلى سفاراتنا، وسيرحلوننا إلى بلداننا، لا داع لأخذنا ورمينا في الصحراء لنموت من الجوع والعطش”.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الأشخاص الذين دُفعوا إلى التوجه إلى المناطق الحدودية هم من دول إفريقية عديدة هي ساحل العاج والكاميرون ومالي وغينيا وتشاد والسودان والسنغال، من بينهم 29 طفلا وثلاث نساء حوامل.
وتحدث أحد المهاجرين إلى بوابة تونس وهو منهك جراء الجوع والعطش الذي ألم به بعد أن طرد من مدينة صفاقس قائلا: “تعرضت للعنصرية والاضطهاد، لماذا يعاقبنا التونسيون على خطإ ارتكبه أفراد، أشعر بالرعب حين أمشي في الطريق”.
وأضاف: “لا ننوي المكوث طويلا في تونس ندخل إليها لنمر إلى أوروبا، لماذا لا تمنحوننا بعض الوقت، لماذا كل هذا الكره للأشخاص ذوي البشرة السوداء، نحن جميعا من إفريقيا”.
وفي تقرير أصدرته، نقلت المنظمة عن شهادات “زعمت” أن عدة أشخاص ماتوا أو قُتلوا في المنطقة الحدودية بين 2 و 5 جويلية، مضيفين أنّهم تعرضوا للضرب أو إطلاق النار من قبل الجيش التونسي أو الحرس الوطني.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنّها لم تتأكد بعد من هذه المزاعم لعدم تمكنها من الوصول إلى المنطقة الحدودية شديدة المراقبة.
وتؤكد منظمات معنية بقضايا الهجرة أن السياسة الجديدة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي المرتكزة على نقل حدوده إلى دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، وإلزام الحكومات بلعب دور حرس الحدود، تسببت في الوضع المأساوي الحالي الذي يعيشه المهاجرون في تونس.
وتتعرّض تونس لضغوط من أوروبا خاصة إيطاليا لمنع أعداد كبيرة من مغادرة سواحلها.
وتعهدت دول الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات بنحو مليار يورو لإنعاش الاقتصاد والمالية العامة لتونس مقابل تعاون أكبر في كبح موجات الهجرة غير النظامية، لكن الرئيس سعيّد قال إنّ تونس لن تكون حرس حدود لأوروبا ولن تقبل توطين المهاجرين في أراضيها.
وأمس السبت، نفى الرئيس قيس سعيّد تعرض المهاجرين غير النظاميين في بلاده لسوء المعاملة، وذلك بعد أن ترددت أنباء عن طرد المئات منهم من مدينة صفاقس إلى منطقة صحراوية نائية.
وقال سعيّد إن قوات الأمن تحمي المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء على “عكس ما تروج له الدوائر الاستعمارية وعملاؤها”، حسب بيان صادر عن الرئاسة.
مراكز إيواء
دعت منظمات حقوقية تونس إلى وقف عمليات “الطرد الجماعي”، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى المهاجرين الأفارقة الذين طردوا إلى منطقة خطرة على الحدود التونسية الليبية، بسبب أزمة الهجرة غير المسبوقة.
وكان النائب في البرلمان عن صفاقس، معز برك الله، أكد أنه تم منذ أول أيام عيد الأضحى، ترحيل حوالي 1200 مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك بالتنسيق بين إقليم صفاقس والأقاليم الحدودية برا في ليبيا والجزائر التي تتكفل بعملية الترحيل.
وتؤكد الصور التي تداولها اليوم رواد مواقع التواصل الاجتماعي عملية نقل المهاجرين إلى المناطق الحدودية مع ليبيا.
وفي السياق ذاته، أكّد المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير وصول رئيس منظمة الهلال الأحمر التونسي عبد اللطيف شابو، إلى معتمدية بنقردان من ولاية مدنين.
وأشار إلى أنّه تحوّل إثر ذلك مع عدد من متطوعي الهلال الأحمر ببن قردان إلى منطقة تقع على الحدود التونسية الليبية لتقديم المساعدات الإنسانية إلى عدد من المهاجرين الأفارقة غير النظاميين العالقين هناك.
وكانت رئاسة الجمهورية أفادت أمس السبت، أنّ وفدا من منظّمة الهلال الأحمر التونسي، سيتحوّل إلى مدينة صفاقس لمعاينة أوضاعهم هناك والإحاطة بهم، دون الإشارة إلى تحولهم إلى مدينة بن قردان.
وفي تصريح سابق، قالت عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، حميدة شايب، إنه تم وضع مركز إيواء في الجنوب التونسي لنقل المهاجرين إليه، مرجحة أن يكون مركز الإيواء في مخيم بوشوشة.
بدوره، قال نعمان مزيد رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بصفاقس، إنه تمّ نقل دفعة أولى من المهاجرين غير النظاميين من صفاقس نحو الجنوب، مضيفا أن هناك خيار تركيز مركز إيواء للمهاجرين بالجنوب التونسي وتحديدا في منطقة الشوشة.