“لتونس تجارب رائدة في الكتابة المسرحية بعيدا عن الاقتباس أثّرت في المدوّنة العربية وما تزال”.. الطاهر عيسى بن العربي يصرّح
قال المخرج والمؤلف المسرحي التونسي الطاهر عيسى بن العربي إنّ ظاهرة الاقتباس في المسرح العربي بصفة عامّة مرتبطة أساسا بصناديق الدعم والتمويل.
ويُوضّح في تصريحه لبوابة تونس حول سؤال: “هل الاقتباس من النصوص العالمية في المسرح العربي والتونسي ظاهرة صحية أم ضرورة فنية لندرة النصوص القيّمة؟”.
فيُجيب: “للأسف الإيمان بالنصوص المؤلّفة من قبل المبدع العربي ترتسم بالحكم المسبّق من قبل لجان القراءة، فيتمّ إقصاؤها، وهو أمر متداول، في حين الارتكاز على الاقتباسات يجعل مقدّم المشروع في نوع من الأمن المعرفي تجاه هذه اللجان التي تتحكّم في الأموال الإبداعية أو في المهرجانات”.
ويسترسل: “لا بدّ من الإشارة إلى أنّ جلّ المهرجانات العربية المختصّة ترسم خريطة المسرح العربي في خطوطه العريضة إلّا ما انفلت”.
ويقول صاحب مسرحية “رقصة سماء” المشاركة ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية في نسختها الحالية، منتقدا الهيئة العربية للمسرح التي دأبت في مهرجاناتها المتداولة من بلد إلى آخر، إنها تسند جوائز التأليف للأطفال والكهول، وهي جوائز قيّمة -وفق توصيفه- لكن بالنظر لهذه النصوص، فإنّ جلّها لا يتعدّى مرحلة الكتابة لعدم ملاءمتها مع واقع المهنة، فهي نصوص جوفاء لا علاقة لها بمعنى الدراما.
كما يرى أنّ “الأنا المتضخّمة” لبعض المخرجين أو المنتجين لا تجعلهم يؤمنون بوجود كاتب متابع للعملية الإبداعية، لما في ذلك من علاقة ديالكتية وفكرية تتصادم في بعض الأحيان مع توجّهاتهم.
ويُوضّح: “في مثل هذه الحالات يسعى المخرج إلى كتابة نصه بنفسه انطلاقا من الارتجالات وإنشائية العرض المسرحي، وفي غالب الأحيان تبقى النصوص سطحية وخاوية، لا تتعدّى المشهدية المنظور إليها”.
ويُعدّد إكراهات هذا التوجّه، بقوله: “علاوة على غياب حبكة متناسقة ومتوازنة في الكتابة، أو لأسباب ماديّة يتجنّب فيها المنتجون التعامل مع كاتب مستقلّ عن المخرج، نتيجة صعوبات الإنتاج في العالم العربي”.
ومع ذلك ينتصر بن العربي إلى بعض التجارب الرائدة في المسرح التونسي من خلال نصوص تمّ تأليفها كليّا، من أقلام تونسية كما هو الحال مع الراحل علي بن عياد في مسرحية “مراد الثالث” للحبيب بولعراس، أو “ثورة صاحب الحمار” و”الزنج” لعز الدين المدني، إضافة إلى تجارب عبدالقادر مقداد في “عمار بو الزور” و”حمة الجريدي”، كذلك مسرحيات “المسرح الجديد” كـ”غسالة النوادر”، و”عرب” وغيرها..
إضافة إلى مسرحية “فلايك ورق” لجعفر القاسمي، التي ألفها رضا بوقديدة، إلى جانب معظم نصوص “مسرح الحمراء” للراحل عز الدين قنون.
وهو في ذلك يُقرّ بجودة نصوصها التي أثبتت حضورها عبر تاريخية المسرح التونسي وجدّيتها، لكنها في المقابل (أي النصوص) لم تنشر لتفيد المكتبة المسرحية العربية، حيث بقيت في مستوى العروض أو توثيق الفيديو.
ودائما في المسرح التونسي، يُشير بن العربي إلى جودة بعض النصوص الخاصة في مسرح الطفل والعرائس، أبرزها تلك التي ألفّها محمد العوني، على غرار: “من العشق ما قتل”، و”حنبعل”، سيما الأخيرة التي كان لمحدثنا تجربة في كتابة وإخراج لعمل عن الشخصية القرطاجية الفذّة عبر مسرحية “حنبعل فري فاير”.
أما عربيا، فهو يرى أنّ نجاح سعد الله ونوس في حضوره الأدبي المسرحي، بقي منقوصا على مستوى حضوره الفرجوي بعض الشيء رغم جودة نصوصه، مُشيرا إلى أنّ مسألة حقوق التأليف تبقى شائكة في بعض دول الوطن العربي.
كما يُشير إلى تجربة الكاتب فلاح شاكر الذي ترك نصوصا أثّرت في المسرح العراقي، أبرزها عرض “الجنة تفتح أبوابها متأخرة” الذي أدّاه جواد الشاكرجي وشذى سالم بإبداع وإقناع، وفق توصيفه.
ويخلص الطاهر عيسى بن العربي، رغم كلّ ما تقدّم إلى أنّ حركة الاقتباس تبقى المسيطرة على النصوص في المسرح العربي.
وشدّد بقوله: “وإن وجدت اقتباسات رائعة في هذا الخصوص، إلّا أنّ الحاجة تبقى ملحّة لتطوير هذا المسرح الذي يعاني صعوبات لا تحصى، على الأقل بالقدرة الإبداعية للكتّاب”، وفق تقديره.